بعد مشوارك النقابي تجد نفسك اليوم وزيرا في الحكومة مكلفا بمكافحة الفساد. هل ترى نفسك في المكان المناسب؟ 

يصعب جدا على المرء تقييم ذاته لذلك سنترك التقييم للمتابع للشأن العام. ولكن وجودي في هذا المنصب لا أتصوره متضاربا مع قناعاتي فالالتحاق بالحكومة كان استنادا إلى خارطة طريق وثيقة قرطاج التي دعمتها منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل النقابية وبالتالي وجودي في هذا المنصب لا يتضارب مع انتمائي النقابي السابق وأنا راض بالدور الذي ألعبه في هذه الحكومة. 

بعد مشوارك النقابي تجد نفسك اليوم وزيرا في الحكومة مكلفا بمكافحة الفساد. هل ترى نفسك في المكان المناسب؟ 

يصعب جدا على المرء تقييم ذاته لذلك سنترك التقييم للمتابع للشأن العام. ولكن وجودي في هذا المنصب لا أتصوره متضاربا مع قناعاتي فالالتحاق بالحكومة كان استنادا إلى خارطة طريق وثيقة قرطاج التي دعمتها منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل النقابية وبالتالي وجودي في هذا المنصب لا يتضارب مع انتمائي النقابي السابق وأنا راض بالدور الذي ألعبه في هذه الحكومة. 

أنت لديك انتماء يساري فهل وجود في الحكومة يمثل العائلة اليسارية؟ 

هناك وجهات نظر متعددة داخل اليسار اليوم فهناك من يدعم ضرورة وصول اليساريين إلى مواقع القرار السياسي في إطار الحكومة وهناك من يرى أن عليهم البقاء في المعارضة لعدم توفر الظروف المناسبة. وفي اعتقادي أن اليساريين كان يفترض بهم أن يكونوا في مواقع صنع القرار السياسي منذ زمن ولكن اغتيال القياديين في الجبهة الشعبية اليسارية شكري بلعيد ومحمد البراهمي أثر سلبا على حرص اليساريين في التواجد في مواقع القرار السياسي. 

لكننا كيساريين لسنا مستأجرين في هذا الوطن بل نحن أصحاب ملك، وانطلاقا من كل هذا اعتقد أنه عندما تتاح الفرصة للمشاركة في الحكم في مناخ عام من الوحدة الوطنية لا أرى مانعا في أن أشارك رغم أن ذلك لا يعني أني سأغير انتماءاتي أو قناعاتي السابقة. على العموم أنا من أولئك الذين يتمسكون بالثوابت ويتعاطون ايجابيا مع المتحولات. 

تعرض الحكومة على البرلمان مشروع موازنة يواجه انتقادات كبيرة حتى من أحزاب الائتلاف الحاكمة وكأنها أحزاب معارضة. لماذا؟ 

أشاركك نفس الحيرة، أنا اعتقد أن حسابات كل الأحزاب مرتبطة عضويا بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل، فلو لم يكن موقف الاتحاد رافضا لمشروع قانون المالية لكانت مواقف الأحزاب مختلفة تماما منه. الاتحاد يضم قوة انتخابية جبارة وهم العمال وكل الأحزاب تضع في حساباتها السياسية المحطات الانتخابية القادمة وخاصة الانتخابات البلدية وبالتالي فمواقفها المعلنة والرافضة لبعض إجراءات مشروع قانون المالية لسنة 2017 تحاول من خلالها هذه الأحزاب أن تخطب ود الطبقة العاملة ولكن عندما نسير بهذا الشكل تضيع مصلحة تونس في خضم هذه الحسابات. 

إذن كيف تفسر انفصام المواقف السياسية بين الحكومة والأحزاب المكونة لها؟ 

في الحقيقة لا أملك تفسيرا مقنعا لذلك ولكن الحكومة قامت بما يجب القيام به والإرادة كانت متوفرة لها قولا وفعلا والدليل هو اقتراحها للفصل 37 المتعلق برفع السر البنكي في مشروع قانون المالية وقد رأيتم وسائل الإعلام كيف كانت ردة فعل بعض الأحزاب الحاكمة في البرلمان التي رفضت تمرير هذا القانون الذي يسمح بمعرفة مصادر الأموال وقانونيتها. 

بما أنك عرجت على هذا الموضوع ألا تخشون من أن تفشل الحكومة في إرساء الشفافية في القطاع المالي ومحاربة الفساد بعد إسقاط بعض أحزاب الائتلاف الحكومي إجراء رفع السر البنكي؟ 

مقترح رفع السر البنكي تمت مناقشته بعمق صلب مجلس الوزراء وحاولنا من خلال إجراء رفع السر البنكي صلب مشروع قانون المالية لسنة 2017 أن نكرس مبدأ الشفافية ونحارب الفساد لكننا فوجئنا برفض كتلتي نداء تونس وحركة النهضة (أكبر حزبين في الحكومة) للفصل 37 من المتعلق برفع السر البنكي. 

لا أريد الخوض في خيارات الأحزاب لكني في المقابل أصبحت أخشى على مشروع القانون المتعلق بتضارب المصالح والنزاهة الذي يشترط التصريح بالمكتسبات على عدد كبير من المسؤولين من الرفض بعد رفض رفع السر البنكي. ورغم أني شخصية غير متحزبة داخل الحكومة لكني أرى أنه كان من الأجدر أن تُسند الحكومة حزبيا لترجمة شعارات مكافحة الفساد على أرض الواقع وهو ما لم يتحقق. 

تونس مقبلة في قادم الأيام على تنظيم مؤتمر دولي لجلب الاستثمار وسط دعوات من منظمات دولية مانحة بمحاربة الفساد وتكريس النزاهة في المعاملات المالية ألستم قلقين حيال ذلك؟ 

نعم مسألة إسقاط الفصل 37 من مشروع قانون المالية المتعلق برفع السر البنكي أصبحت تبعث عن القلق. نحن كحكومة انطلقنا في ممارسة التصدي للفساد من ذلك تكوين فريق للتدخل السريع لمكافحة التهريب والتهريب وبدأنا في حصد نتائج ايجابية وقد تمكنا من تأمين موارد مالية بمليارات الدينارات بعد مداهمة مخازن السلع المهربة في أنحاء مختلفة من البلاد، وكم وددنا أن تكون هذه الحكومة الحالية مسنودة من الأحزاب السياسية في مقاومة الفساد لنكون على قلب رجل واحد ونبرهن للعالم أن محاربة الفساد ليست مجرد شعار سياسي فحسب. 

كيف تقيمون مؤشر الفساد في تونس اليوم وهل وصلنا لمرحلة الفساد الوبائي؟ 

الفساد يشمل اليوم كل القطاعات تقريبا حيث نجده في مجال الأعمال والإدارة ونجده من خلال التهرب الجبائي وتهرب المواطن من دفع حتى الأداء البلدي وهذا نوع من أنواع الفساد فنصف الشعب التونسي لا يدفع الأداء البلدي. اليوم الحكومة لوحدها لن تجد الحلول الكافية للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد لذلك يجب أن تكون هناك جبهة وطنية واسعة تساند الحكومة من الأحزاب ومن المجتمع المدني الذي ساهمت في بناء الانتقال بمعنى أن تكون هناك جبهة تتجاوز المصالح القطاعية والذاتية للنظر في المصلحة العامة. 

ما هي انتظاراكم من المؤتمر الدولي للاستثمار الذي سيعقد آخر الشهر الجاري؟   

هذا التاريخ لم تختره الحكومة الحالية بل كان محددا آنفا وقد وددت لو كان في غير هذا التاريخ وتأخر قليلا لأننا نمر بفترة توتر داخلي لكن رهاناتنا تبقى كبيرة فيما يتعلق بهذا المؤتمر لجلب الاستثمار. وأقول فقط يا ليت المستثمرين سيحلون إلى تونس وقد تمت المصادقة على رفع السر البنكي الذي يكرس الشفافية التي يبحث عنها المستثمر الأجنبي. هناك اليوم جو من التوتر في المناخ الاجتماعي والسياسي بخصوص مشروع قانون المالية الذي أقر عديد الإجراءات التي ستسحن من مداخيل الدولة لكن الجميع بما فيهم أحزاب الائتلاف الحاكم لم تساعد الحكومة على تمريره. 

ألا تعتقد بأن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي رفض تأجيل الزيادة في أجور العمال قد وضع العصا في عجلة الحكومة أيضا؟ 

أنا أتألم كثيرا عندما أطرح مسألة تأجيل الزيادة في الأجور لأني على علم تام بوضعية العمال والموظفين الذين يمثلون الطبقة الوسطى والتي تدحرجت لمستوى الفقر خلال الخمس سنوات الماضية. وأنا على يقين من تألم القيادة النقابية باتحاد الشغل من اتخاذها لهذا الموقف الرافض لأن هذه القيادة على علم بأن البلاد تحتاج لعملية إنقاذ وأن عملية الإنقاذ تحتاج لتضحيات مؤلمة. 

ولكني أقول إن هذا الألم المشترك هو الذي سيصنع أرضية للحلول التوافيقية وأرى أن الموقف المتصلب لاتحاد الشغل بدأ يلين وأن المقترح الأخير الذي قدمته الحكومة بإرجاء الزيادة في الأجور إلى سنة فقط بدأت القيادة النقابية تتفاعل معه بشكل ايجابي. وفي تقديري أن الاتحاد التونسي للشغل الذي طالما اتخذت قيادته مواقف وطنية في أوقات حرجة وجنبت البلاد الكثير من المشاكل لن يصعب عليه إيجاد مخرج اقتصادي لمطلب إرجاء الزيادة في الأجور والذي لا يعتبر تراجعا من قبل الحكومة الحالية عن التزامات الحكومة السابقة بل هو عبارة عن جدولة ديون لأجل مسمى لذلك أقول إن كل هذه المعطيات تجعلني متفائلا بأننا سنصل في النهاية إلى اتفاق وشيك.   

بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية صرحت قائلا “فليحمنا الله من هذا الاختيار” وطالبت من التونسيين بأن يعولوا على أنفسهم. ماذا تقصد بهذا التصريح؟ 

رغم إني احترم إرادة الشعوب في تقرير مصيرها واختيار ساستها لكن مسألة انتخاب رئيس للولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط شأن محلي يهم الأمريكان بل هو شأن دولي أيضا وخيار انتخاب دونالد ترامب لن ينحصر في الولايات المتحدة الأمريكية فقط بل سيمتد إلى مناطق أخرى.

وهذا الخيار يترجم رغبة لدى الشعب الأمريكي بالانغلاق على النفس في ممارسة السياسية انطلاقا من قاعدة “الأمريكان أولا وأخيرا” وهو ما يعكس تضاد مع المسار الديمقراطي الذي شهدته المنطقة العربية منذ ثورات الربيع العربي الذي شهد انتكاسة في أغلب الدول العربية التي شهدت ثورات كليبيا واليمن وسوريا. وشخصيا عبرت عن موقفي من صعود ترامب لأني أخشى من تداعيات احتمال مثل هذا الانغلاق على التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي الذي يبقى في حاجة للمساعدة. 

وماذا تقصد بدعوتك للتونسيين إلى التعويل على أنفسهم؟ 

التضحيات يجب أن تكون داخلية لأن المراهنة على الآخر أي كان هذا الآخر لا يمكن أن تضمن للوطن موقعا في العالم تحافظ من خلاله على سيادته وعلى قراره السيادي يسمح له مثلا بالتفاوض مع المؤسسات المالية الدولية أو بالتفاوض مع قوى دولية كبرى حول قضايا إقليمية أو دولية لأنه كما قال العرب قديما “القلاع المحصنة لا تؤخذ إلا من الداخل” وبالتالي علينا أن نعول على أنفسنا حتى لو استدعى الأمر بعض التنازلات المؤلمة حتى نتفادى المخاطر ونتجاوز المراحل الحرجة.