محاصرة جبل الشعانبي وإعلانه منطقة عسكرية مغلقة لم يثن الجماعات الإرهابية مساء الأربعاء 16 تموز/يوليو عن استهداف عسكريين. والتسبب حسب رواية وزارة الدفاع في أسوأ حادثة في تاريخ الجيش التونسي.

محاصرة جبل الشعانبي وإعلانه منطقة عسكرية مغلقة لم يثن الجماعات الإرهابية مساء الأربعاء 16 تموز/يوليو عن استهداف عسكريين. والتسبب حسب رواية وزارة الدفاع في أسوأ حادثة في تاريخ الجيش التونسي.

البلاغ الأول الصادر عن وزارة الدفاع بعد ساعات قليلة من الحادثة، تضمن أرقام شكك المتابعون للشأن العام في مصداقيتها. فقد كان الإعلان عن استشهاد عنصرين من الجيش، لا يتطابق مع ما ورد على لسان المسؤولين العسكريين  الذين أكدوا أنها عملية إرهابية نوعية استعملت فيها لأول مرة قذائف ار بي ج. وأرجع المحللون اعلان هذه النتائج لعدم تمكن القيادة العسكرية من انتشال بقية الجثث بسبب عتمة الظلام رغم استعمال القنابل المضيئة.

تضارب الأنباء عن العملية الإرهابية فتح باب التأويلات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع الحكومة التونسية لتشكيل خلية أزمة تكون المصدر الرسمي للمعلومة، للحدّ من الانفلات الإعلامي والإشاعات حول الخسائر في صفوف العسكريين.

تفاصيل الكارثة

لم ينتظر التونسيون كثيرا لمعرفة تفاصيل حجم الكارثة التي لحقت بالمؤسسة العسكرية. فقد عقد مؤتمر صحفي نظمته صبيحة الخميس خلية الأزمة التابعة لرئاسة الحكومة، أعلن فيه قائد أركان جيش البرّ الجنرال محمد صالح الحامدي استشهاد 14 ضابطا وجنديا وإصابة عشرين آخرين بجروح متفاوتة الخطورة وفقدان عنصر عسكري برتبة جندي متطوع.

وذكر الحامدي أن 5 عسكريين قتلوا بالرصاص في حين تم استخراج بقية الجثث متفحمة جراء استهداف خيمة للجيش بقذائف مضادة للدبابات. وأوضح الجنرال أن العملية كانت في سفح الجبل وليس في المنطقة العسكرية المغلقة التي بسط الجيش منذ نيسان/أبريل الماضي سيطرته على جميع منافذها. وأشار إلى ضرورة الاستعداد نفسيا لتقبل المزيد من الخسائر بحكم أن الحرب ضد الإرهاب مفتوحة وطويلة الأمد. وبعد يومين تم العثور على جثة الجندي المختطف مقتولا، لترتفع بذلك الحصيلة إلى خمسة عشر.

اكتمال رواية أكبر خسارة في تاريخ المؤسسة العسكرية منذ تأسيسها في خمسينات القرن الماضي، كان مع تصريحات وزير الدفاع التونسي غازي الجريبي الذي تحدث عن تفاصيل الهجوم دون تحفظات.

وقال الجريبي في مؤتمر صحفي ثان عقدته خلية الأزمة في ذات اليوم “تعمدت مجموعة إرهابية يتراوح عدد عناصرها بين 40 و60 شخصا مهاجمة نقطتين عسكريتين في نفس الوقت لقطع الإمداد والمساندة. الإرهابيون استعملوا أنواع مختلفة من الأسلحة أبرزها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والقذائف المضادة للدبابات”.  

وذكر الجريبي أن الهجوم تزامن مع توقيت إفطار رمضان على غرار ما حدث لكتيبة الجيش في جبل الشعانبي العام الماضي بعد إيقاعها في كمين وذبح 8 من عناصرها. مؤكدا أن عناصر المجموعة الإرهابية تسللوا من الجانب الجزائري قبل الانسحاب في نفس الاتجاه وجاري البحث عنهم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الجزائرية.

كل الاحتمالات ممكنة

تصريحات الجريبي لم تخل من الإشارة إلى تراخي أداء بعض العسكريين، وعدم تعاملهم بجدية مع تحذيرات جهاز الاستخبارات والالتزام بأوامر القيادة العسكرية نظرا لورود معلومات تنص على اعتزام الإرهابيين تنفيذ عمليات خطيرة ضد وحدات الجيش.

ولم يوضح وزير الدفاع التونسي مصير الجندي المفقود قائلا “جميع الاحتمالات ممكنة بما في ذلك خطفه من طرف الارهابيين أو قتله وإلقاء جثته بعيدا عن مكان الحادثة”. ونفى أي تواطؤ في صفوف عناصر الجيش وتورطهم في خدمة الإرهاب.

وتواجه المؤسسة العسكرية اتهامات بعدم الجدية في القضاء على الإرهاب في جبل الشعانبي وبقية المناطق التي يتحصن بها المسلحون. فقد تضمنت جميع بلاغات وزارة الدفاع حول العملية المذكورة وغيرها من عمليات استهداف وحدات الجيش أسماء جنود برتب “جندي متطوع” يرجح المحللون عدم تلقيهم تدريبات كافية لمجابهة الإرهاب والزج بهم في معارك دامية خطفت أرواح شبان لا يتجاوز معدل أعمارهم 30 عاما.

وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي شارك إلى جانب الجريبي في المؤتمر الصحفي، ذكر أن الأجهزة الأمنية كانت جاهزة للتصدي لأعمال تخريبية قد ينفذها الجهاديون في شهر رمضان داخل المدن الكبرى.

وأكد أن الوحدات المختصة في مجابهة الإرهاب تمكنت الأسبوعيين الماضيين من إحباط 6 عمليات إرهابية، كان متشددون إسلاميون يعتزمون تنفيذها ضد مؤسسات صناعية باستعمال القنابل والمتفجرات إضافة إلى التخطيط لاغتيال سياسيين.

وطالب بن جدو النقابات المهنية والعاطلين عن العمل بالاستجابة “لهدنة اجتماعية” خاصة أن النصف الأول من السنة الجارية شهد قرابة المائتي اعتصام ووقفة احتجاجية مما شتت مجهودات قوات الأمن في الكشف عن المخططات الإرهابية والتصدي لها حسب قوله.

وأوضح أن وزارته تعمل صلب حكومة انتقالية وهو ما يتطلب تأجيل المطالب الاجتماعية لحكومة منتخبة ستعالج الوضعيات الهشة.

حداد وطني

ولم يستبعد وزير الداخلية تعمد الجماعات الارهابية عرقلة المسار الانتقالي في تونس والتشويش على الانتخابات المقرر تنظيمها في تشرين أول/ أكتوبر القادم. وجاء في تصريحه أن عدم ايمانهم بالديمقراطية والعمل على فرض دولة الخلافة الاسلامية، يدفعهم إلى استهداف الجيش والأمن والمنشآت الحيوية لإضعاف الدولة.

وأقر لطفي بن جدو أن عدم الكشف عن نجاح العمليات الأمنية، كان لتفادي ترهيب المواطنين وضمان استمرار ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي في شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر. وهو ما أكده رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي خلال كلمة توجه بها مساء الخميس للشعب التونسي لتعزيته، وإعلان الحداد  لمدة 3 أيام ترحما على شهداء المؤسسة العسكرية.

دعوة نقابة الصحافيين إعلان الحداد كذلك في المؤسسات العمومية، أفرغت القنوات التلفزية من أعمال درامية وهزلية، يواكبها المواطن التونسي في شهر رمضان من كل سنة. فقد أعلنت المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة عن تغيير برمجتها اليومية بإلغاء البرامج الترفيهية وتعويضها بأغاني وطنية ولقاءات حوارية حول تشخيص ظاهرة الإرهاب في تونس والتصدى لها.

وشملت هذه الاستجابة المهرجانات الصيفية التي قررت إداراتها تعليق جميع حفلاتها الفنية رغم التزامات مسبقة مع ضيوف من داخل وخارج تونس.

دعوة الى تفعيل قانون مكافحة الإرهاب

هذه العملية النوعية التي تبنتها “كتيبة عقبة ابن نافع” الموالية لتنظيم القاعدة، حثت قوات الأمن على مضاعفة الانتشار في شوارع المدن والتمركز في المنافذ المؤدية لها بحثا عن أسلحة ومتفجرات، قد يستعملها الارهابيون ضد مصالح الدولة التونسية. وتعهدت رئاسة الحكومة بمعاقبة سلفيين احتفلوا بمقتل العسكريين ونجاح الهجوم الارهابي ضد الجيش التونسي.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصادر أمنية أن مجموعات من المحسوبين على التيار السلفي في عدد من المدن، احتفلت ليلة الاربعاء في الطريق العام والمساجد بالعملية الارهابية المذكورة. وذكر نفس المصدر أن رئيس الحكومة المؤقتة مهدي جمعة أعطى تعليمات بالتصدي لمثل هذه الظواهر ومحاسبة الضالعين فيها.

وينتظر التونسيون مصادقة المجلس الوطني التأسيسي على قانون مكافحة الإرهاب، للحد من إفلات المتشددين الاسلاميين من العقاب. قانون أقره نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 10 كانون أول/ديسمبر 2013، قبل تعليق العمل به فور رحيله بطلب من المنظمات الحقوقية.

وتتمسك النقابات الأمنية بتفعيل هذا القانون لحماية عناصر الشرطة والحرس من العقاب، في حالة استعمال السلاح الحي ضد الارهابيين ومحاسبة الجهاديين العائدين من القتال صلب تنظيمات إرهابية خارج حدود الوطن.

خروج الآلاف من المواطنين في مظاهرات عفوية تنديدا بالعملية الإرهابية، ودعوة الأحزاب السياسية لتحركات مماثلة لمساندة المؤسستين العسكرية والأمنية، دلالة متفجرة تترجم رفض تواجد الإرهاب في تونس والتمسك بدولة مدنية تضمن الحريات العامة والفردية.

وعادة ما يكثف الإرهابيون، في مختلف أنحاء العالم، هجماتهم ضد الجيش والشرطة، خلال شهر رمضان باعتباره شهر الجهاد والتقرب من الله بحسب عقيدتهم.

فقد سجلت تونس قبل سنة حادثة ذبح 8 جنود في جبل الشعانبي (وسط غرب) من قبل جهاديين تكفيريين، رفضوا مرة أخرى تمكين التونسيين من قضاء شهر رمضان دون دم.