أثار قرار وقف بث قناة “الجزيرة مباشر مصر” التابعة لشبكة قنوات الجزيرة القطرية عاصفة من الجدل في أوساط أبناء المهنة، بين مؤيد لإغلاق القناة باعتبارها “تحرض على العنف”، وبين من رأى في القرار انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير.

أثار قرار وقف بث قناة “الجزيرة مباشر مصر” التابعة لشبكة قنوات الجزيرة القطرية عاصفة من الجدل في أوساط أبناء المهنة، بين مؤيد لإغلاق القناة باعتبارها “تحرض على العنف”، وبين من رأى في القرار انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير.

وكانت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة قد قضت في الثالث من أيلول/ سبتمبر الماضي، بوقف بث قناة “الجزيرة مباشر مصر”. وقالت “المحكمة” في حيثيات قرارها “إن القناة ظنناها يوماً ملاكاً يبارك ثورات الربيع العربي ويحميها ولكن تبين أنها شيطان سقطت عنه ورقة التوت، فإذا بها شريك فى مؤامرة دولية تهدف إلى تقسيم الوطن وبث الفرقة بين أبنائه وبينهم وبين الجيش والشرطة وصولاً إلى تمكين جماعة مرفوضة شعبياً من رقاب شعب مصر”.

“إضرار بالأمن القومي”

وفي تفصيل أسباب الحكم أوضحت المحكمة أنه يتعين على القائمين على البث الفضائي استخدام السلطات التى منحها لهم القانون، لوقف هذا “العبث الإعلامي بأمن مصر”، حيث إن استمرار هذه القنوات “يمثل استهانة واستفزازاً لمشاعر المواطنين عامة فى المجتمع المصري وإضرارا بالأمن القومي”.

وانتهت المحكمة إلى أن العمل الإعلامي في مصر، سواء كان مسموعاً أو مقروءاً أو مرئياً أو رقمياً، “يتعين أن يتمتع بوظيفة اجتماعية”، فيقيم التوازن بين حرية الرأى والتعبير، وبين مصلحة المجتمع وأهدافه، وحماية القيم والتقاليد والحق فى الخصوصية”.

“قرار الغلق خاطئ”

الدكتور حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، يرى أن قناة “الجزيرة مباشر مصر” لم يكن لها سند قانوني لكي تقوم بالبث في الأساس، مطالباً بمساءلة من سمح للقناة بالتواجد في الشارع، خاصة وأنها “استغلت حالة العشوائية والتزاحم التي تواجدت بمصر فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير”، بحسب قوله.

وأضاف “القناة لاتعمل بطريقة مهنية وإنما هي قناة دعاية، فهي تقوم بمساندة فصيل رفضة الشعب، إلى جانب نشرها الشائعات وتضخيمها تصوير مظاهرات محدودة العدد، فهي  لسان حال دولة التي تتخذ سياسات معادية لمصر”.

في المقابل أعربت الدكتورة منى الحديدي، رئيس قسم الإذاعة و التلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، عن استيائها من غلق قناة الجزيرة، مؤكدة أن هذا الحكم يتعارض مع حرية التعبير وتداوال المعلومات التي نادت بها ثورة 25 كانون ثان/ يناير.

ورغم إشارتها إلى أن قناة الجزيرة “أخطأت في تغطية الأحداث الأخيرة وخالفت المعايير المهنية”، إلا أن الحديدي ترفض أن يكون العقاب غلق القناة بشكل نهائي، “فقد كان من الممكن أن يقتصر الأمر على فرض غرامة مالية أو منع بث أو عرض أحد برامجها وليس غلقها” .
وتضيف “فوجئت أن من ضمن حيثيات الحكم أن القناة كانت تعمل بدون ترخيص أو سند قانوني، وهو الأمر الذي أثار حالة من الدهشة ودفع الكثيرين للتساؤل عن سبب ترك المسئولين تواجد هذه القناة في مصر بدون حدوث أي مشكلة لها”.

“الحكم عادل ومنطقي”

أما الدكتور محمود علم الدين، وهو رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فيختلف مع الحديدي حيث يرى أن الحكم بوقف بث قناة الجزيرة “عادل ومنطقي للغاية” حيث أن القناة برأيه لم تلتزم المعايير المهنية والأخلاقية ولم تحترم ميثاق الشرف الإعلامي “وهذا الحكم كان رد فعل عن محاولاتها لإشعال الفتنة والتحريض على أعمال عنف وتخريب”.

وتماهياً مع وصف المحكمة لحيثيات القرار يضيف علم الدين أن الجزيرة مباشر “كانت تهدد الأمن القومي في مصر ولم تلتزم بأبسط معايير المهنية وهي الدقة والموضوعية وعدم المساهمة في نشر الكراهية والعنف، فهي قررت تبني وجهة نظر واحدة وخدمة مصالح جماعة الإخوان المسلمين والآن نتفاجأ بأن مسؤولي هذه القناة يوجهون الإتهامات للحكومة بتقييد حرية الرأي والتعبير وتكميم الأفواه”.

أما دكتورة ليلى عبد المجيد، عميد كلية الإعلام الجامعة الكندية، فترى أن مشكلة القناة أنها كانت تعمل بدون ترخيص طوال السنوات الماضية وهذا الامر بمثابة “كارثة كبرى” على حد وصفها، “فلا يوجد دولة محترمة متقدمة لديها قوانين من الممكن أن تسمح بحدوث هذا الأمر”.

لذلك ترى عبد المجيد أن “هذا الحكم إجراءٌ “طبيعيٌ كان لابد من اتخاذه منذ عدة سنوات”. وتضيف “هناك سبب آخر دفعني لتأييد هذا الحكم وهو ان هذه القناة كانت تمارس حرب غير مباشرة ضد مصر وشعبها، فهي كانت تعتمد على تزييف الحقائق ونشر الكراهية و العنف، فهي لم تراعي المسؤولية الإجتماعية أو العمل المهني والأخلاقي”.

الجزيرة: نتعرض لحملة تشويه
أيمن جاب الله المدير العام لقناة “الجزيرة مباشر مصر” والمقيم حالياً في دولة قطر، أكد أن الإعلام يواجه خطراً حقيقياً من خلال إجباره على نقل صورة واحدة ووجهة نظر معينة رافضاً كافة الإتهامات التي وجهت للقناة بالتحريض على العنف او تزييف الحقائق.

ويقول جاب الله “قناة الجزيرة تتعرض لحرب شرسة من بعض الجهات ويتم التعامل معها وكأنها إحتلال لابد من القضاء عليه، على الرغم من أن الجزيرة كانت من أهم القنوات التي لعبت دوراً هاماً ايام في ثورة 25 يناير”.

ويؤكد مدير القناة أن هناك في مصر  من يصف أي صحفي أو إعلامي يعمل بالقناة بأنه عدو للوطن ويسعى لتدميره. “ورغم كل هذه المحاولات إلا أن القناة مازالت تحظى بنسبة مشاهدة عالية، فالشعب المصري أصبح مُدركاً لكل شيء يحدث حوله”.
وبالنسبة للحكم الصادر بغلق القناة، قال جاب الله “لا أريد التعليق على الحكم القضائي الذي صدر مؤخراً بوقف بث قناة الجزيرة ولكني أريد أن اؤكد ان كافة مستنداتنا سليمة ولدينا تصريحات واضحة وسليمة أيضا،ً ونحن نتخذ الكثير من الإجراءات القانونية لإثبات هذا الأمر، كما أننا نستعد لإتخاذ إجراءات قانونية أخرى ضد الإنتهاكات والتجاوزات التي طالت العاملين بالقناة بالإضافة إلى تعرض ترددات قنواتنا للتشويش وهو ما يخالف المبادئ الخاصة بحرية الرأي والتعبير وأيضاً نقل المعلومات”.

نقابيون ضد القرار

“أنا ضد اغلاق أية وسيلة إعلامية أو صحيفة”، تقول عضو مجلس نقابة الصحفيين عبير السعدي تعليقا على قرار المحكمة بوقف بث قناة “الجزيرة مباشر مصر”.

وتؤكد النقابية الإعلامية على رفضها مبدأ “العقوبة الجماعية”. فبرأيها “كان لابد من معاقبة الشخص المخطئ أو فرض غرامة مالية على من يخطئ، ولكن ليس إغلاق الوسائل الاعلامية، خاصة وأن هذا الأمر يتعارض مع حرية التعبير والرأي”.

وأكدت السعدي على مطلب نقابة الصحفيين من لجنة الخمسين -المخول لها تعديل الدستور- وضع مادة تحظر إغلاق أية وسيلة إعلامية إلا بحكم قضائي وفق ضوابط محددة، إلى جانب وجود قوانيين لمعاقبة أي شخص يحرض على العنف والكراهية.

وتختم السعدي كلامها إلى “مراسلون” بنيرة تحذيرية إلى جميع العاملين في قطاع الإعلام قائلة “إذا قبلنا هذا المبدأ اليوم لأي تبرير كان، سنقبله غدا بلا تبرير، ووقتها سيطبق على باقي القطاعات الصحفية والفضائية”.