فجر كل يوم يفتح الشاب التونسي “الجيلاني بالسنون” أبواب مستودعه في مدينة قابس (جنوب البلاد) لدخول سيارات رباعية الدفع محملة بآلاف اللترات من البنزين المهرب من ليبيا.

يساعده أشقاؤه الثلاثة في إفراغ هذه الشحنات داخل أوعية بلاستكية استعدادا لتوزيعها على تجار السوق السوداء لبيعها لسائقي العربات بأسعار أقل بكثير من أسعار محطات البنزين.

يعمل الجيلاني في هذا المجال منذ 11 سنة. ورغم أنها تجارة ممنوعة قانونيا لكن السلطات أصبحت تغض الطرف عنها لتوفير فرص العيش ولانعدام مشاريع التشغيل والتنمية في المناطق الفقيرة.

فجر كل يوم يفتح الشاب التونسي “الجيلاني بالسنون” أبواب مستودعه في مدينة قابس (جنوب البلاد) لدخول سيارات رباعية الدفع محملة بآلاف اللترات من البنزين المهرب من ليبيا.

يساعده أشقاؤه الثلاثة في إفراغ هذه الشحنات داخل أوعية بلاستكية استعدادا لتوزيعها على تجار السوق السوداء لبيعها لسائقي العربات بأسعار أقل بكثير من أسعار محطات البنزين.

يعمل الجيلاني في هذا المجال منذ 11 سنة. ورغم أنها تجارة ممنوعة قانونيا لكن السلطات أصبحت تغض الطرف عنها لتوفير فرص العيش ولانعدام مشاريع التشغيل والتنمية في المناطق الفقيرة.

في بداية نشاطه لم يتجاوز رأس ماله 300 دولار أمريكي، ساعده على شراء كمية قليلة من البنزين لبيعها على قارعة الطريق، ثم تطورت تجارته فأصبح لديه مستودع لتخزين كميات أكبر من المحروقات.

بفضل تطور مدخوله من بيع البنزين المهرب أصبح الجيلاني يقيم علاقات مباشرة مع المشرفين على عمليات التهريب وأصحاب المحلات المخصصة لبيع المحروقات في السوق السوداء.

بحسب ما كشفه لـ “مراسلون” يشرف تونسيون وليبيون على ايصال كميات البنزين من ليبيا إلى الحدود الليبية التونسية حيث يتم بيع تلك الكميات لمهربين تونسيين يقومون بإيصالها إلى المستودعات.

يقول الجيلاني “استقبل يوميا حوالي 3500 لتر من البنزين يتم اقتنائها من قبل عشرات التجار المنتصبين على قارعة الطريق. هنا الجميع يستفيدون من هذا النشاط الذي ساعدهم على مجابهة قسوة الحياة”.

الساتر الترابي لا ينفع

يحدد المهربون والتجار سعر المحروقات المهربة بحسب التطورات الأمنية والاجتماعية في البلدين. فكلما كثفت الجمارك من الحواجز الرقابية أو ارتفعت حدة التوتر الأمني كلما ارتفع سعر البنزين.

ويقبل الآلاف من مستعملي السيارات في تونس على شراء البنزين الليبي نظرا لانخفاض أسعاره وجودة تكريره. ولا يتجاوز سعر اللتر الواحد غالبا نصف دولار في المدن القريبة من الحدود التونسية-الليبية.

في خضم استفحال هذا النوع من التهريب والنشاط في السوق السوداء تنفي الجمارك التونسية مرور شحنات البنزين المهرب من المعابر الرسمية بين البلدين وهما معبري “الذهيبة” و”بن قردان”.

ورغم إقامة ساتر ترابي عازل بين تونس وليبيا تقر الجمارك بأن أغلب المحروقات المهربة تمر عبر نقاط على مستوى الشريط الحدودي بين البلدين قبل تجميعها في مدينتي بنقردان وذهيبة.

وتنتشر محلات البنزين المهرب في أحياء محافظة قابس مما تسبب أكثر من مرة في حرائق وسط التجمعات السكنية أدت إلى وفاة شبان تونسيين يعملون في تخزين وبيع المحروقات المهربة.

الشرطة لا تطبق القانون

قبل أيام قليلة توفي ثلاثة شبان في أحد الأحياء بعدما التهمت ألسنة النيران مخزن المحروقات المجمع في مستودعهم المعبأ بمئات اللترات من البنزين. وهذه الحادثة هي الثالثة من نوعها في أقل من شهر.

يقول علي شمس الدين أحد سكان الحي الذي شبّ فيه هذا الحريق لمراسلون إنه تقدم سابقا بعدة شكايات للقضاء لغلق عدد من نقاط البيع غير القانونية المجاورة لمنزله خوفا على حياة عائلته.

ورغم أن القضاء أنصفه يقول باستغراب وغضب إن الشرطة رفضت تطبيق قرار المحكمة بغلق محلات بيع المحروقات المهربة أو التنبيه على التجار بإخلاء مستودعاتهم التي تهدد المتساكنين.

ويقول علي “روائح البنزين تكاد تخنق أطفالي.. منازلنا أصبحت عرضة للخطر في حالة نشوب حريق خاصة أن شبكات الغاز الطبيعي والكهرباء تمر للمنازل عبر قنوات تحت أرصفة هذه المحلات”.

ويرى مراقبون أن السلطات عادة ما تغض الطرف على هذه التجارة على اعتبار أنها توفر فرص العمل للكثير من العاطلين عن العمل. ويشغل بيع المحروقات في الجنوب الشرقي وحده نحو 5 آلاف شخص.

الحكومة تخشى معالجة المشكلة

لم يعد هذا النشاط التجاري مقتصرا على المنقطعين مبكرا عن الدراسة، فقد انخرط مئات الحاملين لشهائد جامعية العليا لبيع المحروقات المهربة.

وتفيد أرقام مكتب دراسات الاتحاد التونسي للشغل أن الدخل الشهري لهؤلاء يتجاوز أحيانا أضعاف المرتبات الحكومية، مما دفع بعدد كبير منهم عدم التفكير مجددا في البحث عن فرص شغل بعد التأقلم مع سير الأنشطة التجارية الموازية.

لجوء الآلاف للعمل في التهريب والسوق الموازية أثر سلبا على المداخيل المالية لمحطات بيع البنزين خاصة في مدن الجنوب التونسي.

يقول ناصر الشلبي وكيل إحدى المحطات في قابس لمراسلون إن مبيعات محطته تراجعت السنة الفارطة بنسبة تجاوزت 65 بالمائة مما اضطره لتسريح ثمانية عمال.

ويؤكد بأن تهريب وبيع البنزين الليبي يتم علنا أمام أنظار الجهات الرسمية التونسية، مشيرا إلى أنه سيعيد طرح المسألة على اتحاد أرباب الأعمال لمناقشة “سبب تراخي السلطات للتصدي لنشاطات خارجة عن أسس القانون التونسي”.

وتقر الحكومة التونسية بأن التجارة الموازية تمثل 50 بالمائة من الاقتصاد المنظم، مما دفعها الشهر الفارط لإصدار قرار رسمي ينص على بعث لجان محلية للتصدي للتهريب وتقييم نتائجه أملا في تخفيض النسبة إلى 20 بالمائة.

وتؤكد وزارة التجارة على ضرورة دعم المناطق الحدودية عسكريا وأمنيا وتنميتها وتركيز مناطق حرة ولوجستية للحدّ من توريد مختلف البضائع بطريقة غير قانونية.

لكن أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا شكندالي يشكك في جدية السلطات التونسية منع التهريب والتجارة الموازية.

ويقول لمراسلون “الحكومات المتعاقبة على الحكم بعد الثورة تخشى جميع أشكال الاحتقان الاجتماعي لأن هذا النشاط غير المنظم خلق آلاف فرص الشغل وأصبح مورد رزق العائلات في الجنوب”.

ويرى الشكندالي أن لجوء العاطلين عن العمل للتجارة الموازية يعود إلى غياب فرص التشغيل والإشكاليات التي يعيشها الاقتصاد الرسمي المتسم بقوانين صارمة وضرائب باهضة وتعقيدات إدارية حالت دون نجاح الشباب في بعث مشاريع بطرق قانونية.

ويؤكد “معالجة الأمراض المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد التونسية قد يساعد الحكومة في استراتجيتها للتصدي للتهريب. فالحلول الأمنية غير كافية ولا يمكن اعتبارها حلا كفيلا دون تشخيص الواقع الاقتصادي والبحث عن حلول تشجع على الاستثمار القانوني”.

ويشير إلى أن تهريب البنزين من ليبيا يكبد الدولة خسائر يومية تقدر بمليارات المليمات بسبب دعمها للمحروقات من خزينة الدولة وتراجع نسق نشاط الشركات الاجنبية العاملة في استخراج البترول في تونس ومحطات البيع الرسمية مما يسجل تراجع الضرائب المدفوعة على المبيعات.

ويعتبر المحللون أن القضاء على التجارة الموازية في تونس سيؤدي إلى انتفاضة شعبية، في ظل سياسة تشغيل هشة بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.