تعرضت جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ البنا العام 1928، على مدى قرابة قرن لنكبات سياسية مصيرية طالت اجتثاث وجودها التنظيمي. أولى نكباتها كانت في العهد الملكي عندما صدر في ديسمبر 1948  الأمر العسكري رقم 63 بحل جماعة الإخوان بعد حوادث تفجيرات ارهابية في العاصمة القاهرة. وعلى إثر ذلك تم اعتقال قياداتها وعناصرها ثم جرى اغتيال حسن البنا مؤسس  الجماعة ومرشدها العام في فبراير 1949. لجأ من نجا من الاعتقالات إلى العمل السري، ولتظهر الجماعة من جديد نشطة وفعّالة بعد انقلاب يوليو 1951.

تعرضت جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ البنا العام 1928، على مدى قرابة قرن لنكبات سياسية مصيرية طالت اجتثاث وجودها التنظيمي. أولى نكباتها كانت في العهد الملكي عندما صدر في ديسمبر 1948  الأمر العسكري رقم 63 بحل جماعة الإخوان بعد حوادث تفجيرات ارهابية في العاصمة القاهرة. وعلى إثر ذلك تم اعتقال قياداتها وعناصرها ثم جرى اغتيال حسن البنا مؤسس  الجماعة ومرشدها العام في فبراير 1949. لجأ من نجا من الاعتقالات إلى العمل السري، ولتظهر الجماعة من جديد نشطة وفعّالة بعد انقلاب يوليو 1951.

في البداية تمتع الإخوان بعلاقات جيدة مع رجال “ثورة يوليو” حتى أن أعضاء مجلس قيادة الثورة زاروا ضريح حسن البنا وقرءوا له الفاتحة ومدحوا سيرته الجهادية. لكن شهر العسل لم يدم طويلاً بين الطرفين. فحسب اعتراف أبراهيم الطيب، القيادي في تنظيم  الإخوان السري، فإن:” أصل الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر هو اعتقاد كل منهما أنه الأجدر والأحق بالسلطة والحكم فى مصر. فعبد الناصر ومن معه كانوا يرون أنهم الأجدر بالسلطة والحكم باعتبار أن الثورة ثورتهم وأنهم الذين غامروا بحياتهم وأن الإنجليز لن يسمحوا للإخوان بحكم مصر.

أما الإخوان فكانوا يرون أنهم أصحاب فكرة الثورة من الأصل وأن عبد الناصر وعامر وغيرهما كانوا من الإخوان المسلمين الذين بايعوا على المصحف والسيف وأن هؤلاء الضباط صغار لا يصلحون للحكم (..) لم يكن الخلاف أساسا على الدين أو الإسلام أو حرية الدعوة لكن في ظن كل فريق منهما أنه الأجدر بالحكم..” وقد تفجر الصدام السياسي بين الطرفين عقب صدور قرار حل تنظيم الجماعة في 12 يناير 1954 بناء على قانون حل الأحزاب السياسية.

ومعروف أن أنور السادات الذي كان وزير دولة حينها هو من قرأ بيان حل الجماعة في مؤتمر صحفي. ومما جاء فيه:” إن نفرا من الصفوف الأولى في هيئة الإخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية مستغلين سلطان الدين على النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو لدين ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هؤلاء النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة لإحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين”. وبعد قرار الحل بأيام، أي في 17 يناير 1954، نشرت الصحف خبر العثور على كميات هائلة من الأسلحة في عزبة حسن العشماوي القيادي الإخواني البارز. وبعدها بأشهر وقعت محاولة اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية في أكتوبر 1954، أثناء إلقائه خطابًا جماهيريا، من قبل أحد عناصر الإخوان. فكانت تلك الرصاصات الثمانية الطائشة التي أصابت بعض المحيطين بعبد الناصر بمثابة إعلان حرب على النظام، الذي قرر الزج بقيادات الجماعة وعناصرها المعروفين لدى مباحث الأمن في المعتقلات وإعدام العديد منهم وعلى رأسهم القيادي سيد قطب منظِّر فقه التكفير والعنف. 

والمفارقة أن السادات الذي تلا بيان حل جماعة الإخوان وكان عضوا في هيئة المحكمة التي قضت بسجنهم وإعدام بعضهم، هو من أطلقهم من المعتقلات عندما بات رئيسا بعد وفاة عبد الناصر العام 1970. سمح السادات  لجماعة الإخوان بممارسة نشاطها الدعوي. وقرّب إليه مرشدها العام الذي كان يصلي خلفه في المناسبات الدينية. وكان للسادات من وراء ذلك مأربه السياسي في استخدام الإخوان والجماعات التي تداعت منها خارجة عليها، لضرب الناصريين واليساريين، لا سيما في الجامعات والنقابات المهنية. ثم استخدم السادات الإسلاميين بالاتفاق مع أمريكا في محاربة السوفيات في أفغانستان. فتحولت منابر المساجد والساحات الجامعية إلى مثابات للدعوة إلى الجهاد في أفغانستان وليس فلسطين.

وذلك بعدما جاءه زبغنيو بريجنسكي (مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي) مهندس محاربة السوفيات في أفغانستان بالمسلمين باسم “الجهاد الإسلامي” ضد “الإلحاد المادي”، ناقلاً رسالة من الرئيس كارتر لإقناع السادات بالمخطط  الأمريكي، قائلا:” إن ميدان الجهاد الإسلامى يستطيع جمع السلطة المصرية والأزهر والإخوان على عمل مشترك يواجه شرور الإلحاد، ولن تتكلف مصر شيئًا لأن أمريكا سوف تنشئ صندوقًا خاصًا للجهاد فى أفغانستان تموله دول الخليج أولها السعودية، وستستفيد مصر منه بأكثر من الجهاد وثوابه، وذلك بعقود سخية للصناعة العسكرية المصرية، لأن الجهاد يحتاج إلى سلاح سوفيتى، ومصر لديها أسلحة من هذا النوع.” حسب ما جاء في كتاب “الحروب غير المقدسة” من تأليف جون كولي.

لكن هذه القوة الجهادية الهائجة التي نماها السادات بتوجيه أمريكي سوف ترتد عليه وترديه قتيلا برصاص مسلحي جماعة الجهاد الإسلامي في 6  أكتوبر العام 1981، بحسبانها تنفذ فيه حكماً شرعيا بالقتل جراء توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل.

وخلف الرئيس القتيل نائبه حسني مبارك، الذي وجد نفسه في خضم وضع أمني متفجر ووضع سياسي مأزوم. فقام على  الفور بإطلاق سراح ما يقرب أكثر من 1500 من رموز المعارضة السياسية والفكرية والدينية (إسلاميين ومسيحيين) الذين أعتقلهم السادات في حملة قمع هوجاء قبل مقتله بأقل من شهر. وفي الوقت نفسه أعلن حرباً أمنية مفتوحة ضد الجماعات الإسلامية الجهادية دون أن يتخلى عن دعم المخطط الجهادي الأمريكي في أفغانستان. فكانت مطاردته الأمنية لهم دافعة لهروبهم إلى “جنة” الجهاد الأفغاني.

أما الإخوان فقد تعامل مبارك معهم بتكتيك مزدوج (أمني/ سياسي). أمنياً بالتضييق على نشاطهم وملاحقة قياداتهم بالاعتقال والسجن لفترات محسوبة، دون اللجوء إلى حل الجماعة. وسياسياً باستخدامهم كما استخدمهم السادات، في مواجهة قوى المعارضة العلمانية من يساريين وليبراليين، حتى أن الحزب الوطنى (حزب الرئيس) عقد معهم صفقة انتخابية تعطيهم 80 مقعدا في انتخابات مجلس الشعب المزورة العام 2005. كما تحالفوا مع الحزب الوطني في تأييد مشروع توريث الحكم لنجل مبارك جمال.

ولما فجاءتهم ثورة 25 يناير التي فجّرها شبيبة حركة 6 أبريل، نظموا أنفسهم بذكاء لقيادتها. وكانوا دون غيرهم  من قوى المعارضة هم وحدوهم الذين التقوا مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية المعين حديثاً، ودعموا حكم المجلس العسكري برئاسة وزير دفاع نظام مبارك المشير الطنطاوي. ليتحقق لهم أخيراً، بعد ثمانين عاما ونيف، مطمح الوصول إلى حكم مصر رئاسياً وبرلمانيا من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة عن حق…. في المقال القادم سوف نعرض بلغة التحليل الأخباري محطات نكبة الإخوان المصريين الماحقة وهزيمتهم شعبياً في ليبيا وحقيقة توجه حركة النهضة للخروج من الاسلام السياسي لتدخل في الديموقراطية المسلمة.”