ينظر التاجر التونسي رضا بقلق إلى رفوف دكانه التي تكاد تنفذ من علب السجائر المهربة، ثم يعود لتثبيت بصره نحو مدخل متجره منتظرا بلهفة زائرا لم يزره منذ أيام: إنه مزوده بالسجائر المهربة.  

يلتقط رضا (35 عاما) هاتفه من الطاولة يديره في يده بضع مرات قبل أن ينفد صبره ويتصل بمزوده ليستطلع الأمر ويعرف سبب انقطاع مجيئه في وقت تقود فيه الحكومة حملة ضد مهربي السجائر.

ينظر التاجر التونسي رضا بقلق إلى رفوف دكانه التي تكاد تنفذ من علب السجائر المهربة، ثم يعود لتثبيت بصره نحو مدخل متجره منتظرا بلهفة زائرا لم يزره منذ أيام: إنه مزوده بالسجائر المهربة.  

يلتقط رضا (35 عاما) هاتفه من الطاولة يديره في يده بضع مرات قبل أن ينفد صبره ويتصل بمزوده ليستطلع الأمر ويعرف سبب انقطاع مجيئه في وقت تقود فيه الحكومة حملة ضد مهربي السجائر.

كان يفترض أن يتسلم هذا التاجر بضاعته منذ أيام ليخزنها بمحله ثم يعرضها على زبائنه الذين يتهافتون على شراء السجائر المهربة التي تأتي من ليبيا والجزائر بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالسجائر المحلية.

ويخشى رضا -الذي يعمل منذ تسع سنوات في مجال بيع السلع المهربة- لجوء زبائنه إلى محلات أخرى إذا لم يتمكن مزوده من إيصال الكميات التي طلبها.

تشديد الرقابة

بدأ التوتر يظهر شيئا فشيئا على وجه هذا التاجر الذي لم ينجح في الحصول على مزوده بواسطة الهاتف ليتضاعف قلقه مع رؤية مخزون متجره ينفد من السجائر بعد بيعه ما تبقى من كميات.

أخيرا يرن هاتف المزود لكن الأخبار لم تكن سارة بالنسبة إلى رضا فقد أعلمه مزوده بضرورة الانتظار فترة أخرى ليتمكن من نقل السجائر المهربة من إحدى المخازن في مدينة بن قردان (الجنوب الشرقي).

وشنت مؤخرا قوات الشرطة حملة على بعض الأسواق السوداء مما دفع تجار السجائر المهربة من التقليص من معاملاتهم خشية أن تحتجز بضاعتهم المهربة التي تقدر بمئات الملايين.

والمزود الذي ينتظره التاجر رضا لا يصنف ضمن المشرفين على عمليات تهريب السجائر وإنما يعتبر فقط أحد الوسطاء المكلفين بتزويد محلات السوق لكن نشاطه قد يكلفه السجن والخطايا.

ومخاطر هذا النشاط الذي يقوم به يمكنه من الظفر بأرباح طائلة بحكم شراءه كميات كبيرة من السجائر مباشرة من المهربين بأسعار رخيصة ليبيعها بهامش ربح أكبر لتجار الأسواق الذين يتعامل معهم.

لكن نشاطه يتعرض مؤخرا للخناق بسبب الحصار الذي فرضته القوات التونسية على الطرقات في الجنوب حيث تبدو الشوارع شبه خالية من سيارات التهريب المعروفة بعدم وضوح أرقام لوحاتها المنجمية.

وقد انتشر المئات من عناصر الشرطة وأعون الجمارك أمام مفترقات الطرقات لتفتيش السيارات والشاحنات بحثا عن البضائع المهربة والمتهربة من الضرائب بعد إعلان الحكومة الحالية محاربة التهريب.

وقبل أيام داهم رجال الشرطة في نهج الملاحة بالعاصمة تونس بعض المخازن وحجزوا كميات كبيرة من السجائر المهربة فاقت قيمتها 500 ألف دولار في إطار حملة أمنية ضد السلع المتهربة من الضرائب.

“ازدواجية المعايير”

واشتكى تجار بعض الأسواق السوداء الذين ينشطون في تجارة السجائر المهربة التي تمسى في تونس بالدخان “الدزيري” من ازدواجية المعايير في التعاطي الحكومي مع محاربة السجائر المهربة.

ويقول بعض التجار بأن أكبر مخازن السجائر المهربة تقع في مدينة بن قردان الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد والمحاذية للجارة ليبيا، مؤكدا أن الحكومة تخشى الدخول في مواجهة مع المهربين ببن قردان.

ويرى الخبير الاقتصادي منعم بن راجح إن تخوف الحكومة من مجابهة كبار المهربين يعود إلى عدة اعتبارات أمنية قد تربك أدائها بعد النجاح في حل بعض الملفات الاجتماعية في المدن الحدودية.

ويؤكد لمراسلون بأن إقدام الحكومة على محاربة مهربي السجائر وأصحاب المخازن في المدن الحدودية سيؤدي إلى اندلاع توترات اجتماعية في مناطق الحدود التي تشكو من انعدام التنمية والبطالة.

ويرى بأن كبار مهربي السلع في الحدود الجنوبية تمكنوا من تعويض الدولة في دورها التنموي حيث قاموا بتوفير لقمة عيش آلاف الأهالي الذين تتوزع أدوارهم بين توزيع وبيع السلع المهربة من ليبيا.

ويضيف بأن الحكومات المتعاقبة على الحكم بعد الثورة لم تنجح في تطوير منوال تنموي يخلق الثورة في مدن الجنوب مثل مدينة بن قردان التي شهدت مرارا احتجاجات شعبية زعزعت استقرار البلاد.