يصفه أصدقاؤه بثعلب السياسة في تونس، ويصفه أعداؤه بأنه أكثر السياسيين حظاً. فقد استطاع كمال مرجان التخلّص بسهولة من صورة آخر وزراء خارجية بن علي وصورة السياسي المنبوذ من قوى الثورة ليتحوّل إلى مرشّح قوي للانتخابات الرئاسة القادمة بمباركة خاصّة من حركة النهضة الإسلامية المعارضة سابقا وألد أعداء حزب التجمع الحاكم قبل ثورة 2011.

يصفه أصدقاؤه بثعلب السياسة في تونس، ويصفه أعداؤه بأنه أكثر السياسيين حظاً. فقد استطاع كمال مرجان التخلّص بسهولة من صورة آخر وزراء خارجية بن علي وصورة السياسي المنبوذ من قوى الثورة ليتحوّل إلى مرشّح قوي للانتخابات الرئاسة القادمة بمباركة خاصّة من حركة النهضة الإسلامية المعارضة سابقا وألد أعداء حزب التجمع الحاكم قبل ثورة 2011.

يوم 13 تموز/يوليو الماضي وعلى هامش اجتماع مجلس شورى حركة النهضة لتعيين أمين عام جديد للحزب، فاجأ زعيم الحركة راشد الغنوشي الجميع بتصريح غير متوقع حين قال إنه لا يستبعد أن يكون رئيس حزب المبادرة كمال مرجان هو المرشّح التوافقي للانتخابات الرئاسية القادمة. هذا التصريح لم تستسغه المعارضة كما لم يقبله أنصار وأتباع حركة النهضة.

الأفضل والأجدر

أثار تصريح الغنوشي حفيظة واستياء قيادات حزبية تطمح جديا للظفر بمنصب رئيس البلاد القادم، كما اعتبروه “مراوغة غير أخلاقية” من حركة النهضة التي تريد “بيع ما لا تملك” وتريد إخضاع منصب الرئيس القادم إلى “التفويت المشروط” في ضرب سافر لقيم الديمقراطية.

في المقابل أيقظ هذا التصريح أحلاما دفينة لزعيم حزب المبادرة الدستورية كمال مرجان الذي كان يعتقد أن الثورة نسفت حلم الرئاسة للأبد.

ولم يفوّت مرجان الفرصة ليعلن أنه يفكّر جدياً في الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة ولم يستبعد أن يتم تقديمه كرئيس توافقي – في تناغم تام مع مقترح حركة النهضة – وقال في تصريح لإذاعة محلية “لا أنكر تفكيري في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة وأعتقد أن دور الرئيس التونسي المقبل سيكون توافقيا بالأساس”.

ورغم محاولة الحركة التنصّل بعد ذلك من التصريح بإنكارها ترشيحها لكمال مرجان كرئيس توافقي بشكل رسمي والقول بأن ما قيل هو مجرّد “خواطر سياسية” ما تزال قابلة للنقاش والتفاوض عليها، إلاّ أن مرجان لم يفوّت الفرصة واقتنص هذا الدعم الافتراضي لأكبر حزب سياسي في البلاد ليصرّح بكل ثقة أنه “يرى نفسه حاليا الشخصية الأفضل والأجدر بمنصب رئيس الجمهورية على اعتبار أنه كان في السابق على رأس وزارتي السيادة الدفاع والخارجية”.

وتحدّى بهذا التصريح رئيس حركة نداء تونس الباجي قايد السبسي (86 سنة) الذي رشحته كل عمليات سبر الآراء ليكون رئيس تونس القادم، حيث اعتبر كمال مرجان أن عامل السنّ في هذه المنافسة محسوم  لصالحه.

وولد كمال مرجان في 9 مايو 1948 بمدينة حمام سوسة بالساحل التونسي (وسط شرق تونس) التي انحدر منها أيضا الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وورث ابن والي سوسة زمن بورقيبة -كما يقول- “جينات” الدساترة (نسبة الى الحزب الدستوري الحاكم زمن بورقيبة) عن والده، وحالفه الحظ ليتقلّد أعلى المناصب الديبلوماسية في هيئة الأمم المتحدة، حيث التحق في عام 1977 بالمفوضية الأممية العليا للاجئين، وتقلد عدة مسؤوليات عليا، سواء في مقرها بجنيف أو ميدانيا بكل من جيبوتي ومصر.

وفي عام 1996 سمي كمال مرجان سفيرا لتونس وممثلا دائما لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات المختصة بجنيف. ثم سمي بعد ذلك ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية ليصبح سنة 2001 المسؤول الثاني في المفوضية العليا للاجئين. واستطاع مرجان من خلال عمله نسج شبكة واسعة من العلاقات واستثمارها جيّدا في تخطيطه لمستقبله السياسي.

ليلى الطرابلسي تكشف السرّ

في كتابها المثير للجدل “هذه حقيقتي” كشفت ليلى الطرابلسي (زوجة الرئيس السابق بن علي) بعضاً من أحلام كمال مرجان الدفينة. واعترفت أن الجنرال بن علي كان في قرارة نفسه يدرك  أن المدة الرئاسية التي فاز بها في انتخابات 2009 قد تكون آخر عهده بالحكم، وبما أنه كان حريصا على أن لا تفلت كل الأمور من يده دفعة واحدة كما كان حريصا على أن يبقى الرجل القوي في تونس حتى بعد مغادرته لمنصب الرئيس الذي بات يثير مطامع حاشيته وأقرب المقربين اليه، “فكّر جديا” كما تقول زوجته في كتابها بأن يقوم بتحضير خليفته بنفسه، ولم يجد أحسن من ابن بلدته وصهره (زوجة كمال مرجان هي ابنة بوراوي بن علي ابن عم زين العابدين بن علي) ووزير خارجيته كمال مرجان الذي يحظى أيضا باحترام قوى دولية نافذة ومؤثرة.

وتؤكّد  ليلى الطرابلسي في كتابها المثير للجدل أنه لم يكن محض صدفة أن يعيّن بن علي كمال مرجان في مناصب وزارية مهمة وسيادية، حيث كان يريده أن يتمرّس في جميع الميادين ويكتسب خبرة واسعة ليتولى إدارة شؤون البلاد بعد ذلك.

فقد تقلّد كمال مرجان منصبي وزير الدفاع في 17 آب/أغسطس 2005 ، وعين في 14 كانون الثاني/ يناير 2010 على رأس وزارة الشؤون الخارجية وبعدها بحوالي أسبوعين عضوا في الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم آنذاك.

الحقائق التي كشفتها زوجة الرئيس المخلوع لم يفنّدها كمال مرجان الذي صرّح بأنه كان سيصبح رئيسا لتونس خلفا لبن علي بفضل علاقاته الجيدة مع المسؤولين الأمريكيين قائلا في تصريح صحفي “إن هذا الطرح كان موجودا بالفعل، وكانت لدي أسبقية على مستوى رجال نظام بن علي. كان هناك، على ما يبدو، اطمئنان حول شخصي، بحكم معرفتهم بي أكثر من باقي السياسيين التونسيين”.

الثورة تؤجّل الأحلام فقط

ومن المفارقات الغريبة أن الثورة التي أجهضت خطط بن علي ليجعل منه خليفته في 2014 بعد نهاية مدته الانتخابية كرئيس عادت لتوقظ هذه الأحلام من جديد، ليكون مرجان مشروع رئيس في انتخابات ديمقراطية لا تمت لبن علي ولزمنه بصلة.

فمنذ الثورة كان كمال مرجان رقما غامضا وغير مفهوم في المعادلة السياسية التونسية. فالرجل الذي هاتفه بن علي صبيحة 14 كانون الثاني/ يناير 2011 والبلاد على فوهة بركان ليسأله رأيه في الأحداث المتسارعة والخطيرة، اعترف أنه كان يساند فكرة إجراء تغيير في أسلوب الحكم زمن بن علي من الداخل، وليس التخلص من النظام السياسي برمته.

وهو يعتبر أن الثورة “كانت بمثابة زلزال كبير ضرب دون سابق إنذار” كما اعترف أن “معظم الطبقة السياسية التونسية لم تكن تتوقع حصول ثورة تقلب النظام بأكمله”.

بعد سقوط نظام بن علي استمر كمال مرجان في ممارسة مهامه كوزير للخارجية الى تاريخ 28 كانون الثاني/ يناير2011. في هذه الأثناء وجهت له تهمة “خيانة الثورة” لأنه قام بتسليم جوازات سفر لعائلة الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، وهي تهمة اعترف بها رغم محاولته التنصّل منها بالقول أنه يوم 15 من الشهر نفسه اتصل به الوزير الأوّل –يقصد محمّد الغنوشي – وطلب منه تسليم جوازات السفر لعائلة بن علي وذلك بعد موافقة رئيس الجمهورية آنذاك فؤاد المبزّع. لكن هذه الزلّة أجبرته على مغادرة حكومة الغنوشي الأولى بعد أسبوعين تحديدا من فرار بن علي بضغط من الشارع الغاضب الذي صنّفه كأحد رموز النظام البائد.

“والدي علمني”

خروج كمال مرجان من دائرة الأضواء السياسية بطريقة “مهينة” لم يدفعه إلى الإحباط والانزواء بل سعى إلى تكوين حزب المبادرة الدستورية في 17 آذار/مارس 2011 مستغلا كغيره من التجمعيين الإرث السياسي “للدساترة” بناة الدولة الحديثة والاحتماء بحزب الدستور بحثا عن المصالحة مع الشعب الذي يستشيط غضبا من حزب التجمّع المنحل ويحن لبورقيبة وحزبه.

كمال مرجان الذي كان يفترض أن يكون ممنوعا من المشاركة فى الحياة السياسية وفي انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 بحكم الفصل 15 من القانون الانتخابي الذي نصّ على اقصاء التجمعيين خاض حزبه الانتخابات وغنم 5 مقاعد في المجلس التأسيسي، ووقف ضدّ قانون العزل السياسي بعد ذلك ليحمي زعيمه من الاقصاء الذي قد يطال التجمعيين .

اما قيادات حزبه فكانت تؤكد على أن المبادرة الدستورية هو امتداد للتجمّع المنحل الى درجة أن أحد نواب الحزب في التأسيسي لم يتوان عن وصف بن علي على الملأ وتحت قبة التأسيسي بأنه “سيّد كل من في المجلس ولا تجوز مقارنته بأشباه السياسيين الحاليين”.

لكن كمال مرجان الذي لا ينفي النفس التجمّعي في حزبه يصرّ كل مرة على القول: “يعرف الجميع أنني أنتمي إلى عائلة دستورية عريقة… والدي علمني..”

“يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي”

اليوم يبدو مرجان أقرب من أي وقت مضى لتحقيق أحلامه في أن يصبح رئيسا. فالرجل الذي طالما حالفه الحظ وخضعت لمشيئته الأقدار، ابن الوالي زمن بورقيبة وصهر زين العابدين بن علي، يدرك تماما ما يجب فعله، فلكي يبلغ قصر قرطاج لا بدّ من “أن يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي”.

فالرجل بدا حريصا طوال الوقت على كسب ود حركة النهضة الأكثر نفوذا في البلاد دون أن يعادي حزب “نداء تونس”. ولعل ذلك ما دفعه للتصريح على عكس أحزاب قريبة من النداء بأنه لا يستبعد أن يترشّح حزبه في عدد من قوائم النداء.

ويبدو مرجان اليوم مطالباً أكثر من أي وقت مضى بحشد توافق أقطاب العملية السياسية وخصوصا النهضة حول شخصه قبل بدء رحلة الصعود المرهقة الى منصب الرئيس الذي يلاحقه منذ 2009.

لكنه في الوقت نفسه لا يكف عن التلميح أو التصريح بدعم دولي لخيار ترشيحه، وهو ما أكّدته أيضا الكاتبة الصحفية نزيهة رجيبة في إحدى تدويناتها قائلة أن مرجان يتلقى دعماً أمريكياً، ووعدت بكشف المزيد من التفاصيل حول الموضوع في كتاب لها سيصدر قبيل الانتخابات القادمة.