النازحون داخل ليبيا أو إلى خارجها عنوان عريض لملف إنساني مأساوي شائك. كانت الموجة الأولى مع نزوح نحو أربعمائة ألف شخص معظمهم من المنطقة الغربية نحو تونس وقليلهم من المنطقة الشرقية نحو مصر هروباً من قمع كتائب القذافي التي هاجمت مدنهم وقراهم. وبعد سقوط نظام القذافي عاد نازحو الموجة الأولى في الوقت الذي جرت فيها موجة نزوح ثانية. هذه المرة تمثلت في فرار عشرات الألوف من أتباع وأنصار النظام المنهار، معظمهم إلى تونس ومصر.

النازحون داخل ليبيا أو إلى خارجها عنوان عريض لملف إنساني مأساوي شائك. كانت الموجة الأولى مع نزوح نحو أربعمائة ألف شخص معظمهم من المنطقة الغربية نحو تونس وقليلهم من المنطقة الشرقية نحو مصر هروباً من قمع كتائب القذافي التي هاجمت مدنهم وقراهم. وبعد سقوط نظام القذافي عاد نازحو الموجة الأولى في الوقت الذي جرت فيها موجة نزوح ثانية. هذه المرة تمثلت في فرار عشرات الألوف من أتباع وأنصار النظام المنهار، معظمهم إلى تونس ومصر.

داخلياً.. توالدت مآسي النازحين (بعد الإطاحة بنظام القذافي) من مناطق الاحتراب إلى مناطق أخرى آمنة. وتمثلت القضية الأبرز، في نزوح سكان مدينة تاورغاء، الذين تم تهجيرهم جمعيهم قسرياً (يُقدر تعدادهم بنحو أربعين ألفاً) على يد مليشيات مصراتة المجيشة بدوافع انتقامية، بحجة أن العديد من المجندين من أهل تاورغاء في كتائب القذافي ارتكبوا جرائم قتل واغتصاب بحق سكان مصراتة.

ولقد مررت بالسيارة بتاورغاء (تبعد عن مصراتة 38 كيلومتر شرقاً) في طريقي إلى بنغازي قبل القبض على القذافي في سرت بعشرة أيام. كانت خالية تماماً من ساكنيها. وكان لا يزال بعض الدخان يتصاعد من بعض بيوتها المحترقة. وقد شُطب اسمها من لافتة الطريق الضخمة التي تشير إلى المدينة وكتب فوقه “مصراتة الجديدة” في دلالة على مصادرتها بعد طرد أهلها. وقد أصبحت مأساتهم قضية إجرامية بعهدة المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2012.

كنتُ في طرابلس أيضاً عندما غزت الميليشيات الإسلامية العاصمة، في 13 يوليو 2014، لإجهاض نتائج انتخابات مجلس النواب بعدما تكشف لها خسارة ممثليها الفادحة. وخاضت حرباً طاحنة ضد مليشيات الزنتان التي انهزمت فانسحبت من طرابلس متراجعة إلى مناطق ورشفانة الواقعة غرب طرابلس بأربعين كيلومتراً، وقد نزح سكانها بعد تعرضهم لهجوم كاسح من ميليشيات “فجر ليبيا” في اتجاه مناطق الزنتان الداخلية وصولاً إلى تونس للقادرين مالياً.

بالمقابل، في سياق حروب التهجير، هاجمت ميليشيات الزنتان بكل قوتها المسلحة مدينة ككلة، فكانت النتيجة تهجير سكانها الأربعين ألفاً تقريبا. وفي الجنوب دفع الاقتتال الضاري بين قبائل الطوارق والتبو في مدينة أوباري إلى نزوح معظم الأسر إلى خارج المدينة التي توقفت الحياة العامة فيها بعد إغلاق الدوائر الحكومية والمصارف والمحلات التجارية ومستشفى المدينة العام أبوابها.

فيما كان الجنرال خليفة حفتر ماضياً في “عملية الكرامة” للقضاء على الميليشيات الإسلامية المتهمة باغتيال المئات من ضباط الجيش والشرطة وغيرهم من نشطاء مدنيين وإعلاميين. فأسفر الاقتتال الواسع النطاق في أحياء المدينة إلى نزوح عشرات الألوف في هيئة عائلات إلى مدن الشرق الآمنة مثل المرج والبيضاء. أما غيرهم من القادرين مالياً فلجؤوا إلى مصر.

بينما لجأ النازحون من أفراد وأسر خوفاً، من انتقام قوات “عملية الكرامة” كونهم محسوبين على “مجلس شورى ثوار بنغازي”، إلى مدن غرب البلاد وتحديداً مصراتة وطرابلس.

وبالإجمال وصل تعداد النازحين داخلياً، حسب تقدير المفوضية العليا للاجئين، إلى حوالي أربعمائة ألف شخص يتوزعون على 35 مدينة وقرية منذ ذروة الاحتراب الداخلي في منتصف 2014. ومنها أربع مدن اُعتبرت منكوبة إنسانيا وهي بنغازي وورشفانة وككلة. وسرت التي نزح سكانها بالكامل تقريبا (نحو مائة ألف نسمة) جراء حرب قوات “البنيان المرصوص” على تنظيم داعش.

ونتيجة للتسويات بين المتحاربين وتدخل وسطاء المصالحات القبلية والمناطقية كما في ورشفانة وككلة وأوباري عاد نصف النازحين داخلياً الذين تقدرهم المنظمة الدولية للهجرة بعدد مسجل لديها بلغ 425 ألفاً و250 شخصاً.

كما عاد فوق الثمانين في المئة من نازحي بنغازي بعد انحصار القتال في منطقتي القوارشة وقنفودة. لكن معظمهم عاد إلى بيوت متهدمة ومدارس معطلة ( 558 مدرسة في جميع أنحاء ليبيا) سواء بسبب تضرر مبانيها جراء الاشتباكات أو تحولها إلى ملاجئ لإيواء النازحين، الأمر الذي يضع ما يقرب من 279 ألف طفل في سن الدراسة في وضعية النازح عن التعليم.

والحال في خضم دوائر الاحتراب الدائرة في جنبات البلاد لا توجد ضمانة ألا يضطر النازحون العائدون إلى مواطنهم للنزوح ثانية مع تجدد الاحتراب المحتمل في كل وقت. وحتى المدن والمناطق التي قد يُعتقد أنها آمنة ليست بمنأى من فوضى الحرب الداخلية المتنقلة بما في ذلك طرابلس العاصمة.