قلّما تسجل الأنشطة المدافعة عن الحقوق البيئية في محافظة قابس غياب الشاب نادر شكيوة. فشهادته الحيّة عن الأمراض المتأتية من التلوث تلخص معاناة أهالي المحافظة (470 كلم جنوب شرق تونس) الذين يطالبون منذ منتصف الثمانينيات بحق العيش في بيئة سليمة.

نادر، 32 عاماُ، يتنقل منذ طفولته على كرسي متحرك داخل وخارج المنزل. نشأته قرب المجمع الكيميائي، أحد أكبر المصانع الحكومية المنتجة للأسمدة والفوسفات، كانت سبباً في تسلل الأمراض لجسده فاقد المناعة. وتظهر الأورام على نصف جسمه السفلي إثر إصابته بمرض هشاشة العظام الذي يمنع الخلايا من مقاومة حرارة وبرودة الطقس.

قلّما تسجل الأنشطة المدافعة عن الحقوق البيئية في محافظة قابس غياب الشاب نادر شكيوة. فشهادته الحيّة عن الأمراض المتأتية من التلوث تلخص معاناة أهالي المحافظة (470 كلم جنوب شرق تونس) الذين يطالبون منذ منتصف الثمانينيات بحق العيش في بيئة سليمة.

نادر، 32 عاماُ، يتنقل منذ طفولته على كرسي متحرك داخل وخارج المنزل. نشأته قرب المجمع الكيميائي، أحد أكبر المصانع الحكومية المنتجة للأسمدة والفوسفات، كانت سبباً في تسلل الأمراض لجسده فاقد المناعة. وتظهر الأورام على نصف جسمه السفلي إثر إصابته بمرض هشاشة العظام الذي يمنع الخلايا من مقاومة حرارة وبرودة الطقس.

نظم نادر ورفاقه منذ ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011 عشرات الأنشطة المنددة بتفاقم نسبة التلوث في قابس، والمطالبة بافتتاح مستشفى يعالج الأمراض الناتجة عنه.

“حافظنا على الطابع السلمي لجميع تحركاتنا الاحتجاجية، وقدمنا للحكومة دراسات تضمنت حلولا لإنهاء معاناة الأهالي”، يقول نادر، متابعا أن تطوير الخدمات الصحية في الجهة واستضافة كلية للطب تضم مستشفى جامعياً، كان من أبرز مطالبهم، نظرا لاستحالة نقل مصانع المجمع الكيميائي إلى مكان آخر في المدى القريب.

الأهالي يتظاهرون

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2013، صدر قرار وزاري بإحداث ثلاث كليات طب في مناطق داخلية مهمشة منها محافظة مدنين (على الحدود التونسية الليبية). لكن القرار لم يشمل محافظة قابس المجاورة لمدنين، والتي لا تبعد عنها سوى 75 كيلومتراً.

حرمان قابس دفع نادر لخوض معركة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئة الأهالي وحثهم على رفض قرار يهدف -بحسب بلاغات حكومة علي العريض آنذاك- إلى تذليل الفوارق بين الجهات والنهوض بجودة الخدمات الصحيّة في كامل البلاد.

لحظة الإعلان عن المشاريع التي ستنفذ في 2014، كانت بمثابة الصدمة لأهالي محافظة قابس بعد استثناء مدينتهم، ومنح ذات المشروع لجيرانهم في محافظة مدنين (525 كلم جنوب شرق تونس). ويتذكر نادر الشكيوة يوم تظاهر أهالي الجهة في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ضد القرار المذكور، فقد كان في الصفوف الأمامية لمسيرة سلمية شارك فيها أكثر من 30 ألفاً. 

ووجه المتظاهرون اتهامات إلى رئيس الحكومة السابق علي العريض، باختيار مسقط رأسه (مدنين) لإحداث الكلية، وطالبوا بالتمتع بنفس الامتياز، وتشييد كلية وإلى جوارها مستشفى جامعي يعالج الأمراض السرطانية حسب ما ينص عليه نظام التعليم العالي في تونس، وهو مطلب يعود إلى عام 1986.

نادر شكيوة الذي كان قد أسس فور مغادرة الرئيس السابق زين الدين بن علي البلاد، جمعية “صيانة واحة شاطئ السلام” التي تعمل على اعداد دراسات وإحصائيات لمعالجة المشاكل البيئة في قابس يؤكد لمرسلون أن “انجازات جمعيتنا كفيلة بإقناع الحكومة الحالية الاستجابة لمطلبنا. فقد قام فريق العمل بتوثيق الانتهاكات البيئية والصحية، وأثبتت الدراسات حاجة الجهة لمستشفى جامعي يوفر خدمات مجانية لفائدة الأهالي”.

حجر أساس رمزي

تحركات نادر ورفاقه لم تتوقف عن حدود تلك المظاهرة، فقد قام ناشطون يقودهم الأستاذ الجامعي عبدالله الزرلي بوضع حجر أساس رمزيّ للمشروع الذي يحلمون به. 

عبد الله الزرلي الذي يعمل منذ أكثر من ربع قرن لإحداث كلية طب في مدينته قابس بأقصى الجنوب التونسي يعتبر هو الآخر أن بلوغ هذا الهدف سيساهم في الحد من مخاطر التلوث البيئي وينقذ أرواح الآلاف في مدينته. ويقول الزرلي لـ “مراسلون”: “توجهنا إلى منطقة قابس الجنوبية ووضعنا حجر أساس المشروع على قطعة أرض كانت خصصتها البلدية قبل 7 سنوات لبناء كلية طب، وهي حركة رمزية قد تتطور إلى التمرد على قرارات الحكومة”.

ويتابع الزرلي الذي يشغل أيضاً منصب رئيس لجنة كلية الطب في المحافظة: “لا يمكن للطلبة دراسة الطب دون إحداث مستشفى جامعي للقيام بتمارينهم التطبيقية”. ويرى أن “على الدولة توفير تجهيزات متطورة وخبراء في مختلف الاختصاصات الطبية”.

شتائم بين أهالي المحافظتين

في المقابل يستغرب رئيس لجنة إحداث كلية الطب في محافظة مدنين المجاورة، الدكتور نوفل الحداد، تمسك أهالي قابس بالمشروع، واصفا احتجاجاتهم بـ”التمرد على قرار حكومي”.

ويعترف أن جهة قابس تعاني من التلوث البيئي ومن حق أبنائها المطالبة بتطوير الخدمات الصحية، لكنه يقول إن الحدّ من التفاوت بين الجهات يتطلب التوزيع العادل للتنمية في مختلف المجالات.  

ويندد الحداد بتعمد البعض من أهالي مدنين توجيه شتائم لجيرانهم في قابس عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ويعتقد أن الحوار بعقلانية حول الموضوع سينهي الخلاف بين أهالي المحافظتين، فقد كان هدف النشطاء في المدنيتين النهوض بالتنمية في إقليم الجنوب الشرقي على حد قوله.

الكلية بتمويل ذاتي

“تفاديا لمزيد من الانتظار، يفكر الناشطون اليوم في تأمين تمويل ذاتي لبناء الكلية المستشفى”، يقول الناشط البيئي نادر شكيوة.

وفي هذا الصدد يفيد عبد الله الزرلي أن لجنة كلية الطب تحولت إلى جمعية قانونية تحت تسمية “جمعية كلية الطب بقابس”، موضحا:”لم نعد نثق بوعود الحكومة خاصة بعد تخاذل نواب الجهة في المجلس التأسيسي، لقد قررنا التعويل على أنفسنا وإحداث الكلية بتمويل ذاتي سنسهر على جمعه من أبناء الجهة ورجال أعمالها”.

وتعمل الجمعية في الوقت الحالي على جمع التبرّعات الماليّة والعينيّة الموجّهة لبناء وتهيئة وتجهيز فضاءات التدريس. وبحسب لجنة المحاسبين يتطلب إحداث الكلية والمستشفى الجامعي توفير أكثر من 80 مليون دينار تونسي (حوالي خمسين مليون دولار أمريكي).

ويعتقد الأهالي أن اختيار الوجه الحقوقي والأكاديمي البارز عبد الله الزرلّي رئيسا للجمعية سيضمن حظوظا أوفر لتحقيق الهدف، من خلال التعاون مع جميع مكوّنات المجتمع المدني الوطني والدولي، والقيام بجميع الدراسات اللازمة.

اقتسام المشروع

وكان أهالي محافظة مدنين (525 كلم جنوب شرق تونس) قد هددوا بتنفيذ إضراب عام يشمل جميع القطاعات للمطالبة بتفعيل قرار إحداث كلية طب بالجهة، خوفا من شائعات انتشرت تقول إن الحكومة تعتزم تقسيم المشروع إلى جزئين، واحد في محافظتهم والآخر في قابس.

بيد أن محافظ مدنين حمادي ميارة نفى في تصريح لـ “مراسلون” ما يروج من أخبار حول تقسيم المشروع، وقال إن “القرار الحكومي لم يطرأ عليه أي تغيير”.

وتحتل محافظة قابس المرتبة الأولى لقائمة المدن الملوثة في تونس. ويعتبر تطوير الخدمات الصحية من أبرز الحلول لمجابهة الغازات السامة المنبثقة عن مصانع المجمع الكيمائي.