الرباعي الراعي للحوار الوطني، وعلى رأسه الاتحاد العام التونسي للشغل كان له دور أساسي في التوافق الوطني الذي أفضى إلى حكومة مستقلة وإنهاء الدستور، ما دفع العديد من الأحزاب والشخصيات الوطنية إلى أن تعرض على العباسي الترشّح لرئاسة الحكومة، لكنه رفض ذلك.

في لقاء خاصّ مع موقع “مراسلون” تحدّث حسين العباسي عن بعض خفايا الحوار الوطني، وعن موقف المنظمة النقابية من رئيس الحكومة الجديد ومن وزير الداخلية لطفي بن جدّو.  

الرباعي الراعي للحوار الوطني، وعلى رأسه الاتحاد العام التونسي للشغل كان له دور أساسي في التوافق الوطني الذي أفضى إلى حكومة مستقلة وإنهاء الدستور، ما دفع العديد من الأحزاب والشخصيات الوطنية إلى أن تعرض على العباسي الترشّح لرئاسة الحكومة، لكنه رفض ذلك.

في لقاء خاصّ مع موقع “مراسلون” تحدّث حسين العباسي عن بعض خفايا الحوار الوطني، وعن موقف المنظمة النقابية من رئيس الحكومة الجديد ومن وزير الداخلية لطفي بن جدّو.  

لماذا اختار للاتحاد العام التونسي للشغل المجازفة وأخذ على عاتقه مهمّة عسيرة في إدارة  الحوار الوطني، وكان يمكن أن يفشل ويفقد مصداقيته أمام الرأي العام؟

لم نكن وحدنا الفاعلين في الحوار، صحيح أن الاتحاد هو من أطلق مبادرة الحوار الوطني مباشرة بعد اغتيال الشهيد محمّد البراهمي، لكن بعد هذه المبادرة لم ننفرد بمعالجة هذا الأمر.

لقد بحثنا على شركاء آخرين وأعتقد أنه لم يكن هناك أفضل من اتحاد الصناعة والتجارة الطرف الاجتماعي الذي له ثقل ووزن في البلاد، والهيئة الوطنية للمحامين، هذه الهيئة التي طالما كانت سندا للاتحاد في كل المحن التي مرّ بها وكانت منحازة دائماً للشعب ولضعاف الحال وشاركت بفاعلية في أحداث الثورة. وكذلك شاركتنا في إدارة هذا الحوار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والتي عرفت بنضالاتها واستقلاليتها منذ تأسيسها الى الآن.

هذه المبادرة أطلقناها إذن مع باقي المنظمات الوطنية وأمضينا ساعات طويلة في الحوار مع كل الأحزاب التي تميّزت بسقف عال من المطالب المتناقضة.

وبعد حوالي شهرين من الحوار توصّلنا إلى إقناع الأطراف بالجلوس بجدية على طاولة المفاوضات والتزام كل طرف بالتنازل عن سقف مطالبه لنختزل في النهاية كل هذا المسار في خارطة طريق لحل الأزمة السياسية القائمة في البلاد.

لقد تفطّن الاتحاد الى خطر العنف، حتى قبل اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير 2013، وما قد يلحقه بالبلاد ونسف لمكاسب الثورة. لذلك أقنعنا الأحزاب بضرورة التوافق والتصدي معا للخطر الارهابي الذي بات يحدّق بالبلاد.

حركة النهضة رفضت المشاركة في المبادرة الأولى للحوار، ولكنها رضخت في النهاية. هل تعتقدون أنه لو قبلت منذ البداية لكانت نتيجة الحوار الوطني أحسن؟

بعد انتخابات 23 تشرين أول/أكتوبر برز نوع من نشوة الفوز لدى بعض الأحزاب التي انتصرت في الانتخابات وأصبحت تعتقد انها ستنفرد لوحدها بالدولة، وهو ما خلق مشكلات عديدة أخذت في التراكم.

المبادرة الأولى للحوار دعونا فيها الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة، بغية إيجاد حلول لهذه القضايا. لقد كانت لدينا نظرة استشرافية وقائية لما سيحدث والذي حدث لاحقا.

لقد دعونا الى شوط أوّل من الحوار حيث هناك أحزاب حضرت وأخرى رفضت كحركة النهضة التي امتنعت في البداية عن المشاركة في الحوار وكذلك شريكها في الترويكا حزب المؤتمر الذي رفض المشاركة أصلا.

ورغم ذلك أصدرنا بيانا وقلنا أن الباب يبقى مفتوحا لكل الأحزاب لتلتحق بخيمة الحوار الوطني. وامضينا أشهرا لنتوصّل اخيرا الى اقناع حزب حركة النهضة بالمشاركة في الشوط الثاني.

لقد توقعنا حجم المخاطر المتربّصة بالبلاد حتى قبل عملية الاغتيال الأولى ولكن في الأثناء وبين شوطي الحوار وقعت عملية الاغتيال الثانية للشهيد البراهمي، وتيقّنا أن الارهاب بدأ يتغلغل ولذلك عجّلنا بشوط ثان من الحوار خاصّة بعد انفجار الوضع في جبل الشعانبي.

هل أنتم راضون على نتائج الحوار؟

اعترضتنا صعوبات وعراقيل، لكن التحدّي الكبير كان أن لا يفشل الحوار ويحقق النتائج المرجوة منه. وبصفة عامة لا يمكن أن تحصد النجاح الكامل بل يبقى النجاح نسبيا ومرتهنا بمسار ما زال متواصلا.

لقد كان المطلوب تجنيب البلاد منزلقات أخرى ومخاطر تنعكس سلبا على الاقتصاد الذي تدنّت مؤشراته وكانت له تداعيات اجتماعية وخيمة كما تأثّر الأمن العام سلبيا جراء ذلك. ويبقى الرهان الاكبر لكل الأطراف هو انجاح ما تبقى من المرحلة الانتقالية والوصول الى الانتخابات.

هل تعتبرون دستور الجمهورية الثانية الذي ختم منذ أيام دستورا ثوريا يستجيب للتضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب التونسي؟

الدستور حرّره نواب المجلس التأسيسي الذين انتخبهم الشعب وصادق عليه 200 نائباًُ في المجلس، وبالتالي هذا الدستور لا يمكن أن يكون الاّ انعكاسا لرغبة الشعب التي عبّر عنها في انتخابات ديمقراطية ونزيهة.

دستور تونس، وككل دساتير العالم قد لا يلبّي رغبات البعض، لكن الأهم أنه دستور وقعت صياغته بشكل توافقي و يمكن لكل تونسي أن يجد فيه نفسه وبنسبة معينة، والأصوات التي رفضته داخل المجلس التأسيسي عددها قليلا جدّا. لذلك نعتبر أن هذا الدستور قد لبّى انتظارات التونسيين منه.

كيف سيتعامل الاتحاد العام التونسي للشغل مع حكومة مهدي جمعة التي تحظى بتوافق سياسي مبتور، وهل سيمنحها هدنة اجتماعية كما طلب رئيس الحكومة؟

خارطة الطريق التي تشكّلت وفقها هذه الحكومة تفرض أن تكون مستقلة ومتكوّنة من كفاءات وطنية لها القدرة على حسن إدارة المرحلة القادمة. والأهم من كل ذلك أن تكون هذه الحكومة بعيدة عن كل التجاذبات السياسية وتتخذ نفس المسافة من كل الأحزاب. لكن تبقى المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق رئيس الحكومة الذي اختار بنفسه فريقه الوزاري وعليه أن يتحمّل مسؤولية خياره. وإذا كانت هناك تحفّظات او ملاحظات سلبية على الاداء الوزاري فسنعلن ذلك في اطار متابعتنا الدقيقة لمجريات الأمور وحماية منّا للأهداف التي أتت من اجلها هذه الحكومة.

وماذا عن الهدنة الاجتماعية؟

بالنسبة للهدنة الاجتماعية، لا يمكن أن تكون في المطلق. وأنا أستغرب أن ينادي السياسيون بذلك على كل المنابر. طبعا من الطبيعي ان ترغب كل الدول والشعوب في هدنة اجتماعية فلا احد يرغب في التوتر الاجتماعي، ولكن للهدنة الاجتماعية شروط من أبرزها أن لا تكون باقتراح من الاحزاب. كما أن للهدنة أسس وضوابط وأهداف. ورغم انّي ادرك جيّدا الوضع الاقتصادي الذي يحتاج لاجراءات عاجلة لإنقاذه لكن ايضا لا بدّ ان نبحث عن اجراءات عاجلة لانقاذ الوضع الاجتماعي.

ولذلك نحن اليوم لا نستطيع ان نتحدّث عن هدنة اجتماعية. بمعنى أنه ليس هناك اضرابات عمالية ولا مطالب اجتماعية. ومن غير الممكن في اطار الوضع العام المتسم بغلاء المعيشة أن تتوقّف المطالب النقابية. لكن الحل يكمن في أن تجلس كل الاطراف على طاولة التفاوض وأن نطرح استحقاقات الطبقة الشغيلة في سقف معقول.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل من يحكم مستعدّ لهدنة اجتماعية في ظل انخفاض الأجر الأدنى الصناعي وانخفاض قيمة الدينار وغلاء المعيشة. أيضا هناك نية  لرفع الدعم التدريجي  ليصبح الأجر الأدنى غير قادر على تحقيق متطلّبات الحياة الدنيا، ونحن كنقابة لا يمكننا مطالبة الفئات الضعيفة والهشة بالصبر والانتظار.

يعني أنتم ترفضون الدخول في هدنة اجتماعية مع الحكومة؟

الواقع المعيشي في حدّ ذاته يرفض الهدنة الاجتماعية الاّ اذا قمنا بمراجعة هذه الاجور ومراجعة قانون الميزانية المجحف في حق الفئات الضعيفة والطبقة المتوسطة. ومن غير المعقول أن نطالب في كل مرة العمال، وهم الأضعف حظّا في هذه البلاد، بالتضحية وتكبّد عجز الدولة وهم يعيشون بالكفاف الأدنى في حين نحفّز الميسورين للاستثراء أكثر.

إذن أين تكمن الحلول في تقديركم؟

الحل هو في أن تجلس الأطراف الاجتماعية ممثلة في اتحاد الشغل واتحاد الاعراف والحكومة التي هي طرف مفاوض رئيسي وكذلك باعتبارها مشغّل في القطاع العمومي على طاولة الحوار. وعلى الجميع ايجاد الصيغ والاجراءات الملائمة اقتصاديا وكذلك اجتماعيا وخاصّة حماية المقدرة الشرائية. وعندما تتضافر كل الجهود يمكن أن نتطرّق إلى مسالة التضحيات التي ينبغي أن تكون من كل الاطراف، لأن الثورة قامت على مطلب أساسي هو العدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي.

إعادة تعيين وزير الداخلية لطفي بن جدو في منصبه أثارت جدلا واسعا في الاوساط السياسية. هل تؤيدون هذا القرار؟

كثر الحديث مؤخرا على تركيبة هذه الحكومة. ورأى الرأي العام أن هذه التركيبة لم تستجب لخارطة الطريقة ولطلب الرباعي. وأنا أريد أن أؤكّد أن خارطة الطريقة كانت واضحة وفرضت أن تكون الحكومة مستقلة ومن ذوي الكفاءات. وهناك أحزاب لم ترفض لطفي بن جدّو لكونه متحزّبا ولكن من ناحية الكفاءة، حيث أنه عندما أشرف في المدة السابقة على وزارة الداخلية كانت هناك تجاوزات وحدثت عملية اغتيال سياسي استهدفت الشهيد البراهمي، ومسؤولية الوزير حينها كانت تكمن في كون وزارة الداخلية تلقت تحذيرا من جهاز استخبارات أجنبي حول عملية الاغتيال هذه لكنها لم تحرّك ساكنا.

وحتى عندما صرّح الوزير أنه لا علم له بالأمر فإن الأطراف التي تحتج على وجوده اليوم ترى أن عدم علمه هو دليل على عدم كفاءته وعدم إلمامه بما يحصل في وزارته. والأدهى من ذلك أنه بعد تسرّب هذه المعلومة إلى الإعلام لم يوضّح موقفه ولم يعاقب من قصّر بمسؤوليته داخل الجهاز الأمني.

نحن كرباعي طلبنا من السيّد مهدي جمعة ان ينطلق من ورقة بيضاء في تشكيل حكومته الجديدة، وأن يتخلّى عن كل الوزراء السابقين، ولكن هو رأى خلاف ذلك أنه يصعب في هذا الظرف تغيير وزير في حجم وزير الداخلية. ولكن في النهاية هو سيتحملّ مسؤولية اختياره ونحن سنقوم بالدور الرقابي المفترض ولن نمنح حكومة جمعة صكّا على بياض وسنراقب عمل الوزراء الذين هم محل تحفّظات، واذا لم يقع الالتزام بخارطة الطريق فإننا سنطالب بتغيير الوزير.

لقد صرّح رئيس الحكومة المكلّف أنه ملتزم بخارطة الطريقة . التي من أبرز شروطها توفير مناخ اجتماعي يستطيع ان يقودنا الى انتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية، كما وعد بالعمل على استتباب الأمن وحلّ رابطات حماية الثورة التي تمارس العنف وكذلك مراجعة التعينات والتسميات وخاصّة التي لها علاقة بالعملية الانتخابية خاصّة (الولاة والمعتمدون).

لطالما أصريتم على حل رابطات حماية الثورة، فأين وصل هذا الملف؟

أولاً لسنا وحدنا من يصرّ على حل هذه الرابطات فعدد من الأحزاب ونشطاء المجتمع المدني يشاركونا الموقف نفسه. لقد كنّا جميعا هدفا لعنف هذه الرابطات، ولحلها يتوجّب على الحكومة ان ترصد الانتهاكات التي قامت بها، ويعدّ الكاتب العام للحكومة تقريرا في الغرض  يقدّمه لوزارة العدل.

إن مؤسسات الدولة هي الموكلة بحماية الثورة، ولأن رئيس الحكومة عبّر عن التزامه بخريطة الطريق، فيتوجّب عليه القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لحل هذه الرابطات المليشوية والتي تعتبر بمثابة جناح عسكري لأطراف معينة مهمتها تخريب الثورة وليس حمايتها.

مرت الذكرى الأولى لاستشهاد شكري بلعيد دون أن تظهر الحقيقة كاملة. كيف تتظرون الى الغموض الذي ما زال يكتنف ملف الاغتيالات؟

فعلا ما زال الغموض يكتنف ملابسات اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، ومن ضمن المؤاخذات على وزير الداخلية لطفي بن جدو هي عدم قدرته الى حدّ الآن على كشف الحقيقة كاملة.

نحن مصرون على المطالبة بكشف حقيقة من نفّذ ومن خطّط ومن دبّر ومن يحمي الجناة خاصّة. ولذلك فان حكومة المهدي جمعة مطالبة بكشف الحقيقة كاملة ودون تسويف وبكشف كل تفاصيل ملف الارهاب حتى يطمئن الرأي العام .

الارهاب لا دين له وهو يحاول جرّ البلاد للفوضى كلما وجد الفرصة لذلك، وكلما غاب منطق الحوار عن المجتمع.