الذي تم في مصر يوم السبت الماضي وأطلق عليه مسمى الحوار الوطني، لا يختلف في شيء عن تلك الحوارات التي كان يجريها السيد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني المنحل، ولا عن الذي أجراه السيد عمر سليمان خلال الأيام الثمانية عشر التي استغرقتها ثورة 25 يناير 2011 . فما هو إلا حوار بين السلطة وملحقاتها. في السابق كان الحزب الحاكم يأتى بأحزاب كارتونية أسسها خصيصا لهذا الغرض لكي يوحى للراى العام أنه يتحاور مع المعارضة، والآن جاء الرئيس بأحزاب إسلامية معظمها خرج من عباءة الإخوان المسلمين وشخصيات تحت الطلب لكل العصور مثل محمد سليم العوا واحمد كمال أبو المجد وأيمن نور وغيرهم، وأعضاء الجمعية التأسيسية التي شكلها الإخوان أنفسهم، وغابت كل القوى السياسية المؤثرة التي حشدت الجماهير في الشوارع والميادين لمعارضة الإعلان الدستورى الملغى ولرفض الدستور الذي صاغه الإخوان المسلمون في غياب معظم طوائف وفئات المجتمع . بما يعنى أن السلطة كانت تحاور نفسها .

وهذا المشهد ليس المقصود منه هو إيجاد حل للازمة، وإنما إعطاء إيحاءات للراى العام وللجماهير غير المسيسة بأن الأزمة قد حلت وان الرئيس تنازل من اجل مصلحة مصر، وان الأمر أصبح في أيديهم عند التصويت في الاستفتاء، سواء بالموافقة عليه أو رفضه وبالتالي تشكيل جمعية تأسيسية جديدة عبر الانتخاب الحر المباشر.

ولكن هذة الإستراتيجية تنطلق من قراءة خاطئة لما يشهده الشارع من تفاعلات وتطورات، أولها أن الشعب المصري أصبح معظمه مسيس وبالتالي لن تنطلي عليه هذة الألاعيب اللفظية أو المناورات السياسية، وان كثيرا من الناس أصبح يعتقد أن الرئيس منزوع الشرعية لان دماء سالت في الشوارع بسبب قراراته الخاطئة وعبر ميليشيات منتمية لحزبه، وان الشعب الذي يثور في الشوارع يريد بالفعل إسقاط النظام وليس إجراء تعديلات شكلية هنا وهناك، والقوى الحية التي تنطلق في الشوارع، لا يحركها تيار أو فصيل وإنما تخرج عفويا للتعبير عن احتجاجها . وهو ما يعنى أن الشعب خرج لاستكمال ثورة لم تكتمل. وهو ما يعنى أن قرارات الغرف المغلقة لا يمكن أن تؤدى الى تهدئتهم، وإنما قد تزيدهم اشتعالا. والاهم من ذلك كله أن الجماهير  في معظمها تخرج لمعارضة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس . وهى تقوم بذلك بسبب عملية الاخونة التي يجريها الرئيس للدولة،وليس للحكومة،الأمر الذي ينذر بتكرار التجارب الشمولية في دول ليست بعيدا عنا وعلى رأسها بالطبع إيران الحالية .

ولكي نفهم ما تمخض عنه الحوار الوطني يجب أن نضعه في سياقه، فهو جاء بعد تطورات ثلاث حدثت في نفس اليوم الأول هو المؤتمر الصحفي الذي عقده المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والذي هدد فيه بان الجماعة لن تتنازل عن الشرعية وأنها سوف تدافع عنها، وهو تهديد مبطن للقوى السياسية التي تتظاهر ضد الرئيس . وأيضا المؤتمر الصحفي الذي عقده نائب المرشد خيرت الشاطر وجمع فيه القوى السلفية تحت راية ما يسمى بالجمعية الشرعية للدعوى والإصلاح، وهو استقواء بالقوى السلفية والجهادية الأكثر عددا، وفيه أعاد توصيف الصراع لكي يحشد هؤلاء في مواجهة معارضي الجماعة، فأصبح الصراع ضد الإسلام وبهدف إثبات فشل الحكم الاسلامى، بل وأعطى له بعدا طائفيا عندما لمح إلى مشاركة الأقباط الذين يكن لهم السلفيون العداء بكثافة في معارضة مرسى، وان قوى عديدة داخلية وخارجية معادية للحركة الإسلامية هي التي تقوده.

وحاول الشاطر أن يدغدغ عواطف الطبقة الوسطى وهى بالأساس التي خرجت لتعارض مرسى بان الاستفتاء على الدستور هو الذي سوف يحقق الاستقرار ويجذب الاستثمارات . لكنه لا يدرك أن خروج الطبقة الوسطى كان لأنها تدرك أن حكم الإخوان يهدد ثقافتها ونمط معيشتها . والشيء المشترك بين كلام كل من المرشد ونائبه هو أن موعد التصويت على الدستور مقدس وهو ما بدأ به محمد مرسى  جلسه ما سمى بالحوار الوطني . وهذا الأمر له تفسير مهم يقوله القريبون من جماعة الإخوان وهو أن هذا الدستور يمثل الحد الأدنى المتفق عليه بين الإخوان والتيارات السلفية وبالتالي ليست هناك أيه إمكانية لتغير مواده أو تعديلها.

أما التطور الثالث فهو البيان الذي صدر عن القوات المسلحة الذي يمكن فهمه بأكثر من معنى لكنه بالأساس يؤكد أنها مازلت طرف في اللعبة السياسية وأنها لم تعود إلى ثكناتها كما ظن البعض .  

والنتيجة الوحيدة التي نخرج بها مما يسمى  بالحوار الوطني هو انه وضع قوى الثورة وظهرها إلى الحائط ولم يعد أمامها اى خيار سوى استكمال الثورة الذي تحول بسبب سلوك القوى الإسلامية الى صراع بين الديمقراطية والفاشية . لان مصر الآن بين خيارين إما الفاشية المطلقة او الديمقراطية . وحسم الصراع  سيكون له تكاليف باهظة بلا شك .