فتاة جميلة ترقص على سور منخفض داخل المكان. تسير برشاقة بينما جسدها يتمايل مع الموسيقى الصاخبة. تراقص سيدة رجلًا، بينما تعلو ابتسامة على وجه كل منهما. الحديث لا فائدة منه هنا. كل الكلام سيصير دربًا من محاولات التخمين وقراءة الشفاه، مسألة تحتاج لتركيز مضاعف لعدم توافر الإضاءة الكافية لذلك.

السهر فرصة لراحة الجسد من الالتزامات العادية وأولها أن تنصت لمن يتحدث معك أو تتبين مَن هو بالأساس!

فتاة جميلة ترقص على سور منخفض داخل المكان. تسير برشاقة بينما جسدها يتمايل مع الموسيقى الصاخبة. تراقص سيدة رجلًا، بينما تعلو ابتسامة على وجه كل منهما. الحديث لا فائدة منه هنا. كل الكلام سيصير دربًا من محاولات التخمين وقراءة الشفاه، مسألة تحتاج لتركيز مضاعف لعدم توافر الإضاءة الكافية لذلك.

السهر فرصة لراحة الجسد من الالتزامات العادية وأولها أن تنصت لمن يتحدث معك أو تتبين مَن هو بالأساس!

قد يكون صراع الإنسان المعاصر الأساسي هو كيف يصبح سعيدًا، بينما تختلف طرق الوصول إلى هذه المشاعر من مكان إلى آخر، وتتنوع محاولات كل شخص في بحثه عنها كذلك.

رغم صعوبة هذا الأمر نجد أماكن تروج لنفسها بوصفها أماكن السعادة بلا منازع. دون تردد كأنها تمتلك وصفة تصلح للجميع، هذه الأماكن لا تحتار في طرق تقديمها لإجابات أصحاب النفوس المُعذبة.

الكباريه، الكازينو، البَبَ تسميات واحدة لأماكن يقدم كل منها السلعة نفسها بصيغة مختلفة، الأول يشمل تقديم فقرات متنوعة من الرقص الشرقي والغناء والآخر يقدم فقرات فنية خفيقة أم الأخير فيقدم المشروبات الكحولية مع مساحة لرقص الرواد هذه أماكن السعادة الليلية في مصر.

تتشابه هذه الأماكن في كون معظمها بناءً مستقلًا، لا يقع داخل عمارة سكنية، حيث يشترط مراعاة تفاصيل هندسية وأمنية دقيقة مثل أن يحتوى على مخرجَين أحدهما للطوارئ، وعدد محدد من الرواد، لا يزيد عدد المقاعد عن رقم محدد لكل مكان، وضرورة توفر وسائل حماية وتأمين من الحرائق كذلك.

سعادة مقننة

ترتبط السعادة بالتعوّد على ارتياد هذه الأماكن. ربما إذا كنت زبونًا دائمًا قد تصبح سعيدًا. لكن هذه الأماكن لها وضعها الخاص في مجتمعها. كما يرتبط دخولها بنبذ اجتماعي ما. يتحوّل الباحث عن السعادة بها إلى مُحب للمتع المُحرمة، خاصة أن أغلبها تقيده شروط عديدة، حتى لا تكون هذه الأماكن عادية.

لا تؤسس هذه الأماكن كمحال عامة مثل غيرها من المحال، حيث تشترط أماكن السعادة أن تكون مفتوحة للسياح، ويكون المصريين متسللين لهذه الأماكن.. أي حينما يحل المصري ضيفًا على الأجنبي، ما كانت بهجة الليل هذه ستتوفر لولا السياحة وما كانت كل هذه الكازينوهات في القاهرة كذلك.

حينما وضع قانون المحال العامة، في العام 1956، كان يتيح لمحلات بيع المنتجات الغذائية، المخابز، المقاهي، والمطاعم، تقديم مشروبات كحولية، لكن ذلك كان مشروطًا بمنح هذا المحل رخصة يحدد عددها من جانب وزير الإدارة المحلية.

تعتبر الحكومة أن هذه الرخص شخصية لا تمنح للمكان وإنما لصاحبه وفي حالة وفاته تُسحبْ. كما يحدد هذا القانون الشوارع والأحياء التي يجوز بها فتح هذه المحال بناء على اقتراح المجالس البلدية.

داخل هذه الأماكن هناك عناية بأن يشعر كل زبون أنه مشمول برعاية  مثل أن تقدم مأكولات خفيفة مثل المكسرات والفاكهة على صينية مغطاة بقصدير على هيئة حيوان. كما يحرص العاملون في المكان من الذكور والإناث على إبداء الاهتمام برواده. قيام أحدهم على اشعال سيجارة لسيدة بمجرد أن تضعها بين شفتيها أو أن تقشر إحداهن موزة لزبون وتقربهما من فمه ليأكلها، إلى جانب بث مشاعر الرعاية والتدليل يكون ذلك طمعًا في أموال البقشيش.

كما تعوض فقرات العناية بالزبائن القيود المفروضة على تقديم فنون الرقص في أغلب الكباريهات. تبدأ هذه القيود بزي الراقصة بحيث ألا تكون بطنها مكشوفة، وضرورة تغطية الزي للثلث الأسفل من الثدي، مع الحفاظ على ارتداء بنطلون قصير أسفل تنورة بدلة الرقص. يشترط ألا تكشف الأجزاء المفتوحة من البدلة الجسد في وضع الثبات كذلك. كما تلتزم الراقصة بالحصول على ترخيص خاص من إدارة تابعة لوزارة الثقافة، يحدد فيه مكان عملها.

حذف كلمة “بار”

منع الرئيس محمد أنور السادات (1918- 1981) كلمة “بار” من الشوارع المصرية. لم تعد أماكن تقديم المشروبات الكحولية ترفع هذه اللافتة، بل يُلزمها القانون بوصف ملتبس وهو مطعم سياحي.

أراد الرئيس المؤمن -كا أحب أن يوصف- أن يفخر بأن مصر لا يوجد بها دعاية للمشروبات الكحولية، وإذا توافرات فإن ذلك يحدث فقط لخدمة الأجانب. صورة كاذبة لكنها استمرت لعقود بعد رحيل السادات.

صار الباحثون عن المتع ليلًا ضيوفًا على السائحين، مع قانون 1973، حيث أصبحت كافة هذه الأماكن تابعة لوزارة السياحة.

كما يرتبط ذلك بحظر الكحول من خلال قيود تخص تقنين طرق بيعه، حيث لا تباع إلا في أماكن محددة ويحظر بيعها في عدة مناسبات دينية إسلامية. كما  فرضت، مؤخرا، ضرائب قيمتها 250% على البيرة، وذلك بعد تطبيق البرلمان المصري لسياسات القيمة المضافة بينما لم تزد عن 150% على النبيذ وغيره من المشروبات الكحولية.

يحدد في كل مكان أنواع عروضه سواء كانت فقرة غنائية لمطرب مع فرقة موسيقية أم فقرة استعراضية لراقصة مع عازفين، مع توضيح عدد الأفراد وأن جميعهم قد سجل ضمن أعضاء نقابة الموسيقيين. كما يجب أن يكون أي مُغنِي عضوا بالنقابة الموسيقين، وتسجل الراقصة في وزارة الثقافة.

حتى يستمر المحل في تقديم فنون السعادة يجب أن يرسل ملخصا مختصرا من البرنامج إلى وزارة الثقافة قبل بدء تقديمه بيومين.

إخفاء السعادة

عند الخروج من المكان تبرز ملامح السعادة.

أصوات الضحكات المنفلتة بلا تهذيب أو ضوابط. رنينها في الشوارع شبه الخالية. سعادة تولدها الفورة المتحركة داخل الأجساد الدافئة من فعل الحركة وسريان المشروبات المُنعشة. لكن قد يتعرض هذا السعيد الخارج لتوه من مكان السعادة والبهجة لخطر الحبس حيث يُحبس السكران من أسبوعين إلى ستة أشهر، كما قد يغرم بمبلغ من المال يقدر بمائة جنيها..هكذا تخضع مقارعة الكؤوس لسلطة مجتمع محافظ ودولة تهادنه بينما تقارع هذه الدولة المتشددين في حرب مستعرة حول الحكم.