في 12 حزيران/ يونيو الجاري احتفل ضابط الشرطة محمد رضا الزيتوني، بمرور 21 سنة على انتدابه للعمل  بوزارة الداخلية.

الزيتوني الذي يتنقل يوميا بين المحافظات لقيادة احتجاجات الأمنيين المطالبة بالحقوق المهنية والاجتماعية حلم عقب اسقاط رأس النظام السابق بتأسيس أول نقابة ينضوي صلبها أعوان مختلف الأسلاك الأمنية. ومنذ أن تحقق حلمه في أيار/ مايو 2011 يشغل موقع كاتب عام مساعد للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي.

في 12 حزيران/ يونيو الجاري احتفل ضابط الشرطة محمد رضا الزيتوني، بمرور 21 سنة على انتدابه للعمل  بوزارة الداخلية.

الزيتوني الذي يتنقل يوميا بين المحافظات لقيادة احتجاجات الأمنيين المطالبة بالحقوق المهنية والاجتماعية حلم عقب اسقاط رأس النظام السابق بتأسيس أول نقابة ينضوي صلبها أعوان مختلف الأسلاك الأمنية. ومنذ أن تحقق حلمه في أيار/ مايو 2011 يشغل موقع كاتب عام مساعد للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي.

في هذا الصدد يقول لـ”مراسلون”: “بعد النجاح في تأسيس 36 فرعا نقابيا بمختلف مناطق البلاد، رشحني زملائي في محافظة قابس (470 كلم جنوب شرق) لتمثيلهم في المركزية النقابية التي يتجاوز عدد منخرطيها حاليا الثلاثين ألف”، من أصل ثمانين ألف عون امني.

استعادة كرامتنا

يؤكد الزيتوني أن مراحل التأسيس كانت محاطة بالصعوبات والمخاطر بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي عاشتها البلاد.

فالشرطة التونسية إبّان حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كانت مجرد أداة لتكريس الاستبداد بحسب وصف الزيتوني، الذي أكد على أن تأسيس النقابات الأمنية جاء لضمان حقوق المنتسبين لهذه المؤسسة وتنظيم عملهم.

المشهد الراسخ في أذهان المواطنين عن عون الأمن المتواطئ مع الاستبداد والشريك فيه، دفع الزيتوني وزملاءه للبحث عن آليات استعادة كرامة الأمن. “حرمنا النظام السابق من حقوقنا. بعد رحيله فرضنا بعث هيكل نقابي يوحد صوت الأمنيين ويجبر سلطة الإشراف على احترام حقوقنا وواجباتنا اتجاه الشعب”.

لم يخلو النشاط النقابي الأمني من انقسامات بين أولئك الحالمين باستقلالية الشرطة. فقد أعلن المئات من منخرطي النقابة بعد أشهر من تأسيسها عن انسلاخهم، وتأسيس هياكل جديدة بتسميات مختلفة.

وعن هذه النقطة يقول الزيتوني إن التعددية النقابية حق مشروع يكفله القانون التونسي. لكنه يرى أن الانشقاقات التي شهدتها الساحة النقابية الأمنية “كانت بإيعاز من كوادر ومسؤولين لإخماد صوتنا. لقد كشفنا فسادهم وطالبنا بمحاسبتهم وإقالتهم من مناصبهم”.

ويتذكر  قائلا “حاولنا عدة مرات توحيد النقابات خوفا من تشتت العمل النقابي وانهيار الحلم، لكن مؤسسي النقابة تعرضوا لنقل تعسفية وعقوبات إدارية بعد التجرؤ عن إعلان محاربة الفساد في وزارة الداخلية”.

اللجوء إلى سويسرا

تصريحات الزيتوني المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، انتهت بإدانته هذه السنة في قضية ثلب والحكم ضده بثلاثة أشهر سجن استأنفها محاميه لدى المحكمة العسكرية بصفاقس. فقد وجه أكثر من مرة اتهامات لرئيس الأركان السابق الجنرال رشيد عمار بالتورط في قتل شهداء الثورة التونسية للانقضاض على السلطة بعد مغادرة الرئيس السابق بن علي ومواصلة تنفيذ المؤامرات والتشكيك في جدية تصديه للارهاب في جبل الشعانبي.

ويروي الزيتوني أن حادثة اغتيال شكري بلعيد (6 شباط/فبراير 2013) دفعت مسؤوليه  الى تغيير رأيهم بخصوص طرده من العمل.

فقبل اغتيال الزعيم اليساري بـ 12 يوما طالب الزيتوني بإقالة عدد من المسؤولين الأمنيين على رأسهم محرز الزواري، وإحالتهم إلى المحاكمة العسكرية بسبب التقصير الأمني وعدم الجدية في التصدي للإرهاب. “لكن استشهاد بلعيد أثبت صحة كلامي وأجبر الوزارة على التراجع عن عرضي على مجلس الشرف تمهيدا لعزلي من وظيفتي”.

ويؤكد الزيتوني أن ما شهدته تونس مطلع سنة 2011 كانت انتفاضة شعبية استغلها الجنرال لتنفيذ انقلاب فاشل تصدت له بعض التشكيلات الأمنية في الوزارة والقصر الرئاسي.

الحكم على الزيتوني بالسجن وتلقيه تهديدات بالتصفية الجسدية دفعته إلى طلب اللجوء السياسي في سويسرا، عن طريق سفارتها بتونس التي تفاعلت مع ملفه وعرضت إقامته داخل مقر السفارة إلى حين تسوية الوثائق اللازمة. لكن تدخل السلطات التونسية وبعض القوانين الخاصة بأعوان الأمن حال دون بلوغ الهدف.

ويبرر “الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية ضد الأمنيين ترتبط غالبا بقضايا أمن دولة. وتعرقل عمليات طلب اللجوء للبلدان الأوروبية خاصة حين تتعلق بالمؤسسة العسكرية. فقد عملت حكومة الترويكا ما بوسعها للضغط على السلطات السويسرية. لكن هذه الخطوة ساهمت في تأمين حياتي والتفكير جيدا قبل استهدافي، حفاظا على تلميع صورة الحكومة في الخارج وخوفا من إثبات التهم ضد المتربصين بحياتي”.

لا علاقة لنا بالاحزاب

التمسك بالمشاركة في السياسة المنهجية لوزارة الداخلية، جعلت من النقابة الوطنية لقوات الأمن هدفا لعدة أطراف وجهات تتهمها بتسييس العمل النقابي، وخدمة أجندات أحزاب سياسية. وينفي الزيتوني هذه التهم قائلا “السائد في العمل النقابي الدفاع عن المنضوين وضمان حقوقهم. لكن اكتشاف ملفات الفساد واختراق الوزارة من أطراف سياسية لا يجعلنا مكتوفي الأيدي”.

وأوضح في هذا الصدد أن عددا من المسؤولين الذين أشرفوا على الوزارة عمدوا إلى تعيين مسؤوليين موالين لهم، مما شكل أمنا موازيا صلب الأجهزة يعمل لفائدتهم. بالإضافة إلى تشغيل المتمتعين بالعفو العام والانتدابات العشوائية التي أسفرت عن التورط في تشغيل عناصر متطرفة  في الجهاز الأمني.

هذه العوامل تفرض على النقابيين، من منطلق الواجب الوطني، حماية وزارة الداخلية من التجذبات السياسية وتحييدها. ويعتبر الزيتوني أن “رفعنا قضايا ضد حزبي نداء تونس وحركة النهضة يثبت عدم تورطنا مع الحزبين”.

ويقول إن النقابة ستظل محايدة وتواصل وقوفها من نفس المسافة لجميع الأحزاب في البلاد، مبينا أن “تهمة التسييس قديمة متجددة فبركها وزير الداخلية السابق علي العريض لتشويهنا وحلّ النقابة بعد اكتشاف أدلة تدينه في حماية المليشيات والمتطرفين”.

حذرناهم باكراً من خطر الإرهاب

تحذيرات النقابة من مخاطر تغول التيار السلفي الجهادي في تونس، أصبحت دلالة متفجرة في جبل الشعانبي الذي يتحصن فيه الإرهابيون. فقد أكد الزيتوني وزملاؤه قبل سنتين وجود معسكرات تدريب الجهاديين في بعض مناطق البلاد. ويفسر “رفعنا تقارير تشير إلى أن السماح بالعمل الدعوي المتطرف سيتطور إلى رفع السلاح في وجه الأمنيين والعسكريين والشعب”.

ويعتقد أن تراخي السلطة السياسية في معالجة هذا الملف أدخل البلاد في متاهات تنظيمات إرهابية تتمركز في الشمال الغربي، دون المساس بالجنوب الشرقي باعتباره الأرض الخصبة لإدخال السلاح والجهاديين من ليبيا. “النظر بجدية في مطالبنا المتعلقة بالإرهاب، كان سيجنب البلاد عمليات اغتيال سياسية وسقوط شهداء في صفوف الأمن والجيش”.

ويرى محمد رضا الزيتوني أن التصدي للإرهاب في تونس، يتطلب تضافر الجهود بين المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية لحماية الأخيرة من الاختراق. ويقول “الأمل مازال قائما لإنقاذ تونس من خطر الإرهاب. لكن المعالجة السياسية وتفعيل قانون مكافحة الإرهاب وحماية الأمنيين، ضرورة ملحة لنجاح الحلّ الأمني”. ويعتبر أن حكومة مهدي جمعة تتحمل مسؤولية تاريخية في إصلاح أخطاء الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ 14 كانون ثاني/يناير 2011″.

نادرا ما يتخلف محمد رضا الزيتوني عن التحركات الاحتجاجية والندوات المخصصة لإصلاح المنظومة الأمنية. نشاطه النقابي منذ 4 سنوات لا يثنيه عن مواصلة العمل على تحقيق أهداف النقابة، خاصة بعد الظفر بتفرغ مهني. ويبقى أمله الكبير وحرصه على “تقديم مزيد التضحيات لإنقاذ تونس” على حد قوله، حاجزا يحول دون التفكير في اعتزاله العمل النقابي.