كانت المسألة الليبية أول قضية تناقشها الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في سياق حقبة تصفية الاستعمار.

اندحر عنها المستعمر الإيطالي عام 1944 أمام تقدم الجيش الإنجليزي الكاسح من جهة مصر، الذي كان يضم نحو 4 آلاف مجند من الليبيين المهاجرين في مصر من أبناء قبائل برقة، وبذلك وقعت برقة ثم طرابلس تحت حكم ما سُمي بـ”الإدارة البريطانية” في الفترة من 1943 وحتى 1951، بينما وقع إقليم فزان تحت سيطرة النفوذ الفرنسي.

كانت المسألة الليبية أول قضية تناقشها الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في سياق حقبة تصفية الاستعمار.

اندحر عنها المستعمر الإيطالي عام 1944 أمام تقدم الجيش الإنجليزي الكاسح من جهة مصر، الذي كان يضم نحو 4 آلاف مجند من الليبيين المهاجرين في مصر من أبناء قبائل برقة، وبذلك وقعت برقة ثم طرابلس تحت حكم ما سُمي بـ”الإدارة البريطانية” في الفترة من 1943 وحتى 1951، بينما وقع إقليم فزان تحت سيطرة النفوذ الفرنسي.

وفي تلك الفترة المُشار إليها اشتد التنافس بين الدول الأربع الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنسا) على الغنيمة الليبية، لكنهم فشلوا في الاتفاق على كيفية الوصاية عليها أو اقتسامها. وكان الأمريكان متشددين جداً في رفض استحواذ البريطانيين على المستعمرة الإيطالية السابقة باعتبارهم الأباطرة الجدد، ونتيجة لذلك اضطر المتنافسون إلى إحالة المسألة الليبية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقرر بشأن مصيرها.

بدأت مناقشة القضية الليبية في أبريل 1949 داخل الجمعية العامة، وفي أثناء ذلك ظهر مشروع بيفن- سفورزا، الناجم عن اتفاق وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن مع وزير خارجية إيطاليا كارلو سفورزا، الذي اقترح أن تحصل ليبيا على استقلالها بعد عشر سنوات، بحيث توضع أقاليمها الثلاث خلال هذه الفترة تحت وصاية دولية. فتتولى بريطانيا إدارة إقليم برقة وايطاليا إدارة إقليم طرابلس وفرنسا إدارة إقليم فزان.

قُدم المشروع للأمم المتحدة للتصويت عليه أمام الجمعية العامة في 17 مايو 1949، ولتمريره كان يتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين وهم ممثلو 58 دولة، وكاد أن يمرر لو لم يتمكن أحد أعضاء الوفد الليبي من كسب تأييد ممثل دولة هايتى لدى الأمم المتحدة، الدكتور والدبلوماسي اليساري إميل سان لو، الذي كان تصويته، المخالف لتوجيهات حكومته، الصوت الحاسم في إسقاط مشروع الوصاية الدولية الثلاثية (بريطانيا / فرنسا / إيطاليا).

فكان البديل تقديم مشروع قرار لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 21 نوفمبر 1949، اقترحته وفود الهند والعراق وباكستان والولايات المتحدة. وينص على وجوب أن تنال ليبيا استقلالها قبل 1 يناير 1952. فاز القرار بغالبية الأصوات. واعتمد تحت رقم (289).

ولأجل مساعدة الدولة المستقلة الوليدة للتو في تأسيس وجودها نص القرار على تعيين هيئة الأمم المتحدة مندوباً خاصاً لها في ليبيا. ووقع الاختيار على الدبلوماسي الهولندي أدريان بيلت، الذي كانت مهمته الأساسية الإشراف على تمكين الليبيين من وضع دستور للبلاد، بواسطة هيئة وطنية مختارة من ستين عضواً من الأقاليم الثلاثة بالتساوي، ينجم عنه نظام سياسي ديمقراطي.

وكان للمندوب الأممي مجلس استشاري يساعده ويرشده، مكونٌ من عشرة أعضاء، ستة منهم يمثلون دول: مصر، فرنسا، إيطاليا، باكستان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الامريكية. علاوة على ثلاثة ممثلين لأقاليم ليبيا الثلاثة، إضافة لممثل واحد عن الأقليات في ليبيا.

من جانب الليبيين: كان هناك رموز وطنيّة على خلفية تاريخهم الجهادي ضد المستعمر الإيطالي وزعماء أحزاب وأعيان ونخبة مثقفة على قلتها، في الأقاليم الثلاثة، متمسكة بمبدأ نيل الاستقلال ليبيا ووحدتها.  

وكان السيد بيلت محبوباً أينما حلً بين الليبيين في مدنهم وبواديهم. وقد سموا فيما بعد باسمه شوارع بارزة في طرابلس وبنغازي، وكذلك باسم اميل سان لو واسم دولته هايتي، بما في ذلك أشهر دار سينما شعبية في بنغازي!

وهكذا كانت ليبيا أول مستعمرة، بعد الحرب العالمية الثانية، تنال استقلالها بقرار دولي اممي. وأول بلاد، وربما لا أحد بعدها، يُصاغ دستورها بإشراف الأمم المتحدة (ويمكن القول بصياغة بيلت الهولندي)، ويصدر قبل إعلان استقلالها.

كما أنها كانت أول دولة تأسس جيشها الوطني في المهجر. وعلمها استمد تصميمه من بيت شعر للشاعر العراقي صفي الدين الحلي القائل: بيض صنائعنا سود وقائعنا.. خضر مرابعنا حمر مواضينا. وكلمات نشيدها الوطني من تأليف شاعر تونسي فاز بها في مسابقة مخصصة وكأنها مناقصة مفتوحة. وفاز بتلحينه الموسيقار المصري الشهير محمد عبد الوهاب.

وتدور الدوائر. فبعد ستين سنة على صدور قرار هيئة الأمم المتحدة باستقلال ليبيا يصدر عن مجلس الأمن في مارس 2011 القرار (رقم 1973) الذي يجيز التدخل العسكري الدولي لحماية المدنيين في ليبيا من جرائم حاكمهم المستبد. فكان ذلك من حسن حظ حيوات الليبيين. فلو لم تتدخل القوات الدولية متمثلة في الناتو لكان حال الليبيين مثل حال السوريين الفجائعي.

وكما امتنّ وبجّل الليبيون دور الأمم المتحدة في نيل استقلالهم قبل ستين سنة، فعلوا كذلك حيال طائرات الناتو وهي تقضي على قوة القذافي العسكرية الوحشية. كان الرجال يكبرون والنساء تزغرد. وكانت أعلام فرنسا وأمريكا وبريطانيا ترفرف في الساحات العامة.

وكما حدث قبل ستين سنة عينت هيئة الأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً بغرض مساعدة الليبيين على إعادة تأسيس دولة استقلالهم الثاني. لكن الليبيين لم يعودا أولئك الطيبين البسطاء غداة الحرب العالمية الثانية…. يتبع في مقال آخر.