المرة الأولى حاصرها الثوار القادمون من الغرب أساسهم كتائب مصراتة. ومن الشرق كتائب ثوار برقة ضمنهم قوات من ضباط وجنود نظاميين كانوا قد انشقوا عن نظام القذافي. وانتهت معركة سرت الأولى بالقبض على القذافي وقتله.

المرة الأولى حاصرها الثوار القادمون من الغرب أساسهم كتائب مصراتة. ومن الشرق كتائب ثوار برقة ضمنهم قوات من ضباط وجنود نظاميين كانوا قد انشقوا عن نظام القذافي. وانتهت معركة سرت الأولى بالقبض على القذافي وقتله.

بعد التحرير تم تكليف العقيد صلاح بوحليقة آمر كتيبة شهداء الزاوية التابعة لقوات الصاعقة بتأمين المدينة. فواجهه إسلاميون متشددون بتشكيل تنظيم على عقيدة القاعدة بمسمى “أنصار الشريعة ـ فرع سرت” يوم 28 يونيو 2013 انضم إليه عدد كبير من عناصر كتائب متطرفة مثل كتيبة الفاروق مصراتة وأنصار الشريعة بنغازي وشهداء بوسليم درنة إلى جانب كتيبة ثوار سرت والعديد من الجهاديين الأجانب.

وفي اليوم التالي على تشكيل ميليشيا “أنصار الشريعة ـ فرع سرت” هاجمت قوات العقيد بوحليقة موقع تنظيم “أنصار الشريعة” وأدت المواجهة إلى تشتيت التنظيم الجديد وقتل قائده أحمد التير وهو آمر كتيبة الفاروق بمصراتة، وإصابة مساعديه الجزائري علي ساسي والتونسي حسن محمد.

بعد ذلك بأشهر كانت المرة الثانية بمجيء قوة عسكرية هائلة من مصراتة، هاجمت كتيبة الصاعقة بقيادة بو حليقة واضطرتها للانسحاب والعودة إلى بنغازي. فتمكّن تحالف “أنصار الشريعة ـ فرع سرت” من السيطرة الكاملة على المدينة وازداد قوة بتجنيد أعداد كبيرة من أنصار نظام القذافي عسكريين ومدنيين في سرت وضواحيها وكذلك من الجهاديين الأجانب. وسرعان ما تولّد من مكوَّن “أنصار الشريعة” القاعدي تنظيم داعش الأشر وحشية.

وها هي المرة الثالثة عندما أصدر الجنرال خليفة حفتر أمراً رسمياً في الرابع من مايو الماضي بتحرك قواته نحو سرت تمهيداً لتحريرها من تنظيم داعش تحت تسمية “معركة سرت الكبرى”. فاعترض رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج على ما سماه تحرك حفتر المنفرد وأصدر قراراً يقضي بتشكيل غرفة عمليات لقيادة العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة في المنطقة الواقعة بين مصراتة وسرت على أن تكون تبعيتها مباشرة للسراج بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي.

يحظُر القرار على أي قوة عسكرية أو شبه عسكرية مباشرة أي أعمال قتالية ضمن حدود المنطقة المذكورة. وفي الوقت الذي تحركت فيه قوات الجنرال حفتر في اتجاه سرت قام تنظيم داعش بهجوم كاسح سيطر به على مناطق أبوقرين والوشكة وزمزم والقداحية وأبونجيم والبويرات. ورفع راياته السوداء فوق مبانيها. وقام انتحاري تونسي بتفجير سيارة مفخخة كان يقودها عند نقطة تفتيش تابعة لكتائب مصراتة قرب بلدة ابو قرين أسفرت عن مقتل خمسة وإصابة اثني عشر شخصاً. فأعلن المجلس العسكري ـ مصراتة حالة النفير العام في المدينة ودعا قادة الكتائب وأفرادها للالتحاق بمقراتهم وشكل غرفة عمليات خاصة لا تتبع المجلس الرئاسي فصارت غرفة علميات المجلس الرئاسي بدون أي دور عسكري.

تجمعت كتائب مصراتة وأطلقوا ما سموه “عملية البنيان المرصوص” لتحرير سرت. باركت حكومة السراج العملية واعتبرت كتائب مصراتة قوات تابعة للمجلس الرئاسي وتعهدت بتقديم كل الدعم المادي والمعنوي لها، بينما اعتبرت حفتر وجيشه متمردين على شرعية المجلس.

تدخل المبعوث الأممي مارتن كوبلر برأيه مسانداً موقف السراج عندما صرح، في حوار مع صحيفة “دو ديمانش” الفرنسية، بأن حفتر “لا يملك جيشًا وأرضًا كما يتبادر إلى الأذهان، فقواته تتألف من مجموعات متنافرة تجمع بقايا من الجيش النظامي، وحتى من متطوعين أجانب في صفوفه، إلى جانب بعض القوى القبلية، بالإضافة إلى بعض القوات الفرنسية والأمريكية على الأرض”.

فماذا حدث مع قوات الجنرال حفتر التي كانت متجهة لتحرير سرت وكان متوقعاَ أن تصل إلى تخوم سرت من الشرق قبل أن تصلها قوات مصراتة من الغرب؟! الشاهد أن الجنرال حفتر اختار أن يرسل قواته عبر الطريق الصحراوي إلى جنوب سرت حيث الحوض النفطي في مناطق جالو وأوجلة وزلة، فيما يراقب سير المعركة الدائرة بين قوات مصراتة وتنظيم داعش، كأنه لا يريد أن يواجه خصمين في الآن نفسه. وفضل أن ينتظر حتى يُستبان المنتصر منهما.

إنه قوات مصراتة ولا شك، بالنظر إلى تقدمها العسكري السريع لدرجة تساءل الليبيين في استغراب: أين هو تنظيم داعش المرعب هذا؟! أين مئات الآليات العسكرية التي كان يستعرضها للترهيب؟! أين هم آلاف المقاتلين حسب تقدير الاستخبارات الغربية؟! إذا توقفنا عند آراء المتشبثين بنظرية المؤامرة فإنهم يتحدثون عن صفقة تسليم واستلام بين قوات مصراتة وقيادات التنظيم أمنت خروج معظمهم من المدينة. وهناك من يتحدثون عن دور الاستخبارات الأمريكية و البريطانية في الصفقة. لكنها تبقى تفسيرات لا مصداق لها من الوقائع على الأرض.

إن قوات مصراتة في طريقها إلى تحرير سرت من تنظيم داعش لكن دون القضاء عليه. سيظل نشطاً ولو خفية في أماكن أخرى. وسوف يشن عملياته الإرهابية في مصراتة وطرابلس. ويبقى سؤال مركزي: ماذا عن سرت وأهلها الذين كما يرفضون سيطرة تنظيم داعش على مدينتهم يرفضون بقاء كتائب مصراتة فيها بعد تحريرها، لِما بين المدينتين من عداء مستحكم بسبب نهب المدينة وتخريبها بعد تحريرها في المرة الأولى أكتوبر 2011؟!

فهل تتحاشى كتائب مصراتة الوقوع في صدام لا يُحمد عقباه بأن تسلم المدينة بعد تحريرها لأهلها فيقوموا بتأمينها وتسيير شؤونها؟. أم ستفرض بقاءها بحكم القوة كي لا تدخلها قوات حفتر؟! في هذه الحالة من المرجح أن تواجه مقاومة مسلحة من قوة مشكلة من أبناء قبائل سرت مسنودة من قوات حفتر. وعندها سنشاهد: سرت/ كلاكيت رابع مرة.