المئات يمرون كل يوم بمحاذاة مكتب البريد في ولاية سيدي بوزيد، حيث علقت على جدار المبنى صورة كبيرة لمحمد البوعزيزي. ومئات آخرون يقفون عند الساحة العامة حيث أنشئ تمثال لعربة خضار كان هذا الشاب يجرّها، وأضرم النار في جسده من أجلها يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010. ترى هل يتذكر أهالي المدينة هذا الاسم؟

مدينة فقيرة

المئات يمرون كل يوم بمحاذاة مكتب البريد في ولاية سيدي بوزيد، حيث علقت على جدار المبنى صورة كبيرة لمحمد البوعزيزي. ومئات آخرون يقفون عند الساحة العامة حيث أنشئ تمثال لعربة خضار كان هذا الشاب يجرّها، وأضرم النار في جسده من أجلها يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010. ترى هل يتذكر أهالي المدينة هذا الاسم؟

مدينة فقيرة

في مكان غير بعيد من ساحة الثورة في سيدي بوزيد يجتمع كل يوم عشرات الباعة المتجولين أمثال محمد البوعزيزي بعرباتهم المجرورة لبيع بعض الملابس المهربة من الجزائر أو الأكلات السريعة لتوفير لقمة العيش.

يقف الأمين الشايبي (37 سنة) بائع متجول أمام عربته التي يبيع عليها ملابس مهربة من الجزائر في مكان قريب من مركز الشرطة والحيرة بادية على وجهه فهو منذ ثلاثة أيام لم يبع أي نوع من هذه الملابس.

يقول بشيء من السخرية “زبائني من أصحاب الدخل المحدود لذلك لا يكترثون كثيرا لأناقتهم ولا يشترون الملابس الجديدة إلا بعد تمزق القديمة”.

كغيره من الشباب في هذه المدينة الفقيرة يواجه الأمين بطالة مستمرة منذ سنوات فهو لم ينجح في العثور على موطن شغل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص رغم حصوله على شهادة في مجال كهرباء البناءات.

يقول “فرص التشغيل في سيدي بوزيد ضئيلة جدا فعلى الرغم من مرور خمس سنوات على الثورة لم يتغير شيء وتواصل تعطل عجلة التنمية والاستثمار”.

ينتقد هذا الشاب تباطؤ الحكومة في إحداث بعض المشاريع الصناعية قائلا “مازلنا في انتظار تنفيذ تلك الوعود التي سئم الأهالي سماعها”.

للفلاحين مشاكلهم

يتفق الناشط بالمجتمع المدني بسيدي بوزيد منذر الشعيبي معه فهو يؤكد بأن أهالي مدينته فقدوا الأمل من إصلاح الأوضاع بعد الثورة بسبب الوعود الكاذبة للمسؤولين.

هذا المواطن يرى أن ما يؤرق الفلاحين في سيدي بوزيد -وهي منطقة فلاحية بالأساس- هي المشاكل العقارية المتعلقة بالأراضي الاشتراكية التابعة للدولة.

ويؤكد أن خصخصة الأراضي لفائدة الفلاحين الذين يستغلونها منذ عقود سيحررهم من الارتهان للدولة ويترك لهم القدرة على إنتاج محاصيلها أو تحويلها إلى أراضي صناعية تنشأ عليها مصانع ستوفر مواطن شغل.  

إلى ذلك يقول إن انتشار البطالة والفقر والتهميش في سيدي بوزيد سمح للجماعات الجهادية بمزيد استقطاب جزء من الشباب سواء الذين لم يستكملوا تعليمهم أو حتى أصحاب الشهادات العليا، وفق تعبيره.

بيئة خصبة للإرهاب

في إحدى المقاهي البعيدة عن وسط المدينة التقى موقع “مراسلون” بأحد الشبان الذين منعتهم السلطات من السفر إلى ليبيا باعتبار أن عمره لا يتجاوز 35 عاما.

لم يكن هذا الشاب (رفض الكشف عن هويته) ينوي السفر للبحث عن عمل في ليبيا وإنما للالتحاق بتنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، وفق تأكيده.

لا يتجاوز عمر هذا الشاب 28 سنة لكن البطالة والفراغ اليومي دفعاه إلى تصفح بعض مواقع الانترنت والاقتناع بالفكر السلفي، بحسب قوله.

وقد تورط سنة 2012 في هجوم على فندق في سيدي بوزيد لإجبار صاحبه على عدم بيع المشروبات الكحولية، ما جعله على قائمة المشتبه بهم.

من جهة أخرى يقول بلال عمري وهو بائع خضار على عربة مجرورة انقطع عن الدراسة قبل 15 سنة “لقد أصابنا اليأس من الحصول على شغل براتب قار. الثورة لم تحقق أحلامنا فقد سرقها السياسيون وتبخرت بين صراعاتهم”.

قضى بلال سنوات طويلة في نفس المكان يبيع الخضر لكنه لم يدخر مبلغا يمكنه من توفير مصاريف الزواج أو تأسيس مشروع تجاري عوضا عن الوقوف  في الطريق العام تحت أشعة الشمس أو المطر.

لكنه لا ينكر بأن الثورة منحتهم بعض الحقوق على غرار حرية البيع دون مضايقات من قبل أعوان شرطة البلدية كما كان الأمر قبل الثورة.

مشروع جديد

رشيد الفطيني رئيس المجلس التوجيهي لمركز الأعمال بسيدي بوزيد أعرب عن استغرابه من تصريحات بعض الباعة المتجولين.

ويقول “بعد شهر ونصف فقط سيتمتعون بسوق بلدية تحوي محلات تجارية يتوفر بها الماء والكهرباء مقابل سعر تأجير رمزي”.

يهدف إنشاء هذا المشروع الذي بلغت تكلفته 1.2 مليون دينار تونسي (600 مليون دولار)، إلى القضاء على الانتصاب العشوائي في شوارع المدينة وتجميع الباعة تحت سقف واحد لمساعدتهم على ترويج بضائعهم.

لكن عاطف سليمان أحد الباعة المتجولين شكك في نجاح المشروع وإقبال زملائه على كراء المحلات ومغادرة أماكنهم في أرصفة الشوارع.

وهو يأمل أن لا تخضع هذه المحلات لإتاوات وضرائب لفائدة الدولة التي قد تثقل كاهل الباعة وتنتزع جزءا من أرباحهم القليلة.

بعد أيام قليلة ستحتقل تونس بانطلاق الثورة التي أنهت حكم الدكتاتور السابق بن علي في 14 جانفي 2011. وستتجه الانظار إلى سيدي بوزيد تحديدا باعتبارها المنطقة التي شهدت اندلاع شرارة الثورة التونسية والربيع العربي.

لكن الشارع الرئيسي وساحة محمد البوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد تخلو من أي مظاهر الفرحة التي تدّل على قرب الاحتفال بمرور خمس سنوات على الثورة.