الهادي المساعدي هو أحد الجنود التونسيين الذين قتلوا في هجوم ارهابي في 29 تموز/ جويلية بالشعانبي، وأسفر عن مقتل 8 جنود. قدر هذا الشاب ابن الجنوب التونسي والبالغ من العمر 27 سنة، أن يستشهد في نفس المكان الذي استشهد فيه جده منذ أكثر من نصف قرن.

أمام بيت الشهيد، يجلس والده أحمد وسط المئات من أهالي المنطقة من مختلف الفئات العمرية. يستمع إلى آيات قرآنية، ثم يتحدث عن أهمية الاستشهاد من أجل الوطن.

بطل كجده

الهادي المساعدي هو أحد الجنود التونسيين الذين قتلوا في هجوم ارهابي في 29 تموز/ جويلية بالشعانبي، وأسفر عن مقتل 8 جنود. قدر هذا الشاب ابن الجنوب التونسي والبالغ من العمر 27 سنة، أن يستشهد في نفس المكان الذي استشهد فيه جده منذ أكثر من نصف قرن.

أمام بيت الشهيد، يجلس والده أحمد وسط المئات من أهالي المنطقة من مختلف الفئات العمرية. يستمع إلى آيات قرآنية، ثم يتحدث عن أهمية الاستشهاد من أجل الوطن.

بطل كجده

أحمد اعتبر ابنه أحد أبطال مدينة الحامة، على غرار جده محمود بن حسونة، الذي توفي بدوره بجبل الشعانبي أواخر الخمسينات، خلال الصراع بين الزعيمين التونسيين الراحلين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. وكذلك المناضل محمد الدغباجي والزعيم النقابي محمد علي الحامي وغيرهم من الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي وقدموا ارواحهم فداء للوطن.

استشهد الرقيب بالجيش التونسي الهادي بعد مرور يومين، على مراسم تشييع المعارض السياسي والنائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي، الذي اغتاله مسلحون يوم احتفال التونسيين بعيد الجمهورية في 25 تموز/ يوليو.

وكان قد شارك لأول مرة في عمليات تمشيط جبل الشعانبي بالشمال الغربي في 29  تموز/ يوليو ليضاف اسمه إلى قائمة شهداء المؤسسة العسكرية.

“شهيد الوطن” بحسب وصف أبناء إقليم الجنوب الشرقي والتونسيين عموما، من مواليد 1984. كان قد التحق قبل خمس سنوات بالجيش التونسي. نال شرف الانضمام لفرقة الكومندوس الخاصة. تنقل بين عدة مدن في إطار مهام عسكرية، قبل الاستقرار في ثكنة جيش البر ببنزرت (شمال تونس) ولم يمض سوى ثلاثة أيام على وصوله إلى مدينة القصرين لتعزيز صفوف زملائه في حربهم على الإرهاب.

يقول والده في حديث لـ “مراسلون”، “تلقينا خبر استشهاده قبل دقائق من موعد الإفطار. اتصال هاتفي من زميله أصابنا بالصدمة والرغبة في تكذيب الخبر من مصدر رسمي، تقبلنا موته بإيمان كبير وشعور غريب امتزج بالحسرة والفخر”.

ويضيف بصوت متقطع “موت فلذة الكبد بطريقة طبيعة مؤلم جدا، فما بالك بالذبح والتنكيل. فقد كان ابني أول الجنود المقتولين من قبل الإرهابيين بعد زرع رصاصات الغدر في جسده، حسب شهادة أحد زملائه الناجين من هذه الجريمة البشعة”.

الشهيد الثاني للعائلة

مراسم الدفن الرسمية في مقبرة الشهداء بالحامة، لم تمنع والدته وريدة من مطالبة المؤسسة العسكرية بالثأر لابنها وزملائه قائلة، “لا يجب أن يذهب دمه هدرا. فقد ضحى بشبابه من أجل هذا الوطن والأجيال القادمة”.

 وتضيف لموقع “مراسلون”، “ابني هو الشهيد الثاني لعائلة المساعدي، المستعدة لتقديم المزيد من الشهداء من أجل تونس”. وتتوقف عن الكلام لبرهة قبل أن تسترجع صوتها، “ذبحوه من الوريد إلى الوريد، أي شريعة إسلامية يتحدثون عنها ويريدون فرضها على شعب متسامح”.

يروي شيوخ مدينة الحامة، بطولات جد الشهيد المقاوم محمود بن حسونة. ويؤكدون لـ “مراسلون” أن قدرته على استدراج الجنود الفرنسيين والإيقاع بهم في كمائن، ساهمت في توليه قيادة مجموعات مسلحة لعبت دورا كبيرا في تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي. ثم واصل بن حسونة كفاحه متمردا على سياسة الزعيم الراحل بورقيبة أول رئيس لتونس.

يقول ابنه مهدي المساعدي وعم الحفيد الشهيد، ” الاستشهاد في مدينتنا عقيدة. ونحن مستعدون للتطوع في الجيش الوطني، والانضمام إلى العسكريين المكلفين بمحاربة الإرهابيين في جبل الشعانبي. نحن أبناء وأحفاد مجاهدين فشل الاستعمار والحكومات المتعاقبة على حكم تونس في ترويضهم وجلبهم لبيت الطاعة”.

ويشير مهدي في تصريحه لـ”مراسلون”، إلى حق العائلة في الحصول على تقرير رسمي من وزارة الدفاع، يتضمن جميع تفاصيل الحادثة. وتساءل عن قدرات وإمكانيات الجيش التونسي، خاصة بعد الفشل في القضاء على الإرهابيين المتحصنين منذ أشهر بجبل الشعانبي.

تبرر وزارة الدفاع التونسية، عجزها عن القضاء نهائيا على الخلية الإرهابية المتمركزة في جبل الشعانبي، بصعوبة التضاريس إضافة إلى شح المعلومات الواردة من جهاز الاستعلامات التابع لوزارة الداخلية.

كيف تسلل المسلحون؟

عن هذه النقطة يقول أستاذ الجغرافيا في معهد قابس، محمد عاشور لموقع “مراسلون”، “جبل الشعانبي أعلى مرتفع في تونس (1544 متر)، ومغطى بأشجار الصنوبر. وهذا ما يفسر صعوبة التنقل في مسالكه. وبيّن أن العمليات النوعية التي نفذها الإرهابيون، تثبت أنهم وصلوا إلى الجبل منذ مدة، ووجدوا الوقت الكافي لإقامة معسكرهم، إلى جانب معرفتهم بأدغال الجبل ما سهل تنقلهم بسهولة.

ويضيف مستغربا “إرهابيون اختاروا منطقة جغرافية صعبة مأوى لهم. كيف تسللوا؟ أين المخابرات التونسية؟ من يتآمر على أمن البلاد؟”.

تصريحات عاشور تتقاطع مع ما أقر به وزير الداخلية لطفي بن جدو، حول اختراق المؤسسة الأمنية بمختلف الأسلاك دون تسميتها. كما دعا المواطنين الى الاتصال به شخصيا للإدلاء بأية معلومات، تفيد بوجود جهاز أمني موازي زرعته أطراف سياسية أو دينية.

التحقيقات الأولية حول حادثة الشعانبي حسب مصدر قضائي عسكري، تفيد أن الإرهابيين باغتوا سيارة الجنود بوابل من الرصاص، دون ترك فرصة الدفاع عن النفس. وقاموا بالاستيلاء على الأزياء النظامية والأسلحة والأجهزة الالكترونية.

خطورة ونوعية العملية الإرهابية التي راح ضحيتها الهادي المساعدي وزملاؤه، دفع بوزارة الدفاع إلى تحذير عناصر الجيش والأمن والمواطنين، للمزيد من اليقظة خوفا من استعمال أزياء الجنود المستولى عليها، في عمليات جديدة داخل مناطق العمران من طرف العناصر المتورطة في الجريمة.

رحيل الرقيب الهادي المساعدي وزملاؤه، أثبت تمسك الشعب التونسي برفض الإرهاب وتمسكه بالدولة المدنية والالتفاف حول المؤسسة العسكرية، التي حظيت ثكناتها في مختلف أنحاء البلاد، بزيارات تضامنية من آلاف التونسيين الرافضين لبقاء الحكومة الحالية، المتهمة بتهيئة الأرضية الملائمة لتنامي التطرف الديني منذ وصول حزب النهضة الى الحكم في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 ، حسب الكثير من التونسيين المطالبين اليوم بحل الحكومة.