وقف المواطن الليبي جمال اليفرني لساعات غاضبا أمام مكتب ختم الجوازات بمعبر رأس جدير وهو يمسك جواز سفر زوجته التونسية التي منعها أعوان حرس الحدود من مغادرة التراب التونسي في اتجاه ليبيا.

يحاول رجال الأمن التونسي تهدئته وإقناعه بأنه ليس بمقدورهم خرق إجراءات غلق الحدود التي تم اتخاذها عقب تفجير انتحاري لحافلة أمنية يوم الجمعة الماضي تسبب في مقتل 12 عون حرس رئاسي.

غير أن جمال يعود ليسألهم بشيء من الحيرة “هل أترك زوجتي هنا وأعود وحدي إلى طرابلس؟ كيف لا تستثني الحكومة التونسية بعض الحالات؟ زوجتي تعمل في مجال التدريس وليست إرهابية”.

وقف المواطن الليبي جمال اليفرني لساعات غاضبا أمام مكتب ختم الجوازات بمعبر رأس جدير وهو يمسك جواز سفر زوجته التونسية التي منعها أعوان حرس الحدود من مغادرة التراب التونسي في اتجاه ليبيا.

يحاول رجال الأمن التونسي تهدئته وإقناعه بأنه ليس بمقدورهم خرق إجراءات غلق الحدود التي تم اتخاذها عقب تفجير انتحاري لحافلة أمنية يوم الجمعة الماضي تسبب في مقتل 12 عون حرس رئاسي.

غير أن جمال يعود ليسألهم بشيء من الحيرة “هل أترك زوجتي هنا وأعود وحدي إلى طرابلس؟ كيف لا تستثني الحكومة التونسية بعض الحالات؟ زوجتي تعمل في مجال التدريس وليست إرهابية”.

هكذا بدت بعض المشاهد في المعبر الحدودي الرئيسي بين تونس وليبيا فالأمور هناك بعد قرار غلق الحدود بين البلدين لم تكن تسير بسهولة وسلاسة بل إن التوتر كان في كثير من الأحيان سيد الموقف.

قرار الحكومة التونسية غلق الحدود البرية مع ليبيا أثار موجة من الاستياء لدى بعض الليبيين، منعهم حراس الحدود من اصطحاب زوجاتهم التونسيات.

ويدقق المئات من أعوان الشرطة والجيش أمام نقاط تفتيش كثيرة تم تركيزها قبل الوصول لمعبر رأس جدير في هوية أصحاب السيارات الليبية التي سمحوا لهم فقط بالعودة إلى ديارهم بعد قرار غلق الحدود.

لم تسمح السلطات التونسية عقب هذا القرار الذي اتخذه السبت الماضي مجلس الأمن القومي سوى بتمكين التونسيين والليبيين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية في الاتجاهين وتعليق حركة العبور العادية.

وكان رئيس الحكومة الحبيب الصيد قال أمام البرلمان الاثنين الماضي إن غلق الحدود مع ليبيا فرضته الظروف الخطيرة في ظل تصاعد الحديث عن تسلل مقاتلين من ليبيا للقيام بمخططات إرهابية في تونس.

ويرى رجال الأمن في معبر رأس جدير بأن قرار غلق الحدود “خطوة جيدة” بدعوى أن الأسلحة والمتفجرات التي تم استعمالها في بعض العمليات الإرهابية في تونس تم جلبها من ليبيا بحسب الأبحاث الأمنية.

ويشيد رئيس فرقة المصلحة الأمنية المختصة بمدينة بن قردان القريبة من المعبر بغلق الحدود رغم أنه يعلم جيدا بأن “الإرهابيين ليسوا بهذه الدرجة من الغباء كي يقدموا على تمرير أسلحة ومتفجرات من معبر رسمي عليه مراقبة مكثفة” .

ويرى بأنه من الضروري مواصلة قرار غلق الحدود مع ليبيا لترتيب البيت الداخلي ومنع العناصر التونسية المتعاطفة مع تنظيمات إرهابية للالتحاق بها في ليبيا وتضييق الخناق على العناصر الإرهابية القادمة من ليبيا.

ويوضح لـ”مراسلون” بأن جهاز الاستعلامات في مكاتب الحدود البرية مع ليبيا ستعمل طيلة فترة غلق الحدود على تحديد آليات تمنع تدفق المشتبه بهم من ليبيا باستعمال جوازات سفر مزورة لتنفيذ عمليات إرهابية داخل تونس.  

وهناك أخبار واردة بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلامياً بـ “داعش” قد سيطر في مدينة سرت أحد أبرز معاقله في ليبيا على مكاتب جوازات السفر وهو أمر تنظر إليه السلطات التونسية بقلق خوفا من تسلل إرهابيين لأراضيها.

ويقول المصدر الأمني ذاته بمدينة بن قردان إن مئات المقاتلين التونسيين تمكنوا من الحصول على جوازات سفر ليبية رسمية، محذرا من إمكانية عودتهم إلى تونس على أساس مواطنين ليبيين تحضيرا لارتكاب أعمال إرهابية.

ويضيف بأن المجموعات الإرهابية في ليبيا تعمد لتلقين اللهجة الليبية المحلية للمقاتلين التونسيين من أجل إبعاد الشبهات عنهم حتى يتمكنوا من الدخول لتونس تحت غطاء السياحة أو العلاج ثم تنفيذ مخططاتهم.

بدوره يرى العميد المتقاعد من وزارة الداخلية علي الزرمديني بأن “ليبيا أصبحت خطرا يهدد الأمن القومي التونسي” خاصة بعد بروز ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على مدن بأكملها وتسيير شؤونها.

ورغم أنه أشاد بقرار غلق الحدود مؤقتا مع ليبيا فإنه اعتبر أن مدة أسبوعين غير كافية لتأمين الحدود من الخطر القادم من بلد يخضع لسيطرة مليشيات تملك ترسانة من الأسلحة كافية لتسليح جيوش 10 دول نامية، وفق قوله.   

وضاعفت وزارة الداخلية التونسية منذ إعلان قرار غلق المعابر الرسمية عدد الأعوان والإطارات العاملين في معبر رأس جدير ومكنتهم من معدات متطورة لمراقبة الحدود مع ليبيا خاصة بعد إحباط عمليات إرهابية خطيرة بالأيام الماضية.

وتبدو الطريق الرابطة بين مدينة بن قردان ورأس الجدير حاليا على غير العادة محروسة بشكل مكثف وخالية من السيارات والشاحنات كبيرة التي كانت تعمل يوميا على جلب السلع من ليبيا لتزويد السوق الموازية داخل تونس.

ويرى بعض تجار السلع المهربة من ليبيا بأن استمرار غلق الحدود مع ليبيا سيصيب تجارتهم بالكساد وسيضر أرزاقهم رغم أن البعض منهم بدا متفهما لقرار الغلق المؤقت للحدود حتى تهدأ الأوضاع قليلا في البلاد.

يقول الشاذلي الفلالي صاحب أحد المحلات في بن قردان لـ”مراسون” إن التجار الصغار العاملين في مجال بيع السلع المهربة من ليبيا في مدن الجنوب أصبحوا يعانون من صعوبات هذه الفترة بعد غلق الحدود مع ليبيا.

ويوضح بأن هؤلاء التجار الصغار أصبحوا يواجهون ارتفاعاً كبيرا في الأسعار التي يقرها المهربون الذين يتحكمون في أسعار السوق الموازية، مشيرا إلى أن التمديد في مدة غلق الحدود سيكبدهم “خسائر فادحة”.

وفعلا سجلت أسعار البنزين المهرب من ليبيا منذ عشية اليوم الأول من قرار الغلق (السبت الماضي) زيادة تجاوزت المائة بالمائة، وهي النسبة المتوقع أن تشمل أسعار جميع المواد مع اقتراب نفاذ المخزون لدى الموزعين.

على هذا الأساس يطالب مصطفى عبد الكبير، وهو ناشط تونسي مهتم بالشأن الليبي، السلطات التونسية بمراجعة قرار غلق الحدود مع ليبيا لأنه سيؤدي إلى “كارثة اجتماعية وتضرر مصالح التجار الذين ينشطون بين البلدين”.

كما يقول لـ”مراسلون” إن غلق الحدود البرية تزامن مع موسم تصدير التمور والرمان من تونس إلى ليبيا مما قد يعرض الكمية المخصصة للتصدر إلى الإتلاف في حالة عدم التسريع بإيصالها إلى مخازن التبريد في المدن الليبية”.  

واستغرب عبد الكبير من اتخاذ السلطات التونسية قرار غلق الحدود في وقت تخضع المعابر الحدودية لرقابة مكثفة إلى جانب ساتر ترابي يخضع لمراقبة الجيش على طول الشريط الحدودي مع ليبيا ويمتد لمسافة 459 كلم.

غير أن المسؤول الأمني السابق علي الزرمديني عارض بشدة فكرة فتح الحدود بين البلدين قائلا “الدولة يجب أن تعمل على تحليل الواقع ومقارنته بالأمن القومي وهذه المقارنة سترجح كفة أمن التونسيين على مصالحهم الاقتصادية”.

ويضيف “أهلنا في الجنوب التونسي يجب أن يتفهموا بأن لا شيء يعلو على الأمن القومي للبلاد، وتجار السلع المهربة هناك لديهم سيولة مالية تكفيهم للعيش أشهرا في بنقردان دون اللجوء إلى التجارة في ليبيا لمدة سنة كاملة”.