يبيع ويتعاطى محمد (42 عاماً) أنواعاً مختلفة من المخدرات في منزله ببنغازي منذ حوالي 10 سنوات، حيث يعيش في أحد الأحياء المشهورة بهذه التجارة الممنوعة، بشكل يكاد يكون على مرأى ومسمع من الجهات الأمنية في ثاني أكبر مدينة ليبية.

انتشار الظاهرة

يقول هذا التاجر الذي لم يتردد في الحديث إلى “مراسلون” إنه يبيع مخدر الحشيش والخمر المحلي بالمعروف بـ “القرابّة”، لسهولة تعاطي الأول عن طريق التدخين وتصنيع الثاني محلياً بأسهل الطرق، ويبيع تجارٌ غيره بضاعتهم بشكل يومي كالأقراص المخدرة التي منها “حبوب السعادة والترامادول وغيرها”.

ويتابع أن تزايد الطلب على المخدرات ضاعف نسبة الأرباح من الاتجار بها في بنغازي بعد فبراير 2011، والفوضى الأمنية في البلاد جعلت الجهات الرقابية والضبطية غير قادرة على أداء عملها، وبالتالي “أستطيع القول بأننا نتاجر في بيئة مريحة للعمل”.

نشاط تجار المخدرات في بنغازي يتم بشكل عادي أمام المواطنين العاديين في الشوارع والطرق العامة، بعد أن كان يتم بشكل غير منظور في الأزقة ليلاً، وهو ما قاله علاء رمضان (38 عاما) وهو شاب يسكن في منطقة “الماجوري” وسط بنغازي لـ”مراسلون”.

“هذا ما سيقوله كثير من شباب المدينة الذين لا يتعاطون ولا علاقة لهم بالمخدرات” يقول رمضان، فقد كان تجار المخدرات يُعدون على أصابع اليد ومنهم “الحول والبولندي والبشبو” في مناطق “الماجوري والوحيشي والسلماني الشرقي”، لكن الأسماء كثرت والمناطق تمددت لتصل أرض قريش وزواوه وبوهديمة وغيرها بحسب رمضان.

نتيجة طبيعية

هذا النشاط اللا شرعي المنتشر بعد عام 2011 يقول عنه سليمان الشحومي الخبير الاقتصادي إن زيادة فرص تناميه ورواجه هو نتيجة طبيعية لاختلال الأمن والنظام الذي يؤدي إلى عدم فعالية الأجهزة الأمنية والقضائية في ليبيا وعدم مقدرتها على مراقبة الحدود والمنافذ بحسب تعبيره، وهو يعد من أكبر مصادر الربح غير الشرعي في العالم وأسرعه.

وبحسب وليد العرفي الناطق الإعلامي باسم البحث الجنائي بنغازي فإن كميات كبيرة من المواد المخدرة تصل إلى المدينة بشكل مستمر، فقد ضبطوا بتاريخ 31 أكتوبر 2017 حاوية طولها 40 قدم تحوي 17 مليون و 900 ألف قرص ترامادول، سبقها ضبط 4 حاويات من مخدر الحشيش تضم أطنانا كثيرة، و17000 قرص ترامادول في المدة الماضية.

ويتابع أن القبض يكون بالتعاون بين الجهات الأمنية من الشرطة ومديرية الأمن والبحث الجنائي، وتحال الكميات المضبوطة إلى فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، فهي الجهة ذات الاختصاص الأصيل في الدولة.

وتلاحظ سميرة البرعصي مدير مكتب الإعلام بمصلحة الجمارك الليبية أن الكميات التي تم ضبطها من المخدرات في شهر أكتوبر من العام الحالي كانت مضاعفة عن الأشهر السابقة، حيث أكدت أن قسم مكافحة التهريب والمخدرات بالمصلحة قام بضبط وإعدام خمسة ملايين قرص مخدر نوع ترامادول تمّت محاولة إدخالها عن طريق ميناء بنغازي قادمة من سنغافورة.

الكبار فوق القانون

“القانون يُطبق فقط على الأجانب الذين يتاجرون في بنغازي وبعض الليبيين الذين يتم القبض عليهم، أما التجار الكبار فلا يمكن القبض عليهم ويتم تهريبهم في كل مرة” بحسب التاجر محمد.

لكن العقيد طارق نجم مدير فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بنغازي يقول إن قضايا المخدرات من أصعب القضايا، فهي شبكات والقانون يطبق على الجميع، وربما فوضى الانفلات الأمني وانتشار السلاح تجعل المهمة تكون أصعب.

يذكر نجم لـ”مراسلون” أنه قبل أيام قامت عصابة مسلحة بالهجوم على أحد أفراد التحريات، واستمر التعامل معهم حتى ساعات متأخرة من الليل، والجناة كانوا أفارقة من تشاد والسودان وغيرها ومن الليبيين أيضاً.

ويعلق محمد تاجر المخدرات أن “هذه تجارة عالمية لا تتأثر بالضبطيات التي ذكرها العرفي وذكرتها البرعصي، فالدعم لهذه التجارة كبير وبالمليارات، والمجتمع الدولي فشل في مكافحتها في الدول المستقرة فما بالك بدولتنا التي تعاني الانفلات الأمني”.

خلايا عنقودية

في بنغازي حسب محمد يُفلت تجار كبار مثل الحول والبولندي بسهولة من المداهمات المستمرة لهم من قبل الجهات الأمنية، وذلك بعد مقاومة بسيطة بالأسلحة الخفيفة بينهم، بل في مرات مثيرة يخلي هؤلاء التجار أماكنهم ويخفون بضاعتهم قبل حتى وصول القوة الأمنية بسبب “الخبريات” التي تصلهم من داخل الأجهزة الأمنية نفسها.

مشيراً إلى أن بعض الزبائن هم من الجهات الأمنية، وهذا ما يسهل دخول الكميات الكبيرة إلى بنغازي عن طريق البر، بالتنسيق مع بعض البوابات أو عن طريق الميناء الذي تم افتتاحه من جديد قبل شهر، لتبدأ محاولات التجارة بحراً، “فأجهزة الدولة شريك حقيقي في تجارة المخدرات” يقول التاجر.

تلك الأسماء التي يذكرها تاجر “القطاعي” محمد تعتبر أسماء صغيرة يتم استغلالها من قِبل تجار غير مرئيين بحسب أيوب العرفي الناطق الإعلامي باسم البحث الجنائي، وجميعهم يعملون في “خلايا عنقودية” والرأس المدبر الكبير لا يكون في الواجهة، بمعنى لا يبيع بشكل مباشر وقد لا يكون ليبيّاً أو موجوداً في بنغازي بحسبه.

“تجارتنا مستمرة” يقول محمد، والحملات الأمنية أو المداهمات أو الضبط “أو أو أو” لا تؤثر أبدا على تلك التجارة، ويختم قوله “لا تستغرب فقد يكون بيع المخدرات على عينك يا شرطي”.