المتابع لمعركة الاستفتاء على الدستور التي جرت الأسبوع الماضي لن يجد اى صعوبة في اكتشاف أن الحملة المصاحبة له والتي تمت بتنظيم حكومي كانت تسعى لأن يكون عدد المصوتين يزيد على عدد الذين صوتوا على دستور 2012 وان تكون نسبة الموافقة أعلى من تلك التي حصل عليها الدستور السابق الذي يطلق عليه إعلاميا مسمى “دستور الإخوان”.

المتابع لمعركة الاستفتاء على الدستور التي جرت الأسبوع الماضي لن يجد اى صعوبة في اكتشاف أن الحملة المصاحبة له والتي تمت بتنظيم حكومي كانت تسعى لأن يكون عدد المصوتين يزيد على عدد الذين صوتوا على دستور 2012 وان تكون نسبة الموافقة أعلى من تلك التي حصل عليها الدستور السابق الذي يطلق عليه إعلاميا مسمى “دستور الإخوان”.

وأيضا ليست هناك صعوبة في معرفة أن هذا المطلب الحكومي كان يهدف إلى نزع الورقتين اللتين تقوم عليهما الدعاية الاخوانية في الداخل والخارج، وهي أن الرئيس المعزول كان يستند إلى شرعية دستور 2012، وأن الإخوان جاءوا عبر الصناديق التي أكدت شعبيتهم في أكثر من استحقاق انتخابي، وكانت واحدة من أكبر نقاط الضعف في السلطة الانتقالية الحالية هي أنها معينة وليست منتخبة، وهو أمر طرحه أكثر من مسؤول أجنبي في حديثه مع مسؤوليها. والاستفتاء والنتائج التي انتهى إليها تسحب هاتين الورقتين من الإخوان الأمر الذي يزيد من الضغط على قيادات الجماعة وعناصرها.

هذا الأمر يفسر عصبية الجماعة -خاصة شبابها- في الأيام التي سبقت الاستفتاء على الدستور وتلك التي أعقبته، خاصة وأن الاستفتاء تم تنظيمه والدعاية له باعتباره استفتاءً على خريطة الطريق وتقييم لشعبية الفريق عبد الفتاح السيسي. والموافقة عليه بهذه النسبة الكبيرة التي تفوق الـ 98% تعني أن أغلبية الشعب تبايع عزل محمد مرسي وأن الأمر لم يعد فقط التأكيد على أن 30 مليونا نزلوا إلى الشارع من أجل إقالته أو إجباره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو أمر يشكك فيه الإخوان دائما وإنما تم الرد على الإخوان باللغة التي طالما تحدثوا بها وهى اختزال العملية الديمقراطية في صناديق الاقتراع.

فما حدث في هذا الاستفتاء هو أن نظام 3 يوليو أصبحت له شرعية تنسخ شرعية حكم الإخوان، وصناديق الاستفتاء نفسها أصبحت تقف في مقابل الصناديق التي صوت فيها المصريون في أكثر من استحقاق منذ 19 آذار/مارس 2011 وحتى انتخاب محمد مرسى رئيسا للجمهورية.

ولهذا الأمر دلالاته المتعددة منها أن العامود الاساسي الذي تقف عليه دعاية الإخوان هدم تماما، كذلك فان الدعاية التي استخدمت من قبلهم لتجييش شبابهم وأعضاء جماعاتهم والتي تختزل في جملة واحدة هي :”مرسى راجع” أصبحت بلا مضمون وليس لها أيه قيمه على الأرض. وهو ما يعنى أن الروح المعنوية لعناصر سوف تنهار ويمكن أن تفتح الباب أمام انشقاقات كبرى في الجماعة، خاصة وأن النظام يضيق خناقهم باعتبارهم “جماعة إرهابية” ناهيك بالطبع عن عمليات القبض عليهم وتحويلهم لمحاكمات في معظمها جنائية.

ومن الدلالات المهمة لنتائج هذا الاستفتاء هو أن عناصر السلفيين لم تنزل إلى التصويت على الرغم من أن قياداتهم كانت نشيطة في تنظيم مؤتمرات جماهيرية لدفعهم للتصويت بنعم، وهذا يعني أمرين الأول أن القيادات لم تعد ذات سيطرة على القواعد ولهذا الأمر مغزاه الكبير فيما يتعلق بسلوكيات التيار السلفي، أما الأمر الثاني فهو  أن التيار الاسلامي غير راض عن مخرجات هذا الدستور مقارنة بسابقه الذي كان يفتح الباب أمام تكوين سلطة دينية.

وهو ما يعنى أيضا أن دعاية الإخوان داخل التيار الديني قد حققت نتائج ملحوظة وأدت إلى دفع السلفيين إلى عدم التصويت، ولكن مجمل النتائج مقارنة بنتائج كافة الاستحقاقات السابقة من استفتاءات أو انتخابات تؤكد أن التيار الديني بكافة فصائله قد انخفضت شعبيته بصورة واضحة وان تجربة الإخوان في الحكم ثم سلوكهم العنيف بعد إخراجهم من السلطة كانت السبب المباشر في هذا الأمر.

هذا الاستفتاء سيكون بداية النهاية لجماعة الإخوان لأنه بداية تطبيق خريطة الطريق، وستعقبه انتخابات رئاسية وأخرى برلمانية ستؤدى إلى سحب المزيد من الشرعية الرمزية التي يستند إليها الإخوان في خطواتهم المضادة للسلطة الانتقالية، فضلا عن أنه سوف ينزع الطابع الأخلاقي الذي كانت تستند إليه القوى الخارجية في دعمها للإخوان، لأنها كانت تبرر هذا الدعم أمام الشعوب بأنهم جاءوا نتيجة انتخابات ديمقراطية.

لذلك ليس غريبا أن يسعى الإخوان إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية كما جرت في استفتاء الأسبوع الماضي لأنهم يدركون أن نزاهتها تفتح الباب أمام تخلى الغرب عن دعمهم.