الحديث عن “أخونة مؤسسات الدولة” لا ينقطع منذ تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، بالرغم من نفي جماعة الإخوان هذه الاتهامات في أكثر من مناسبة. الفنانون السينمائيون انضموا أيضا لهذا السجال بعد تولي دكتور عبد الستار فتحي مهمة تسيير الأعمال الرقابية، بالتزامن مع رفض الرقابة لعدد من الأفلام السينمائية.

الحديث عن الجنس لا يناسب تقاليد المجتمع

الحديث عن “أخونة مؤسسات الدولة” لا ينقطع منذ تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية، بالرغم من نفي جماعة الإخوان هذه الاتهامات في أكثر من مناسبة. الفنانون السينمائيون انضموا أيضا لهذا السجال بعد تولي دكتور عبد الستار فتحي مهمة تسيير الأعمال الرقابية، بالتزامن مع رفض الرقابة لعدد من الأفلام السينمائية.

الحديث عن الجنس لا يناسب تقاليد المجتمع

رغم موافقة جهاز الرقابة على سيناريو فيلم “الصمت” إلا أن الناقد السينمائي ومؤلف الفيلم رفيق الصبان فوجئ بعد تولي عبد الستار فتحي مهمة تسيير الأعمال الرقابية بإعتراض الرقابة وبرفضها منحه تصريح بالتصوير لأن “قضية زنا المحارم التي يناقشها الفيلم والمشاهد المثيرة التي يتضمنها السيناريو لا تتناسب مع تقاليد المجتمع المصري”، يروي الصبان.

موقف جهاز الرقابة على المصنفات الفنية دفع رفيق الصبان للتأكيد على وجود محاولات لأخونة الرقابة ويقول “ما يحدث الآن أمر طبيعي، فجميع مؤسسات الدولة تتعرض للأخونة وأعتقد أن بعد التعديلات الوزارية الأخيرة وما ترتب عليها من تعيين علاء عبد العزيز المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في منصب وزير الثقافة سوف يعرض جهاز الرقابة للأخونة”.

ويضيف الصبان أن “هذه الخطوة بمثابة ضربة قاضية للسينما المصرية”،  لذلك هو يطالب المبدعين والسينمائيين “بالتوحد ضد هذا المخطط الخطير والدفاع عن مستقبل الفن المصري.”

وبرأي الصبان، فإن التغييرات والتطورات الأخيرة تشير بأن فيلم “الصمت” لن يخرج إلى النور لأنه يناقش قضايا حساسة ترفضها التيارات الدينية، “فرغم معاناة المجتمع من هذه القضايا إلا أنهم يعتقدون أنها لا تتناسب مع المجتمع الشرقي”.

خلاف بين السينمائيين حول ضرورة جهاز الرقابة

“أسرار عائلية” هو الفيلم الثاني الذي لم يسلم من مقص الرقابة مؤخراً. فمناقشة الفيلم لقضية المثلية الجنسية بشكل صريح وإحتواء السيناريو على العديد من المشاهد الصادمة والعنيفة دفع لجنة القراءة للاعتراض على العديد من المشاهد وإصدار قرار بضرورة حذفها وإجراء بعض التعديلات في السيناريو، لكون “الفيلم يتنافى مع الآداب العامة لتناوله قضايا حساسة تحمل جرأة واضحة” حسب تقرير لجنة القراءة.

و رغم إعلان السيناريست هاني فوزي عن إستيائه من قرار جهاز الرقابة إلا أنه إضطر للخضوع له، مؤكداً في الوقت ذاته أن الفيلم لا يكتفي بطرح القضية فقط بل يسعى لرصد طرق لعلاجها، معبراً عن اندهاشه الشديد من ملاحظات الرقابة على السيناريو، وموضحاً بأن ما حدث مجرد مؤشر لبداية أخونة الرقابة.

ويقول: “بعد إندلاع ثورة 25 يناير طالب المبدعون بضرورة إلغاء جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لأنه يقيد من حريتنا ويمنعنا من إيصال العديد من الرسائل الفنية الهامة، وبالفعل وقعنا على أكثر من بيان لكن لاحياة لمن تنادي”.

في المقابل اختلفت الناقدة السينمائية خيرية البشلاوي مع مطلب فوزي بإلغاء الرقابة علي المصنفات الفنية قائلة “انني أختلف مع المطالب التي تنادي بإلغاء جهاز الرقابة، فهذا الأمر سيؤدي إلى عرض أفلام رخيصة لاتتفق مع قيم وعادات المجتمع وتلعب على غرائز الجمهور. فأنا لا اؤيد سوى الفن المحترم الذي يسعى إلى الإرتقاء بعقلية المشاهد ويحاول غرس القيم الطيبة به.”

وإذا كان فوزي والصبان واثقين من مساعي أخونة الرقابة، فإن البشلاوي ترى أنه لا توجد حتى الآن أدلة واضحة على ذلك، وإن رأت وجود ضغوط علي الفنانين.

وتقول “لا يمكن لأحد يمكن أن ينتصر على الفن، نحن نعاني هذه الفترة من العديد من المشاكل الإنتاجية والفكرية و لسنا بحاجة إلى ظهور مشاكل أو ضغوط أخرى عليها”.

من خلف النقاب إلى خلف الستار

فيلم “للكبار فقط” هو حالة أخرى من حالات التوتر بين المبدعين والرقابة. فقد تعرض الفيلم الذي يناقش قضية زنا المحارم للعديد من الإنتقادات من جهاز الرقابة ومطالبة لجنة الرقابة بحذف العديد من المشاهد الجنسية التي يحتوي عليها العمل.

إلا أن مخرج الفيلم علي بدرخان رفض اعتبار هذا الأمر بداية لأخونة الرقابة والتقييد من حرية السينمائيين والمبدعين ويقول “هناك سببان يجعلاني واثقاً من استحالة أخونة الفن والرقابة، الأول يتركز في حكومتنا الفاشلة التي من الصعب عليها الضغط على المبدعين والسينمائين والتقييد من حريتهم. أما الثاني فيخص الشعب المصري الذي يعشق الفن والسينما والتلفزيون والمسرح ولا يستطيع الاستغناء عنهم. فالشعب سيقف أمام محاولات تقييد الفن أو إرهاب المبدعين والفنانين”.

واتفق المؤلف علي عبد الغني صاحب فيلم “تحت النقاب” الذي رفضته الرقابة أيضاً وطالبت بتغيير عنوانه مع آراء بدرخان قائلاً “من الممكن أن تكون هناك محاولات بالفعل لأخونة الرقابة والتضييق على محاولات انتقاد النظام الحالي والحزب الحكم، ولكني أعتقد أن المبدعين لن يستسلموا لهذه المحاولات، فالفن المصري خط أحمر ولا يمكن لأحد الاقتراب منه خاصة وأن مصداقيته تكمن في التعبير عن كافة فئات الشعب وعدم التركيز على جماعة او فئة معينة”.

وجاء رفض فيلم تحت النقاب، كما جاء في تقرير لجنة القراءة، بسبب “إحتواء السيناريو على على الكثير من الإساءات المباشرة للمنقبات، ووجود العديد من المشاهد التي تحمل إساءة بالغة للدين الإسلامي وتعارض السيناريو بشكل عام مع قيم وتقاليد المجتمع المصري”.

و رغم إعلان علي عبد الغني عن دهشته من ملاحظات جهاز الرقابة ورفضه في بدء الأمر الإستجابة لها إلا انه قرر التراجع عن موقفه وإجراء بعض التعديلات على السيناريو لكن دون الإخلال بالفكرة الرئيسية التي يقوم عليها الفيلم، وهي إستغلال بعض النساء للنقاب لإرتكاب جرائم بشعة، كما وافق على تغيير إسم الفيلم ليصبح “خلف الستار”.

“جهاز الرقابة يعمل لمصلحة الفن فقط”

في النهاية واجهنا القائم بأعمال رئيس الرقابة على المصنفات الفنية دكتور عبد الستار فتحي بالإتهامات التي لاحقت الجهاز بمحاولة أخونته وإخضاعه لفكر جماعة الإخوان المسلمين إلا أنه رفض التعليق على هذه الإتهامات وعبّر عن إستيائه الشديد من توجيه بعض المبدعين الإتهامات للجهاز قائلا: “لا يوجد لديّ أي تعليق على هذا الكلام، وكل ما يمكنني قوله إن الرقابة لا تعمل إلا لمصلحة الفن، فهي تحاول رفع سقف الحرية والإبداع والإرتقاء بالفن، أما فيما يخص المطالب المنادية بإلغاء الرقابة، فهذا كلام فارغ ولا يمكن تنفيذه لإن إلغاء الرقابة لن يكون في مصلحة الفن بل سيساهم في تدميره”.

وبصرف النظر عن صدق الاتهامات بالأخونة من عدمه، يبقى جليا أن وضع الحرية الإبداع لم تتغير بعد الثورة، فما زال المبدعون السينمائيون يتعرضون لضغوط كبيرة عندما يضعون على عاتقهم التصدي لقضايا إجتماعية مثيرة.