يتصاعد الجدل في تونس بشأن قانون المصالحة الاقتصادية مع رجال أعمال متهمين بالفساد واستغلال النفوذ إبان عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

أنصار هذا القانون يرون أنه قادر على حل جزء من الأزمة المالية الخانقة ودفع عجلة الاستثمار والتنمية، فيما يرى المعارضون أن التصالح مع رجال أعمال فاسدين من شأنه تكريس ثقافة الفساد والإفلات من المحاسبة التي خرج التونسيون في ثورتهم ضدها.

يتصاعد الجدل في تونس بشأن قانون المصالحة الاقتصادية مع رجال أعمال متهمين بالفساد واستغلال النفوذ إبان عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

أنصار هذا القانون يرون أنه قادر على حل جزء من الأزمة المالية الخانقة ودفع عجلة الاستثمار والتنمية، فيما يرى المعارضون أن التصالح مع رجال أعمال فاسدين من شأنه تكريس ثقافة الفساد والإفلات من المحاسبة التي خرج التونسيون في ثورتهم ضدها.

وتشيد أحزاب الرباعي الحاكم الذي يضم “نداء تونس” وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق بتمرير القانون بحجة أنه يصب في مصلحة البلاد. في حين تعارض أحزاب ممثلة في البرلمان وعلى رأسها الجبهة الشعبية اليسارية وحزب المؤتمر وأحزاب أخرى ومنظمات حقوقية عديدة مشروع القانون.

وتركز تلك الأحزاب والمنظمات انتقاداتها لهذا القانون الذي لوحت في وجهه بالتظاهر في الشارع بأنه لا يحترم الدستور ويتعدى على مسار العدالة الانتقالية.

طيّ صفحة الماضي

تأجج الجدل حول مشروع قانون العفو على رجال أعمال فاسدين بعد إحالته إلى البرلمان إثر التصديق عليه من الحكومة في شهر تموز/يوليو الماضي. وكان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ومؤسس حركة “نداء تونس” قد طرح مشروع قانون المصالحة في حزيران/يونيو الماضي بدعوى أنه ذا جدوى.

وحول رأيه في المشروع يقول النائب عن حركة نداء تونس عبد العزيز القطي لـ”مراسلون” إن القانون يهدف لطي صفحة الماضي وتوحيد الصفوف لإنقاذ الاقتصاد. وأشار إلى أن المشروع “كفيل بتجاوز الانقسامات بين الفرقاء السياسيين وتعبيد الطريق أمام الانصراف إلى العمل والاستثمار والتنمية في بلد يمر بأوضاع صعبة”.

ويرفض القطي الانتقادات الموجهة للقانون الذي اعتبره لا يتنافى مع مبدأ المحاسبة لكونه “لا يتوجّه لمن ثبت تورّطهم قضائيا في الفساد أو الرشوة”.

وقال إن تمرير القانون ضرورة تستدعيها المصلحة العامة في ظل ما اعتبره تعطلا لهيئة الحقيقة والكرامة الموكول لها مهمة المحاسبة والمصالحة.

وطالما وجهت قيادات “نداء تونس” انتقادات حادة لعمل هيئة الحقيقة والكرامة وخاصة لرئيستها سهام بن سدرين التي يتهمونها بسوء الإدارة والتصرف.

وقد تسبب الجدل حول قانون المصالحة في تصدع تركيبة هيئة الحقيقة والكرامة بسبب اختلاف الآراء صلبها ما أدى لاستقالة أحد الأعضاء وطرد عضو آخر.

يحتاج بعض التعديلات

بعيدا عن هذا تناصر حركة النهضة حزب نداء تونس في تمرير مشروع قانون المصالحة التي تعتبر بعض قياداتها البارزين أنه “يحقق منفعة للبلاد”.

وأكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي منذ أيام قليلة في وسائل الإعلام بأن قانون المصالحة “يفتح الباب للبلاد أمام المستقبل ويخلصها من أحقاد الماضي”.

لكن لا تكف قيادات حركة النهضة الإسلامية على التشديد بأن مشروع قانون المصالحة يحتاج إلى بعض التعديلات ليتلاءم مع مسار العدالة الانتقالية.

وتبارك أحزاب الائتلاف الحاكم تمرير قانون المصالحة بعد تعديله بدعوى أنه سيدر عائدات مالية هامة لخزينة الدولة وسيحرك عجلة الاقتصاد والاستثمار.

ويفتح القانون الباب أمام المصالحة مع رجال أعمال وموظفين حكوميين يشتبه في تورطهم بالفساد مقابل أن يعيدوا الأموال المنهوبة لخزينة الدولة ودفع مبلغ بقيمة 5 بالمائة من قيمة تلك الأموال للدولة.

ويقول الخبير الاقتصادي ورئيس التونسية للحوكمة معز الجودي إن خيار المصالحة الاقتصادية “يمثل الحل الأمثل لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية”.

ويؤكد في تصريح لـ”مراسلون” أن القانون يتوجّه بصفة خاصة لرجال الأعمال الذين لم يثبت تورّطهم في الرشوة والسرقة والذين وقعت شيطنتهم.

وأوضح أن القانون يستهدف أيضا موظفين حكوميين أثيرت شبهات حول مصادر ثورتهم وكانوا في السابق يخضعون تحت الضغط لأوامر كوادر النظام السابق. ويرى بأن القانون لا يتعارض مع نص الدستور ولا مع العدالة الانتقالية، مبرزا أنه يتوقع أن يضخ تمويلات بقيمة 500 مليون دينار في خزينة الدولة التونسية.

المجتمع المدني سيتصدى له

غير أن معارضي هذا القانون يقللون من مردوده الاقتصادي ويحذرون من مغبة تمريره ويدعون للاعتراض عليه بالقوة حتى وإن تطلب الأمر النزول للشوارع.

النائب في الجبهة الشعبية اليسارية نزار عمامو يقول لـ”مراسلون” إن المعارضة والمجتمع المدني سيتصدون بكل ما أوتوا من قوة لمنع تمرير القانون.

ويضيف “قانون المصالحة يخرق الدستور ويؤسس لمنظومة الافلات من العقاب ويسطو على مهام هيئة الحقيقة والكرامة التي جاء بها قانون العدالة الانتقالية”.

من جهته يقول طراق الكحلاوي القيادي بحزب المؤتمر إن المعارضة ستتصدى للقانون لأنه “يشكّل خطورة على المسار الديمقراطي ومسار العدالة الانتقالية”. ويضيف لـ”مراسلون” بأن هذا القانون “يرتكز على الغش والخداع وهو ليس قانون مصالحة بقدر ما هو عفو عن الفاسدين والعمل على إفلاتهم من الحساب”.

ولا يوافق الخبير الاقتصادي والمالي ورئيس المركز التونسي لحوكمة المؤسسات فيصل دربال على الصيغة المطروح بها قانون المصالحة ولا يؤيده تماما. ويقول “هذا المشروع ستشرف عليه لجنة حكومية لا تتمتع لا بالاستقلالية ولا بالحياد وستفتح الباب للمحاباة والانتقائية وعقد صفقات بعيدا عن الشفافية”.

وخاب أمل دربال من عدم تشكيل لجان مختصة صلب هيئة الحقيقة والكرامة الموكول لها السهر على مسار العدالة الانتقالية لإدارة ملف المصالحة. ويقول “كان من المرجو تحقيق العدل والإنصاف بعيدا عن منطق المحاباة والمحسوبية إذا كانت هناك لجان محايدة تنظر في ملفت رجال الأعمال المتهمين”.

ويرى بأن الدولة “كانت قادرة على إعادة الحقوق إليها ولأصحابها المتضررين وإجبار كل مختلس أو متلاعب بإرجاع الأموال أو ملاحقته ومعاقبته”، مشيرا إلى وجود إخلالات كبيرة في مشروع القانون لا تؤسس للشفافية.

ومن المتوقع أن يعرض قانون المصالحة مطلع الشهر الجاري لمناقشته في جلسة برلمانية عامة بع إدخال بعض تحويرات على مضمونه في لجنة التشريع العام. ويرى بعض المراقبين بأن القانون سيحظى بموافقة البرلمان حيث تسيطر أحزاب الائتلاف الحاكم على أغلبية كاسحة مقابل جبهة معارضة قليلة العدد.