يؤكد وزير التعليم المفوض د. عثمان عبد الجليل في قراراته الأخيرة، أن من حق الليبيين كلهم الدراسة بالخارج، وأنها  ليست مقصورة على المتفوقين أو المعيدين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، الذين أوفدوا منذ زمن وكثير منهم يدرس في جامعات خاصة وغير معتمدة، وفتح الباب للراغبين في الإيفاد للدراسة في الخارج على حساب الدولة مشترطاً القبول في 300 جامعة اعتمدتها الوزارة وفقاً لأحد التصنيفات العالمية، ثم حدد هذا الحق للتخصصات المهمة التي تحتاجها الدولة، ثم أعلن أن تلك التخصصات ستحدد مستقبلاً وأن عليهم الانتظار حتى تعديل لائحة الإيفاد وتنظيم الآلية.

حول ذلك يرى البروفيسور والباحث الأكاديمي فرج دردور وهو مستشار لدى وزراة التعليم أن الإيفاد من الكماليات وهو منحة لا يوجد شيء يوجبها على الدولة تجاه المواطن، “وهو حاجة مجتمع لا شخص”، ويضيف بأن جامعات فرنسا لا يوجد بها فرنسيون في الدراسات العليا، وكثير منهم يكتفون بالتعليم الجامعي الذي يؤهلهم لسوق العمل مباشرة.

بينما التعليم حق مكتسب لكل مواطن يكفله الدستور الفرنسي ولهذا الدولة موجبة بالإنفاق على الطلاب الفرنسيين والأجانب ومنحهم منحة مالية طيلة الدراسة حسب الدكتورة حميدة يوسف عضو التدريس بجامعة طرابلس الموفدة على حساب الدولة في فرنسا، التي تساءلت هل الدستور الليبي سيضمن للمواطن هذا الحق؟، وفي فرنسا لا يكملون التعليم العالي لأن التعليم المهني يؤهلهم ثم عندهم مبدأ الثقافة قبل التعليم التي تبدأ مع تربية الأطفال منذ الصغر ويتعلمونها في المدراس فيتخرج من الجامعة وهو يناقش حامل الدكتوراه متفوقا عليه، فلا مقارنة بين التعليم عندنا وعندهم، وهل سنرى اهتماما بالثقافة أكثر من التعليم في وطننا؟ تتساءل أيضا.

أعداد الموفدين

الطلاب الذين لديهم قرارات إيفاد عددهم قرابة 27000 موفد، وحاليا يدرس قرابة 9000 موفد خارج ليبيا حسب تصريحات وزير التعليم المفوض،

وأفاد “مراسلون”  طارق الجهمي مدير مكتب الدراسات العليا جامعة بنغازي، بأن الطفرة في قرارات الإيفاد لم تحدث من قبل،  فبين عامي 2013-2015 تجاوز عدد الموفدين 30000.

ويعلق الدكتور محمد الطبولي رئيس جامعة بنغازي السابق والموفد في السبعينات لتحضير الماجستير والدكتوراه في أمريكا، بأن الإيفاد الخارجي يحتاج تقنينا وتنظيما في خطة واضحة لم تقم بها وزارات التعليم المتعاقبة، فكانت الفوضى واضحة في أعدادهم وتخصصاتهم، ولكنه ضروري حتى يستفاد من خبرات الجامعات التي تصقل الطالب وتجعله باحثا حقيقيا، “وأرى إعطاء الأولية للمعيدين وأعضاء هيئة التدريس وتكون متطلبات الإيفاد لغيرهم أكثر اشتراطا، وقد لا يتفق كثيرون معي”.

ويؤكد الدكتور “مبروك سلطان” المتخصص في الحاسوب من الجامعات الماليزية الأكاديمي في أكاديمية الدراسات العليا أن الإيفاد الحالي دون معايير وخطة هو مجرد قوائم وفرص تُهدر دون مردود حقيقي في الغالب، وقد تنعكس سلبا بدخول السلك الأكاديمي مؤهلين يحملون درجات عامية ويفتقدون للسلوك الأكاديمي، و هذا سيؤثر حتما على نتائج دخولهم الجامعات.

وتشاطره الرأي الدكتورة نجوى بن شتوان الروائية الليبية العالمية التي تحصلت على الدكتوراه في إيطاليا مؤخرا، بأن المعاناة في الإيفاد مستمرة والواسطة التي توفد الأعداد الكبيرة في العلوم الإنسانية والتجريبية توصل كثيرين لمرتبة باحث أكاديمي وهم لا يمتلكون ملكة البحث أساسا.

إيفاد “الداخل والخارج”

ثمة نوعان من الإيفاد في ليبيا حسب (الجهمي) هما الإيفاد الداخلي والإيفاد الخارجي، والإيفاد بالخارج هو الذي يمنح الميزات التي لا يخصص عشر معشارها لإيفاد الداخل، فمرتب الموفد بالخارج في شهر يساوي منحة الموفد بالداخل طيلة العام الدراسي، ولهذا قرارات الإيفاد بالداخل خاصة بالمعيدين الذين لا يستطيعون السفر للخارج كطالبة لا مرافق لها، وطالب ظروفه لا تسمح بالسفر فيختاران مواصلة تعليمهم بالداخل، إضافة للشروط التعجيزية من قبل الوزارة التي تحد من قدرة الجامعات على افتتاح أقسام الدكتوراه إلا بتوفر أعضاء ليبيين أكاديميين قارّين غير متعاونين من جامعات أخرى وفق قرار التعليم القديم الذي لم يستطع أحد تعديله، وفي جامعة بنغازي أم الجامعات الليبية التي مضى على تأسيسها 63 عاما يوجد 90 طالبا في مرحلة الدكتوراه قليل منهم موفدون بالداخل والبقية على حسابهم الخاص.

ولكن وحسب الطبولي فإن الجامعات الليبية ليست مهيأة وبخاصة جامعة بنغازي التي دُمرت، فلا توجد مكتبة تتوفر بها كتب حديثة ولا وسائل الاتصالات المتوفرة في الجامعات العالمية، والعدد للدكتوراه محدود قبل الحرب في بعض أقسام جامعتي بنغازي وطرابلس فالغالبية العظمى ترغب في مواصلة دراستها بالخارج “وهذا من حقها”.

ويضيف (سلطان) بأن الإيفاد الداخلي والخارجي يفرغان الباحث للبحث العلمي ومنحه منحة تكفي لتفرعه، فيفترض أن يكونا على سواء، وأوضاع البلاد منحت إيفاد الخارج الفاعلية وهو يمنح الطالب عزلة عن الكثير من العوامل الاجتماعية تساعده على التركيز في بيئة بحثية مناسبة.

التصنيف الجامعي

تصنيف الجامعات دوليا يهدف لوضع معايير تنافس موحدة للجامعات وتجويد التعليم بحسب “سلطان”، “وللأسف” فالجامعات الليبية تقبع في أسفل القائمة وخارجها، ويمكن وضع معايير للتصنيف المحلي ومعايرتها سنويا حتى تخلق بيئة تنافسية محلية.

وفي رؤية أخرى للواقع التصنيفي يضيف (دردور) بأنه لا يوجد في ليبيا خبراء وعلماء، ومؤشر المنظومات العالمية للتصنيف يدلل على ذلك، “والعرب ليسوا بعيدين عنا”، فتعليمهم وجامعاتهم خارج التصنيف يقول دردور

فيما ترى (بن شتوان) أن تردي التعليم الجامعي والتصنيف واضح، فليبيا البلد الأول تقريبا الذي يحمل فيه نصف السكان شهادات جامعية بحسب شتوان، “لكن واقعيا غير فاعلة في ميادينها”، وتضيف أن الإيفاد في “دولة ضعيفة” ذات تعليم متردّ مثل مصر لن يضيف للموفد جديدا في التعليم والتصنيف الجامعي، “وبعض الدول العربية مثل الإمارات امتنعت عن قبول الشهادات والخريجين القادمين من مصر”.

في المقابل ترى “أحلام محمد” طالبة الماجستير في مصر أن الإيفاد إلى مصر مفيد وجيد، ففيها مثلا جامعة القاهرة تقدمت بين أفضل 500 جامعة في العالم وفق تصنيف شنغهاي الصيني و QS البريطاني وويبومتريكس الإسباني وهي أشهر التصنيفات العالمية، بينما دخلت جامعة بنغازي والجامعة الليبية الدولية إلى بعض التصنيفات وحصلت على الترتيب الأول في ليبيا مؤخرا، والأخيرة جامعة حديثة قد أكملت العقد الأول منها وفي مدينة بنغازي التي تشهد حربا استمرت سنوات.

“الإيفاد جيد بعد التقنين ومفيد لنا” يقول “ذاود عبدالله” الأكاديمي في جامة سرت، لكن ليبيا بحاجة إلى النظرة الشاملة للتعليم بدءا من التعليم الأساسي، مشيرا إلى أن الاهتمام بالفهم لا بالتلقين والحفظ  ي العلوم تمد الموفدين بالمعرفة لكنها لا تقدم لهم حقائق يقينية.

وتختم (بن شتوان) أنه لو  تم تطوير القطاع التعليمي المادي والإنساني في ليبيا، بالإضافة إلى استجلاب أطقم تدريس متفوقة، ووضع خطة محكمة وتم تنفيذها بحزم وحسم، فيمكن أن يغير ذلك من واقع ليبيا التعليمي والتصنيفي وتتساءل: من سيوكل لهم ذلك وهل هناك كفاءات تستطيع تحقيق نسبة من هذا؟ وتجيب: “الموجودون حاليا في منصة القرار لا أعتقد أنهم كذلك”.