استطاع حزب نداء تونس وزعيمه الباجي قايد السبسي في ظرف وجيز من تأسيسه أن يكون منافسا شرسا للنهضة وانتزع منها المراتب الأولى في عمليات سبر الآراء السياسية.

الوزير الأوّل الأسبق وزعيم حزب نداء تونس تحول بذلك إلى أبرز خصم لحركة النهضة، وقد بلغ التوتّر بين الطرفين أشدّه مع طرح قانون تحصين الثورة الذي رأى فيه السبسي استهدافا شخصيا له، في حين يقول خصومه أن نداء تونس يخشى قانون تحصين الثورة لأنه مأوى للتجمعيين.

استطاع حزب نداء تونس وزعيمه الباجي قايد السبسي في ظرف وجيز من تأسيسه أن يكون منافسا شرسا للنهضة وانتزع منها المراتب الأولى في عمليات سبر الآراء السياسية.

الوزير الأوّل الأسبق وزعيم حزب نداء تونس تحول بذلك إلى أبرز خصم لحركة النهضة، وقد بلغ التوتّر بين الطرفين أشدّه مع طرح قانون تحصين الثورة الذي رأى فيه السبسي استهدافا شخصيا له، في حين يقول خصومه أن نداء تونس يخشى قانون تحصين الثورة لأنه مأوى للتجمعيين.

بعد الأحداث الأخيرة في مصر، التي أطاحت بمرسي والاخوان، وألقت بظلالها على تونس، أصدر حزب نداء تونس بيانا شديد اللهجة أعلن فيه عن غياب الشّرعيّة الانتخابية والتّوافقيّة للسلطة في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس.

واتهم البيان حركة النهضة وحلفائها بالتعنت في عمليّة صياغة الدّستور وباختراق مؤسسات الدّولة بالموالين على حساب الكفاءات، لاسيما في المؤسسة الأمنيّة.  ودعا الى “حلّ الحكومة و تشكيل حكومة إنقاذ وطني مكوّنة من كفاءات وطنيّة بعد مشاورات، وتكوين لجنة فنيّة لإصلاح مشروع الدّستور.”

موقع “مراسلون” التقى الباجي قايد السبسي حول هذه المطالب، وكان الحوار التالي:

مراسلون: بيان نداء تونس الأخير جدّد موقفك القديم الذي يعتبر أن شرعية من في السلطة انتهت انتخابيا منذ 23 أكتوبر الماضي، وأن الشرعية الشعبية للنهضة سقطت أيضا باغتيال الشهيد شكري بلعيد. فهل هذه دعوة إلى شرعية الشارع لتصحيح المسار كما تقول؟

السبسي: الطبيعة تأبى الفراغ فإذا لم يكن هناك شرعية انتخابية ولا شعبية ولا توافقية فطبعا يصبح هناك فراغ. وما ذكر في بيان البارحة ( ليلة الخميس 4 جويلية/ تموز 2013) وقع قوله سابقا، ولكن الآن نظرا للمستجدات بتونس وبكل العالم أيضا خاصّة في مصر فإننا أردنا أن ننبّه من خلال هذا البيان حتى لا تصل بلادنا الى وضعية مصر مثلا. ونريد أن نقول للذين في السلطة أنه وقع انتخابكم للاستجابة الى مطالب الثورة ولكنكم لم تنجزوا أي استحقاق.

في مصر كان الرئيس مرسي يحظى بالشرعية الانتخابية الثابتة ولمدة أربعة سنوات لكن تصرّفاته كرئيس لمصر لم تكن في مستوى تطلعات شعبه فثار عليه وعزله. وبالتالي لا تكفي الشرعية الانتخابية لتثبيت أي مسؤول على رأس الدولة فلا بدّ من توفّر شرعية الأداء.

إن كل مدة انتخابية هي في الحقيقة تلزم صاحبها أمام الشعب وأمام الناخبين بالقيام بأعمال ومهام محددة ترضي تطلّعات المواطنين واذا تم العكس فانه سيقع شرخ في علاقة السياسي بشعبه ومواطنيه.

وفي مصر الشرعية يملكها الشعب وهو أناب عن نفسه مرسي وحكومته لإدارة الشأن العام للبلاد وتصريف شؤون الدولة وتنفيذ استحقاقات ثورة 25 كانون الثاني/جانفي 2011، وذلك لا يعني صكّ على بياض بل هو تفويض شعبي لأداء مهام محددة.

واذا لم يكن المفوّض له في مستوى التطلّعات والانتظارات فان من حق الشعب أن يسحب منه الثقة والتفويض الذي منحه اياه، وهذا ما وقع تحديدا في مصر. مرسي الذي انتخبه حوالي 11 مليون مصري تظاهر ضدّه 30 مليون مواطن مصري أيضا وقالوا له “كفى لأن ما قمت به ليس هو ما طلبناه منك” .

في تونس هل حقق الائتلاف الحاكم ما طلبه منه الشعب؟

ما نأمله أن يكون من هم في قيادة البلاد الآن على وعي بهذه الأوضاع وأن يفهموا أنه ليس هناك من حلّ الاّ فتح باب الحوار مع القوى السياسية  الموجودة للوصول الى أرضية مشتركة و الى توافق.

وإذا كان من هؤلاء القادة عاجزين عن ذلك، أو كانت لديهم نوايا خفية ومبيّتة تجعلهم لا يذهبون إلى التوافق من خلال الحوار البناء فنحن لسنا بعيدين عن زلزال مصر وعن المخاطر المحدقة بنا.

لكن من يحكمون في تونس قالوا بثقة مفرطة بأن تونس ليست مصر وهي بمنأى تماما عن السيناريو المصري. فما تعليقك على هذه التصريحات؟

ليس هناك أي شيء مستبعد لا في تونس ولا في غيرها من البلدان. وعندما يتعثّر السياسيون لا يعرفون بالضبط كيف سيردّ الشعب على عثرتهم، وهل سيغفر لهم أم يعاقبهم. نحن لا نتمنى أن يحصل لنا في تونس ما حصل في مصر  ونحن ننبّه الى ضرورة التوقي من خطر سياسي مماثل، ولكن اذا بقينا في حالة جمود في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فطبعا يصبح السيناريو المصري من الجائز حدوثه في تونس ولذلك لا بدّ من مبادرات جدية لاجتناب الوقوع في نفس المخاطر.

ليس هناك أي بلد ولا أي شعب في مأمن من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية كتلك التي وقعت في مصر أو في غيرها.

تشير قوى المعارضة دوما إلى أن حركة النهضة نكثت وعودها التي ألزمت بها نفسها قبل البدء فعليا في مناقشة مسودة الدستور.. ما رأيك  في تعامل حركة النهضة الحاكمة مع الاتفاقات المبرمة في جلسات الحوار الوطني؟

في الحقيقة مشروع الدستور فيه تقدّم ونقاط ايجابية في عدد من المجالات لكن الإشكال أن هذه المسودة تحمل عدد من التناقضات. فمثلا في الفصل الأوّل من الدستور(وهو الفصل الذي وقع الاحتفاظ به من دستور تونس لسنة 1959) “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.  لكننا نجد ما يناقض هذه المادة في فصل آخر في مسودة الدستور وهو الفصل 141، والذي وقع إضافته بطريقة خفية وفي غفلة من الجميع، و الذي ينصّ على أنّ الدولة دينها الإسلام، وهو ما يتناقض مع الفصل الأوّل ويتضارب مع مفهوم الدولة المدنية وحيادية الدولة أمام المواطنين، بل أن هذا الفصل قد يؤسس لدولة دينية.

كما تم إضافة محور كامل للدستور تحت مسمّى الأحكام الانتقالية وهو أمر غير مقبول، فبعد عامين من النقاش الدستوري والأعمال التأسيسية والندوات والاستئناس بٍرأي الخبراء كان المطلب الرئيسي هو صياغة دستور لتطبيقه من ساعة ختمه وليس تجميد بعض فصول هذا الدستور والانتظار ثلاث سنوات لتطبيقها ودخولها حيز التنفيذ.

ان فصل الأحكام الانتقالية لا معنى له لأنه في صورة تمريره سيصبح الدستور لا معنى له. و لذلك فان هذا الفصل لا نقبله ومن قاموا بصياغته لهم نوايا سيئة وهم لا يسلكون المسار الصحيح للثورة.

نحن انتخبنا مجلس تأسيسي به 217 نائبا لسن دستور الجمهورية التونسية ولم نكلّف كشعب المقرّر العام للدستور الحبيب خذر (من حركة النهضة) بأعمال الصياغة، ولعلّ ذلك ما دفع بعدد من نواب المجلس التأسيسي للتأكيد على أن مسودة الدستور تعرّضت لعملية تزوير قام بها المقرّر العام. ولهذا نحن الآن نسلك مسلكا خاطئا.

في تقديرك ما الحل لتصحيح المسار الانتقالي؟

لا بدّ من العودة الى طاولة الحوار الجدّي وليس الحوار الشكلي. يعني أن لا تعمد الأحزاب الحاكمة وخاصّة حركة النهضة الى دعوة الأطراف السياسية للحوار لتوافقها في مواقفها وليس لمناقشتها حول مستقبل ومصير البلاد. إن الحوار البنّاء هو الذي يصاغ على ضوئه موقف مشترك وناجع.

هل تعتقد أن أزمة الإخوان المسلمين في مصر قد تدفع حركة النهضة إلى تليين مواقفها من المسائل الخلافية الآن سواء في الدستور أو في إدارة شؤون البلاد؟

إنهم (في حركة النهضة) لا يملكون خيارا آخر. ونحن الآن في مفترق الطرق فإما السير في اتجاه اللين وتعديل المواقف المتصلّبة بفتح أبواب الحوار والبحث عن الوفاق السياسي أو سيجدون أنفسهم في طريق مسدود.

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند صرّح أثناء زيارته الى تونس، بأن تونس تبقى الأقرب الى أن تكون نموذجا ناجحا للربيع العربي، فهل تشاطره هذا الرأي؟

في الحقيقة لا يوجد ربيع عربي. هناك بداية ربيع تونسي وسيكون هناك ربيع عربي اذا كان هناك ربيع تونسي. فاذا نجحت تونس سيتأثّر بها غيرها وينجح، لكن نحن لم ننجح بعد. مازالت هناك عثرات وتعثّرات في مرحلة الانتقال الديمقراطي، لكن فعلا تونس لديها مقومات النجاح أكثر من غيرها من الدول العربية والاسلامية، فلديها التعليم معمما منذ أكثر من نصف قرن والمرأة محررة منذ أكثر من نصف قرن والصحة مجانية منذ أكثر من نصف قرن.

إن كل هذه الأسس موجودة لتحقيق دولة عصرية حضارية لكن هذا لا يكفي، اذا أن الأمر ما زال يتطلّب اصلاحات أكثر على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي أيضا الذي يشهد منذ الثورة فترات حرجة وهزات كبيرة. كما ينبغي أن نفكّر في خطط فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية فهناك نسب بطالة مرتفعة ونسب فقر كبيرة وعديد المناطق المهمّشة والمسحوقة، ومن أجل هذا حصلت الثورة. وفي النهاية نبقى الأقرب الى استكمال ربيع ثورات العربية.

قانون تحصين الثورة قلت أن هدفه جعل حزب نداء تونس يترنّح وينزاح من طريق النهضة باعتباره خصما سياسيا شرسا، فهل تعتقد أن النهضة ستحصّن نفسها من نداء تونس بقانون تحصين الثورة هذا؟

لا أعتقد،  فأنا مقتنع أن هذا القانون لن يطبّق في تونس. وليس من مصلحة تونس وهو لن يعود على البلاد الاّ بالضرر. نحن في ظرف دقيق وكان المطلوب من السياسيين السعي الى الوحدة ورأب صدع الانقسام في المجتمع التونسي، واذا بنا نجد أنفسنا ازاء قانون فتنة يسعى لتفكيك المجتمع.

روابط حماية الثورة ردّت بعنف على بيانكم وتوعدتكم بسوء العاقبة وهددتكم، فكيف تردون عليها؟

هذه الروابط هي روابط إجرامية، لم تنفكّ يوما عن تهديدنا وممارسة العنف ضدّنا ووصل الأمر بها الى سحل وقتل المنسّق الجهوي لحركة نداء تونس بولاية تطاوين لطفي نقض. لكن الحكومة تغمض عينيها على هذه الأعمال الاجرامية التي تأتيها رابطات حماية الثورة لأن حزبي النهضة والمؤتمر الشريكين في الحكم تحميهما وتدافع عنهما رابطات حماية الثورة.

وقع اتهامك بالتلاعب بأموال الدولة عندما كنت وزيرا أولا، وبأنك ثمت بتحويل أموال سليم شيبوب (صهر الرئيس المخلوع) المصادرة إلى حساب أخيك. ما تعليقك على هذه الاتهامات؟

ليس هناك أساس من الصحة لما قيل أو وقع ترويجه، في بعض وسائل الاعلام،  كلها افتراءات وادعاءات، هي حملات تشويه ضد رموز حزب نداء تونس. هم (خصومنا) استنفذوا واستعملوا كل طرق التشويش علي و تشويهي ووصلوا الى حدّ المس  بسمعتي، وكل هذه الترهات لن تقلقني ولن تحرّك في ساكنا لأن ضميري مرتاح وأيادي نظيفة، وهي محاولات يائسة وبائسة لتشويهنا تعكس مستوى منحطّ. وما يدعوني للشعور بالأسف هو أن الأخلاق السياسية انحطت في تونس الى درجة غير مسبوقة.