لسرت (420 كلم تقريبا شرق طرابلس) مسقط رأس القذافي وعاصمته السياسية رمزية خاصة، جعلت جامعتها تحظى بنصيب وافر من الاهتمام لم تحظَ به أعرق جامعات ليبيا، فمباني الجامعة حديثة وضخمة إذا ما قورنت بعدد الطلاب ومساحة المدينة.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أواخر عام 2011 والتي كانت سرت آخر ساحاتها تعرضت الجامعة لدمار لم يكن كبيراً وسرعان ما تمت صيانته، وتأقلمت المدينة مع الدولة الجديدة واستمر التعليم الجامعي، لكنه توقف بعد ثلاث سنوات إثر سيطرة تنظيم داعش عليها وإعلانها “إمارة إسلامية” من فبراير 2015 حتى طردهم وسيطرة قوات البنيان المرصوص على المدينة في ديسمبر 2016.

يوجد بجامعة سرت كل الكليات العلمية والأدبية واتسعت ليكون لها فروع في مدن مجاورة حسب  ما أفاد “مراسلون” الدكتور مصباح احواس المسجل العام بالجامعة، وأوضح أن عدد الطلاب قبل دخول تنظيم داعش كان 14500 طالب وطالبة، وتناقص العدد في حقبة سيطرة تنظيم داعش فوصل 4000 طالب حتى أغلقت الجامعة أبوابها، وعدد الملتحقين حالياً قرابة 5000 طالب وطالبة، وسيزداد العدد “إذا سارعت الجهات المسؤولة في الدعم الذي يصلح الدمار وقد تلقينا وعوداً ولكن لم يُنفذ أي منها”.

حقبة داعش

حقبة داعش تركت الجامعة في حالة “دمار شامل” حسب وصف رجاء صالح (25 عاماً) الطالبة في قسم الإعلام بجامعة سرت، “الجامعة مدمرة والمسؤولون يهملونها، وكأننا ندفع ضريبة ونخضع للعقاب المتكرر”.

يتفق الطلاب وإدارة الجامعة أن حقبة داعش كانت الأكثر خطراً حيث انتشر الرعب وغاب الأمن وارتفع مستوى الجريمة، فنُصبت المشانق وتحوّل الحرم الجامعي لساحة قتال قُتل فيها ذات مرة طالبان وطالبة حسب فاطمة محمد (28 عاماً) الموظفة في الجامعة.

تروي فاطمة تفاصيل الحادثة “المأساوية” قائلةً أن عناصر من التنظيم طاردوا ثلاثة طلاب “يبدو أنهم كانوا مطلوبين على خلفية منشورات على الفيسبوك وكان أحدهم مسلحاً”، وتبادلوا إطلاق النار ما نتج عنه مقتل اثنين من الطلبة وطالبة أصيبت عن طريق الخطأ وتوفيت.

أحكام داعشية

كما فرض التنظيم أحكاماً جعلت حياة الطلبة في جامعتهم تزداد صعوبة، حيث قام بفصل الطالبات عن الطلبة في قاعات الدراسة حسب كلام رجاء، “في البداية فرض على الطالبات الجلوس في المقاعد الخلفية والطلبة في الأمام، وفي مارس 2015 لما أحكم تنظيم داعش سيطرته بشكل تام قرر فصل الطلبة عن الطالبات بشكل نهائي، فاضطرت الجامعة أن تقسم  الدراسة على فترتين، صباحية للطالبات ومسائية للطلبة”.

وتضيف أن أفراد التنظيم منعوا أيضاً طلاء الأظافر “وكانوا يقومون بتفتيش الطالبات دون غض البصر الذي هو سبب الفصل كما زعموا”.

رأت إدارة الجامعة في تلك الفترة حسب فاطمة أن تطلب من موظفاتها عدم الدوام حفاظاً عليهن، وذلك بعد تعرضهن “لإساءات ومطاردات وفرض الزي الداعشي عليهن”، حدث ذلك تحديداً بعد وقوع حادث تصفه بأنه “من أقسى المواقف وأبشعها”.

وذلك حين “دخل أحد أفراد التنظيم وهو سوداني الجنسية وفي يده سوط، وكانت وظيفته مراقبة التزام الطالبات بالزي الشرعي، وفجأة سمعنا صراخ طالبة لنكتشف أن عضو التنظيم قام بضربها بالسوط حتى التف على عنقها فكاد أن يخنقها، وهو يصفها بـ”السافرة الفاجرة” بسبب ارتفاع جلبابها في ذلك اليوم العاصف فانكشف جزء من ساقها” كما روت فاطمة.

تدخل في المناهج

التنظيم تدخل أيضاً في سير العملية التعليمية حيث كان من ضمن “الأحكام” الداعشية حسب المسجل العام للجامعة إغلاق كلية القانون بحجة أن ما يتم تدريسه فيها هو “قوانين وضعية”، ومنع مواد متعلقة بالمصارف من كلية الاقتصاد لأنها تساهم في نشر “الربا”، ما دفع الجامعة لإعلان إغلاق الجامعة أواخر 2015، واستأجرت مبنىً في طرابلس وبدأت إجراءات الطلاب اللازمة لانتقالهم ومواصلة دراستهم غير أن المدينة تحررت بعد ذلك بحوالي عام.

كل هذا الضغط على الطلاب جعل عدداً كبيراً منهم يتطوع للقتال ضد التنظيم وقتل كثير منهم في معارك التحرير وذلك حسب كلام امحمد عبدالله (23 عاماً) والذي كان التنظيم يبحث عنه لكتابته منشورات ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول امحمد “وجوه كثيرة من الطلبة المتطوعين لقتال تنظيم داعش نراهم اليوم يرممون ما يمكن ترميمه في الجامعة”.

أعضاء هيئة التدريس من الأساتذة غير الليبيين لم يسلموا أيضاً من تدخلات أعضاء التنظيم، حيث تعرض كثير منهم في تلك الفترة “للاستجواب والإساءة والسجن ففروا إلى أوطانهم” حسب كلام الدكتور عبدالله المهلهل وكيل الجامعة للشؤون الإدارية والمالية.

يتحدث المهلهل عن حوالي 400 أكاديمي كانوا يعملون في الجامعة بمختلف التخصصات لم يرجع منهم للعمل سوى 25 أكاديمياً حتى اليوم، يقول المهلهل إن “التحدي الذي أمامنا هو إرجاعهم أو التعاقد مع آخرين جدد” وهو ما يتطلب استقرار الأمن في المدينة.

تكاتف الجهود

ما يربط حقب الجامعة الثلاث ببعض – قبل دخول داعش وأثناءها وبعدها – هو قلة الميزانية وتأخرها، بل أحياناً لا يصل المبلغ المرصود كاملاً بحسب المهلهل.

يقول المهلهل إنهم يحتاجون لكل درهم  بشكل عاجل لإعادة عمران المباني التي دمرت بالكامل، وتوفير المستلزمات الضرورية، متحدثاً عن جهود ذاتية لصيانة قاعات الطلاب، وبعض المكاتب في بعض الكليات التي بدأت الفصل الدراسي في شهر يوليو الماضي “لإيصال رسالة مفادها أن الدراسة بدأت بالجامعة لعل الطلاب النازحين يعودون لها”.

وتتمة لما قاله المهلهل يضيف محمد الأميل الناطق باسم المجلس البلدي أن المجهودات الذاتية التي يقومون بها محدودة في ظل غياب الميزانية، “فالضرر كبير” ويحتاج لجهود منظمات دولية، مشيراً إلى أن الجامعة تحصلت على دعم بسيط حاولت من خلاله صيانة بعض المرافق المهمة لبدء الدراسة، “وفي انتظار تنفيذ الوعود وتحمل المسؤولية من صناع القرار”.

بعد استعادة المدينة لجامعتها رجع جزء كبير من إدارة الجامعة من طرابلس، وفتحت كلية القانون أبوابها من جديد وبالفعل بدأ الطلبة يعودون إليها، وحسب رئيس اتحاد الطلبة عبد المنعم التائب الذي يدرس الآن في مرحلة الماجستير فإنهم سيقومون بانتخاب رئيس جديد للاتحاد العام الشهر القادم، “نحن في انتظار التحاق الطلاب كلهم ليشاركونا طلب العلم وبناء جامعتنا”.