هي بالفعل مفارقة أن تصدر المحكمة قرارا بإخلاء سبيل الرئيس المخلوع حسني مبارك في آخر قضية كان محبوسا فيها احتياطيا، في الوقت الذي تستقبل فيه السجون المصرية قيادات جماعة الإخوان المسلمين ويحتجز فيه الرئيس المعزول محمد مرسي على ذمة قضايا مختلفة.

هي بالفعل مفارقة أن تصدر المحكمة قرارا بإخلاء سبيل الرئيس المخلوع حسني مبارك في آخر قضية كان محبوسا فيها احتياطيا، في الوقت الذي تستقبل فيه السجون المصرية قيادات جماعة الإخوان المسلمين ويحتجز فيه الرئيس المعزول محمد مرسي على ذمة قضايا مختلفة.

والمفارقة الأخرى المتعلقة بنفس الحدث هو أن جماعة الإخوان وجدت في قرار المحكمة فرصة لكي تؤكد أن ما حدث في 30 حزيران/ يونيو وما بعدها هو ثورة مضادة على ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، فيرد خصومهم بأن الإخوان هم السبب في الإفراج عن مبارك لأنهم رفضوا إصدار قانون للعدالة الانتقالية يحاكم بموجبه المنتمون لنظام مبارك بدلا من محاكمتهم على تجاوزات تافهة مثل هدايا الأهرام أو استغلال النفوذ لتربح مبالغ زهيدة في الوقت الذي يوجد في حقهم جرائم سياسية أخرى يمكن أن تزج بهم في السجون ما تبقى من أعمارهم، فضلا عن فساد اختلط فيه الاقتصاد بالسياسية تربحوا منه مليارات، لكنهم كأي فاسد متمرس استطاعوا “تستيف” أوراقهم ولم يتركوا دليلا يمكنهم إدانتهم من خلاله.

وقال الخصوم إن مرسى وجماعته فضلا عن رفضهم إصدار قانون العدالة الانتقالية فأنهم هم الذين تصالحوا مع نظام مبارك ليس فقط بالإبقاء على بنية الدولة المباركية كما هي، وإنما أيضا لأنهم منحوا المناصب لفلول نظام مبارك ولأنهم عقدوا مصالحات مع رموز النظام في جرائم الفساد المالي، وبعض هذه المصالحات لم يكن لوجه الله وإنما تربحت منه الجماعة ورموزها.

في مواجهة هذا الجدل جاءت خطوة الحكومة في وضع حسني مبارك تحت التحفظ استجابة لطلبات من حركة تمرد وقوى ثورية أخرى وبعد أن اتضح لها ان الإفراج عنه بلا شروط ستكون له نتائج سلبية على الوضع الراهن بما يؤكد أن الحكومة على الرغم من خطواتها الصريحة في إعادة بناء الدولة الأمنية المباركية تدرك أن الراى العام ليس متحمسا للإفراج عن مبارك وبالتالي فان فكرة أن الناس استبدلت 30 حزيران/ يونيو بـ 25 كانون الثاني/ يناير ليست صحيحة.

وهذه الخطوة من الحكومة تعنى أنه لا يمكن إجراء مصالحة مع نظام حسني مبارك في القريب العاجل، وبالتالي فان 30 حزيران/ يونيو لم تكن ثورة مضادة وإنما هى تصحيح مسار لثورة 25 كانون الثاني/ يناير. وهذا الأمر سوف يضع على جدول أعمال خارطة الطريق إصدار قانون للعدالة الانتقالية يمكن أن يحاكم بموجبه حسنى مبارك ونظامه ويمكن أن يطول محمد مرسى ورموز نظامه أيضا. وهذا الأمر لم يكن مستبعدا في خريطة الطريق بالنظر إلى وجود وزير مختص بالعدالة الانتقالية وبالنظر إلى انه على الرغم من أن وزارة الداخلية تسعى لاستعادة البنية الأمنية لما قبل 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وتوظف إعلاميين لتهيئة الرأى العام لهذه الخطوات إلا أن انتماء وزراء في الحكومة ليناير سوف يحول دون حدوث هذا الأمر أو على الأقل يعرقل حدوثه.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الوزراء ضغط من أجل إصدار الحكومة لـ”برنامج حماية المسار الديمقراطي” الذي صدر في نفس يوم الإفراج عن مبارك وفى نفس الوقت الذي يتم فيه ملاحقة رموز الإخوان. وهذه خطوة لا تخلو من مغزى يوضح على الأقل أن هناك صراع بين منهجين، الأول يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى صباح 25 كانون الثاني/ يناير 2011، والثاني يريد المضي قدما إلى الإمام لكي تصبح مصر دولة مدنية ديمقراطية. وفى نفس اليوم أعلن وزير القوى العاملة أن الحكومة ستناقش فى اجتماعها المقبل وضع حد أدنى للأجور وهو أحد مطالب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.  

وهذا الصراع لا يقتصر فقط على الحكومة وإنما يمتد إلى الشارع. ففي الوقت الذي ترى قوى اجتماعية أن الوضع الامنى وتهديدات جماعة الإخوان والجماعات الجهادية المتحالفة معها تتطلب تقوية قبضة الدولة لمواجهتها، وأن إعادة الاستقرار هو هدف لا يجب أن يعلو عليه أي هدف آخر، فإن هناك قوى أخرى ترى أن أهم مكاسب ثورة 25 يناير هي انتهاء سياسة القبضة الامنية القوية وترفض عودتها مرة أخرى، وتريد توسيع المجال العام عبر قوانين الحريات النقابية وتحرير الجمعيات الأهلية. ومحصلة هذا الصراع داخل الحكومة وفى الشارع هي التي ستحدد مسار الثورة ومستقبلها، ونجاح أي قوة فيها يتوقف على مدى قدرته على حشد أنصاره وبناء تحالف متماسك فى مواجهة التحالف المضاد وقبل كل ذلك إقناع الراى العام بوجهه نظره. وكل ذلك يعنى ان الثورة مازالت مستمرة والمشهد حتى الآن لم يكتمل.