الأزمة التي واجهتها مصر بإعلان اثيوبيا عن تحويل مجرى النيل الازرق من أجل ملئ سد النهضة، هي نموذج عملي على الفوضى التي تواجهها مصر في ظل حكم الاخوان المسلمين.

والارتباك الذي ساد السياسة الرسمية في بادىء الأمر يظهر أن الحكومة فوجئت بالقرار الأثيوبى، وهو ما يعنى أن رئيس الجمهورية الذي قدم من اديس ابابا لم يكن يدري وهو يحاور المسؤولين هناك بأن اثيوبيا تعتزم تحويل مجرى النهر بعد ساعات من مغادرته، أو أنه لم تكن لديه القدرة على التعامل مع الخطوة الاثيوبية بما يفيد أن هناك دولة قادرة على التصرف وفقا لما تقتضيه مصلحتها الوطنية.

الأزمة التي واجهتها مصر بإعلان اثيوبيا عن تحويل مجرى النيل الازرق من أجل ملئ سد النهضة، هي نموذج عملي على الفوضى التي تواجهها مصر في ظل حكم الاخوان المسلمين.

والارتباك الذي ساد السياسة الرسمية في بادىء الأمر يظهر أن الحكومة فوجئت بالقرار الأثيوبى، وهو ما يعنى أن رئيس الجمهورية الذي قدم من اديس ابابا لم يكن يدري وهو يحاور المسؤولين هناك بأن اثيوبيا تعتزم تحويل مجرى النهر بعد ساعات من مغادرته، أو أنه لم تكن لديه القدرة على التعامل مع الخطوة الاثيوبية بما يفيد أن هناك دولة قادرة على التصرف وفقا لما تقتضيه مصلحتها الوطنية.

والارتباك الرسمي في هذا الملف اتضح في أمرين، الاول أن كبار المسئولين تباروا في طرح أرقام متضاربة حول تاثير سد النهضة على كميات المياه الواردة لمصر من نهر النيل، فرئيس الجمهورية قال أرقاما تتضارب مع تلك التي طرحها خبراء في جهات رسمية. وأرقام هؤلاء تتضارب مع الأرقام التي طرحها الخبراء غير الرسميين. أما وزير الري فلزم الصمت التام وكأن الوزارة غير معنية بالأمر تماما. ورئيس الوزراء الذي كان يعمل من قبل وزيرا للري وظل لسنوات طويلة مديرا لمكتب وزير الري محمود ابو زيد لم نسمع منه كلمة واحدة تعطي للناس انطباعا أنه على درجة من الكفاءة والمعرفة في أي شان كان. ولكنه أكد عدم أهليته ليس فقط لمنصبه الحالي وإنما لأي منصب رسمي حتى ولو كان في المستوى الوسيط في أي إدارة حكومية. ووقف الشعب المصري في الأزمة حائرا بين التهوين الرسمي والتهويل الإعلامي.

أما المشكلة الكبرى فبدت في أن رئاسة الجمهورية لم تستدع الخبراء لوضع تصورات للتعامل مع الموقف وإنما جمعت السياسيين في اللقاء السري الشهير ليدلوا بدلوهم من دون أن تمد أي منهم بأى معلومات أو تقديرات موقف يستطيعوا من خلالها إبداء رأي صحيح. وهذا بالذات هو الذي أوضح للمصريين جميعا مدى البؤس الذي وصلت إليه مؤسسة الرئاسة المصرية ومدى التدني الذي وصلت إليه نخبتهم السياسية.

فلم نشهد خبيرا واحدا متخصصا سواء في شؤون نهر النيل او الشؤون الافريقية أو الأمن القومي منتمي لهذه الأحزاب يتحدث بصورة متماسكة حول هذه الأزمة بما في ذلك حزب الحرية والعدالة الذي ينتمى إليه الرئيس. فزعماء الأحزاب هم الذين حضروا بما يؤكد الفردية التي تسير عليها هذه الأحزاب.

كذلك فإن ما قيل في الاجتماع يؤكد أن زعماء الاحزاب لم يقرأ أياً منهم كتابا أو تقريرا أو حتى مقالا حول الشأن الذي ذهب ليتحدث فيه. ناهيك بالطبع عن الفضيحة السياسية التي تتعلق باذاعة حوار من المفروض أنه سرى يبحث في الخيارات المتاحة أمام مصر للتحرك إزاء أزمة سد النهضة. والطامة الكبرى أنه بدلا من الاعتذار صرح الرئيس بأن الرسالة وصلت إلى اثيوبيا وهو ما يعني أننا تحولنا من نمط إدارة الدولة إلى نمط إدارة الورشة حيث يقول المعلم شىء للصبي بصوت عالي حتى يسمع جاره أو منافسه فتصل له الرسالة، ويبنى على ذلك خطوات للمصالحة أو التصعيد.

أما عن مستوى المسؤولين في الرئاسة، أى معاوني الرئيس، فلم نسمع لأي منهم رأيا متماسكا في الموضوع، وقد يكون ذلك مقبولا لأنه لايمكن أن يكونوا متخصصين في كل شيء، ولكن غير المقبول أن أياً منهم لم يحاول الاستعانة برأي المتخصصين من أجل أن يبدو موقف الدولة متماسكا ومحددا.

ويبدو من تطورات الأمر وإدارته أن مؤسسة الرئاسة ليس لديها أي متخصص في الشأنين  المائي أو الأفريقي، وهى لم تستعن بمتخصصين لأن الإخوان ليس لديهم هؤلاء المتخصصين، والرئاسة في عصر الرئيس مرسى لا تتعامل إلا مع الاخوان فقط، فحتى المتحالفين معهم وإن كان ليس لديهم المتخصصين محظور عليهم التعامل مع القصر الرئاسي إلا فقط في الأمور المتعلقة بالعلاقات العامة مثل الحوارات الوطنية المتعددة التي لاتخرج بأي شيء.  

وما يكشف عنه الارتباك الذي ساد المستوى الرسمي في مصر سواء على صعيد إدارة الازمة باعتبارها أزمة وطنية تهم كل المصريين أم التصريحات الرسمية أم على صعيد التحركات السياسية الداخلية أو الاقليمية، أم على صعيد الحشد الوطني إزاء خطر خارجي، يؤكد أن الاخوان المسلمين ممثلين في الدكتور محمد مرسى ومساعديه في مؤسسة الرئاسة لا يمكنهم إدارة أزمة بهذا المستوى، وبالتالي لا يمكنهم إدارة دولة ليس في حجم مصر أو أهميتها وإنما حتى لو كانت جزيرة مقطوعة في المحيط.