انتشرت في البلاد التونسية بفضل تنوع ثقافاتها وحضاراتها منذ فجر التاريخ ظاهرة الزواج المختلط بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فهي تقع بأقصى شمال إفريقيا مطلة على المتوسط جنوب أوروبا.

وقد تعاقب على هذه الأرض إلى جانب عربها وعجمها وبربرها، الإسبان والإيطاليون والفرنسيون والمالطيون واليونانيون والألبان والأتراك والوندال والنورمانديون، وحتى الجرمانيون والبروسيون وغيرهم.

وبفضل هذا التنوع الثري شهدت البلاد تمازجا وتلاقحا بين مختلف الأجناس والأديان سقطت من خلاله الحدود الفاصلة بين الأعراق والأجناس وهو ما خلق ظاهرة جديدة في مؤسسة الزواج تسمى “الزواج المختلط”.

ظاهرة معقدة

لكن هذه الظاهرة المنتشرة أيضا في كل بقاع العالم لم تخلو من التعقيدات والإشكالات بسبب اختلاف اللغات والعقائد والديانات والقناعات مما يجعل التصادم بين الزوجين أمرا قائما عادة ما يقود بالزواج نحو الفشل.

ولئن كان الزواج المختلط يبدو في ظاهره زواجا عاديا، فإنه في واقع الأمر على غاية من التشعب والتعقيد على اعتبار الاختلافات والتعقيدات القانونية التي تضبطه، الشيء الذي أفرز صراعات حادة بين الأزواج.

وبالنظر إلى الكم الهائل من النزاعات القانونية والقضائية بين الأزواج الفرقاء يتضح جليا أنه في بعض الحالات تصل الخصومات بين الزوجين المختلطين إلى قاعات المحاكم وتتجاوزها أحيانا إلى حد الانتقام.

وفي السياق يقول المحامي التونسي حاتم المنياوي رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالأسرة إن ظاهرة الزواج المختلط تعتبر عادية في بلد متنوع الأعراق والأجناس لكنه يبقى زواجا معقدا وقابلا للانفجار.

طريق مسدود

ويوضح لموقع “مراسلون” أن زاوج التونسيين من مواطني أو مواطنات الدول الأجنبية أصبح ظاهرة مألوفة رغم اختلاف التشريعات والعقائد واللغات، لكن بعض تلك الزيجات تصل لطريق مسدود وتبوء بالفشل.

وبحكم اطلاعه على ملفات متصلة بملف الزواج المختلط يقول المنياوي لـ”مراسلون” إن فشل تجربة الزواج بين شخصين مختلطين يجعلهما يدخلان في خصومات قضائية غالبا ما يكون فيها الأبناء “ضحية”.

لكنه لاحظ بأن عديد الخصومات التي عرضت عليه كمحامي دفاع عن موكلين تونسيين بأن الطرف الأضعف في هذه العلاقات هو الطرف التونسي. ويقول “عادة يكون القضاء التونسي منحازا للطرف الأجنبي”.

وبسبب التشكيات التي وصلت جمعيته من أزواج تونسيين ووصلوا لمرحلة الطلاق وواجهوا مشكلة حضانة أبنائهم، أطلقت جمعيته نداءات متكررة للسلطات التونسية للتنديد بما اعتبرته “مظلمة” بحق التونسيين.

أحكام مرفوضة

لكن “سكوت” السلطات التونسية أمام تفاقم الأحكام الصادرة سواء في تونس أو الخارج ضد تونسيين أو تونسيات متزوجين من أجانب جعله يستغرب من “السياسة المعادية للمواطن التونسي والمهادنة للأجنبي”.

وقد رصدت الجمعية التونسية للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع أكثر من 100 حالة لأب تونسي خلال الثلاث سنوات الأخيرة، تضرروا من أحكام الحضانة التي حكم بها القضاء التونسي لصالح أمهات أجنبيات.

وكأمثلة عن بعض الملفات يقول المنياوي لـ”مراسلون” إنه تلقى شكاوى من مواطنين تونسيين تم ترحيل أبنائهم إلى بلدان أجنبية على غرار فرنسا وإيطاليا وذلك بناء على شكاوى تقدمت بها أزوجهن للمحاكم.

ويتساءل “بماذا نفسر خضوع الدولة التونسية لإملاءات السفير الفرنسي بتونس واستجابتها لتسفير أبناء تونسيين للخارج؟ هل يمكن لعاقل أن يتوهم بأن تقوم فرنسا بترحيل أبنائها إلى أي بلد من بلدان العالم؟”.

اتصل “مراسلون” بالمواطن التونسي نوفل البوحلي الذي تزوج من فرنسية وأنجب منها أبناء قبل أن يفقد أبنائه بعد طلاقه بحكم قضائي. يقول “خسرت قضيتي أمام المحاكم التونسية وحرمت من أبنائي الأربعة”.

وقد اتهمته زوجة أمام القضاء بكونه أب قاس مع أبنائه وأنه شخص عنيف وزير نساء وأنه يشكل خطرا على تربية أبنائه وهي ادعاءات نفاها البوحلي قائلا إنها تهم لفقتها له زوجته من أجل ترحيل أنبائه.

صراع قضائي

ويضيف “لقد خاب أملي من القضاء بعدما حرمني من فلذات كبدي. لم أترك بابا من أبواب القضاء إلا وطرقته. ولم أترك جهة من الجهات الرسمية إلا وسعيت إليها سعيا، ولكن النتيجة كانت دوما مخيبة لأملي”.

أما رانية اللومشي المتزوجة من إيطالي بعدما هاجرت إلى بلده بحثا عن عمل فقد تعرضت بدورها إلى نفس الموقف. تعيش هذه المرأة حاليا في تونس مع ابنتها بعد خلافات حاجة مع زوجها لكن تعيش في خوف.

تقول “لقد اضطررت إلى العودة إلى بلدي مع ابنتي بسبب خلافات حادة مع زوجي لكني لست في مأمن من صدور حكم قضائي قد ينتزع مني ابنتي باستخدام زوجي نفوذ سفارة بلده للضغط على القضاء التونسي”.

ماتزال مشاكل الزواج المختلط في تونس تثير انزعاج عدد من المنظمات الحقوقية التي تعتبر أن هناك تعسفا في إصدار أحكام ضد التونسيين والتونسيات لصالح الطرف الأجنبي ومع ذلك ما يزال الأمر يراوح مكانه.