“أخرجوني من هنا.. فأنا أكملت دراستي الإعدادية منذ زمن” هكذا استقبلنا عبد الكريم الملقب بـ”البركة” صارخاً من إحدى نوافذ مدرسة “العلا”، التي تحولت إلى مأوى صحي له وللمرضى النفسيين الذين تم نقلهم إليها من مستشفى الهواري – جنوب بنغازي – الواقع في نطاق الاشتباكات المسلحة منذ عامين.

غير قانوني

“أخرجوني من هنا.. فأنا أكملت دراستي الإعدادية منذ زمن” هكذا استقبلنا عبد الكريم الملقب بـ”البركة” صارخاً من إحدى نوافذ مدرسة “العلا”، التي تحولت إلى مأوى صحي له وللمرضى النفسيين الذين تم نقلهم إليها من مستشفى الهواري – جنوب بنغازي – الواقع في نطاق الاشتباكات المسلحة منذ عامين.

غير قانوني

عند زيارة “مراسلون” إلى المدرسة التي تقع في أرض “اقريش” – وسط بنغازي – ومع تردد صرخات “البركة” كان جلياً أن ظروف الحياة فيها سيئة فالمبنى قديم، وجدرانه متهالكة من الرطوبة، بالإضافة إلى سوء التهوية بداخله.

تتكوّن المدرسة من طابقين اثنين، وُزّع المرضى البالغ عددهم 200 عليهما، فكان 150 رجلا في الطابق الأول الذي يحوي ستّة فصول وخمس دورات للمياه، و50 امرأة في الطابق الثاني، تم نقلهم من مستشفى الأمراض النفسية الذي تبلغ سعته السريرية 450 سريراً، ويقدم الخدمات للمنطقة الشرقية كافة.

في أحد المكاتب، الذي ما يزال يحوي ملفات الطلبة الدارسين بالمدرسة تقابل “مراسلون” مع محمد الجازوي المستشار القانوني بالمستشفى الذي افتتح حديثه بأن الوضع غير قانوني في المدرسة وفقاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحمي الأشخاص من النزوح ويوفر لهم الحماية عندما ينزحون، فكيف إذا كانوا مرضى لا حول لهم ولا قوة؟، “لكننا في وضع استثنائيّ ولا خيار أمامنا “يقول الجازوي.

لا بديل لذلك

بالرغم من عدم قانونية المقر الجديد للمرضى الذين لا يدركون ماذا يحدث حولهم، إلا أن محمد العبيدي مسؤول لجنة الأزمة يقول لـ”مراسلون” لا بديل لذلك، فعندما سُدت أمام لجنة الأزمة كل الأبواب حسب كلام العبيدي لم يجدوا إلا باب قطاع التربية والتعليم بالمدينة الذي منحهم هذه المدرسة لتكون مقرا للنازحين المرضى، “فالتعليم تعاون معنا بناء على علاقات شخصية”.

العبيدي الذي قال إن هذا أقصى ما استطاعوا تقديمه للمرضى يرى هو الآخر أن المدرسة لا تصلح بكل المقاييس لاحتوائهم.

مساعٍ لحل الأزمة

في الوقت الذي يقبع فيه المرضى النفسيون في مدرسة قد تفتح أبوابها من جديد في أي لحظة لاستقبال تلاميذها، يسعى مدير المستشفى د. رمضان ميلاد لإيجاد مقر بديل.

فقد كشف ميلاد لـ”مراسلون” عن مخاطبته لبلدي بنغازي حول توفير مقر جديد ملائم، ولكن “لم تلُح أية بشائر لحل هذه الأزمة”، مع أن المجلس البلدي تعاون معهم حسب كلام ميلاد.

مراسلون التقى أيضا عبد الرؤوف الخضر الناطق الرسميّ للمجلس لكشف مصير مخاطبات مدير مستشفى النفسية، ففاجأنا الخضر بأن المشكلة وُضعت لها حلول بالفعل، ليخالف ذلك إفادة مدير المستشفى.

فقد أكد الخضر أنه تمت الموافقة على الانتقال لمكان مؤقت في مقرّ الشرطة العسكرية سابقاً، والانتظار حتى يتم استكمال بناء مقرّ متنقل لإيواء المرضى في أرضٍ خصصها البلدي لذلك، موضحا أنه تمّ التوقيع من قِبل نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات ووزير الصحة مع شركة إيطالية لإتمام مشروع المقر.

بعد سماع هذا الكلام عاد “مراسلون” ليتواصل مجدداً مع مدير المستشفى للتأكد من إفادة الخضر، فأجاب ميلاد أن إدارة المستشفى تحصلت فعلاً على الموافقة للانتفاع بجزء من مقر الشرطة العسكرية، “ولكن فوجئنا أن مجموعة سلفية مسلحة تتخذ المقر مركزاً لها ورفضت تسليمنا إياه” يقول ميلاد.

مشكلات أخرى

مشكلات كثيرة تواجه إدارة المستشفى والكادر الطبي حول بيئة المدرسة التي لا يتوفر بها أي مقوم من مقومات الوحدة الصحية.

يخبرنا د.أحمد الصديق – طبيب بمستشفى الأمراض النفسية – أن المعايير اختلّت واختلفت تماماً من مشفى إلى مدرسة، وبالرغم من النقص الشديد في الأدوية إلا أنه لا توجد أماكن ملائمة لتخزين القليل المتوفر منها، وغالباً ما تتلف بعض الأدوية التي تحتاج إلى بيئة طبية مناسبة للتخزين.

ناهيك عن أنه لا يوجد مختبر في المستشفى، وهذه مشكلة أخرى، “فحتى تحليل دم عادي أو تحليل سكر يجب الذهاب به إلى مختبر خارجي أو وحدة صحية أخرى”.

ويضيف الدكتور “كأنّ هذه الشريحة ليست ضمن المرضى المحتاجين لرعاية صحية ومش حاسين بخطورة وضعهم الصحي”.

إنجاز على ورق

لم يكن هناك سبيل آخر أمام “نبيل التاجوري” الناطق الرسمي باسم المستشفى؛ إلا إطلاق نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحل مشكلة المقر، وعلى ما يبدو فإن إحدى تلك المناشدات التي أطلقها التاجوري منذ أشهر وصلت للسفير الليبي في ألمانيا الراحل السنوسي كويدير قبل وفاته في منتصف يناير الماضي.

حيث طلب كويدير من إدارة المستشفى التنسيق مع الحكومة الليبية والخارجية لمخاطبته، مقابل أن يقوم السفير بدفع تغطية مالية لتجهيز مقر مؤقت للمرضى، على أن يتم خصم القيمة من حساب السفارة المخصص للجرحى والمرضى.

معلومات أكدها مدير المستشفى الذي قال إن وزير الصحة في الحكومة المؤقتة رضا العوكلي كان قد وقع عقداً مع شركة إندستريال الإيطالية، بمبلغ وقدره مليون ونصف المليون يورو لإنشاء مقر للمرضى، ولكن لم يتم إنجاز هذا المشروع الذي لم يكن سوى حبر على ورق، “فقد مات السفير الذي أحسّ بوجع المرضى ولم يخلفه من يتابع هذا الأمر” يختم ميلاد حديثه معنا.

نِعْم الجوار

قد لا يتفهّم جيران أي مدرسة وجود مرضى نفسيين بجوارهم؛ لكنّ جيران “العُلا” كانوا مثالاً يُحتذى بحسب المسؤولين عن المستشفى، فقد تفهّم الجيران الوضع الإنساني للمرضى وقاموا بواجبهم الذي تقتضيه “الأعراف الليبية للجيرة”.

يحدثنا جار المدرسة الحاج محمد سلامة (60 عاماً)، بأن ما قام به الأهالي من دعم مادّي ومعنويّ للمرضى والمستشفى ما هو إلا واجب دعتهم إليه إنسانيتهم وأخلاقهم، ومن أبسط حقوق المرضى على الجيران.

أما محمد عبد الكريم (58 عاماً) وهو والد أحد المرضى فيرى بأن الجيران قاموا بحق الضيافة وتحملوا ما يقوم به المرضى من إزعاج أحياناً، ولكن تبقى مشكلة المقر والدعم.

قبل مغادرتنا المدرسة طلبنا رؤية “البَرَكة” للحديث معه، ولكن عند لقائنا به لم يعرنا أي اهتمام، واستمر في الخربشة على سبورة الفصل بأشكال غير مفهومة، فهكذا هو الحال مع نزلاء هذا المكان، أي شيء قد يكون جيداً في غياب القدرة على الفهم والتقييم.