عادت مصر بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمدينة عنتيبي الأوغندية، في 20 و21 يونيو/ حزيران، إلى دول حوض النيل، وذلك بعد سبع سنوات من تجميد عضويتها في المجموعة التي تضم 11 دولة أفريقية يمر بها النهر الممتد من وسط القارة حتى شمالها.

تتخوف الدولة التي تشهد صب مياه النهر في البحر المتوسط مما يجرى على سطحه في أثيوبيا، التي بدأت العمل على تأسيس سد النهضة، قبل ست سنوات.

كانت مصر قد جمَدت عضويتها في مبادرة حوض النيل، المُعلنة في 1999، بعدما وقعت عدد من دول المصب اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي لهذه المبادرة والمُسماة نسبة إلى المدينة الأوغندية عنتيبي في مايو 2010. وستساهم هذه الاتفاقية في تغيير كبير في الأمن المائي للدول وفقًا لتوزيع جديد للمياه.

وفي أبريل/ نيسان 2011 وضع حجر الأساس للسد بينما كانت السودان ومصر معترضتين على الإطار القانوني الذي أقرته دول المنبع، وكل واحدة من دولتي المصب تمر بظروف استثنائية منذ حلول يناير/كانون ثاني من العام نفسه، جرى استفتاء تسبب في انفصال الجنوب عن السودان، وبعده شهدت مصر احتجاجات ساهمت في الإطاحة بحكم حسني مبارك في فبراير/ شباط 2011.

تؤسس أثيوبيا السد في منطقة على حدودها الشمالية الغربية، وتتلاقى الدولة الواقعة في منطقة القرن الأفريقي من ناحية الغرب مع حدود السودان ( من جهة شمال غرب) وجنوب السودان (في الغرب) وكينيا (ناحية الجنوب الغربي). ينبع من بحيرة فيكتوريا نهر يمتد إلى “جنوب السودان”، ثم “السودان”، فمصر، وتتزايد مخاوف كلٍ من مصر والسودان من تأثير السد الجديد على مياه الشرب والزراعة، وتبلغ حصة الأولى من ماء النهر 55.5 مليار متر مكعب وما يزيد عن 18.5  مليار لصالح الأخيرة.

خلال السنوات الست الماضية تزايدت الاعتراضات المصرية والسودانية على بناء السد الأثيوبي، وقد وصلت إلى ذروتها على الصعيد المصري عبر تهديدات الرئيس الأسبق محمد مرسي أن الدماء ستكون مقابلًا للمساس بالماء. لكن التعامل مع الملف تحوّل إلى الهدوء بعد تدخل الخارجية المصرية منذ الإطاحة بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. أما السودان فلم يدخل في مسار التهديد، بل حافظ على علاقات جيدة مع جارته، خاصة أن هناك ترتيب يسمح للخرطوم بالحصول على الطاقة الكهربية في حال بدء السد في العمل.

 

تاريخ مصر “الاستعماري”

من جانبها تتمسك القاهرة بحقوقها القديمة في المياه والتي تعود إلى فترة الاستعمار الكولونيالي لأفريقيا، وقد حققتها بشكل كبير بسبب توسعاتها الأفريقية في عهدي محمد علي (1769-1849)، ثم الخديو إسماعيل (1830-1895) حتى تراجعت المحاولات المصرية لاحتلال السودان مع نشوب الثورة المهدية الوطنية السودانية عام 1880.

وكانت العودة المصرية عبر احتلال مشترك إلى جانب القوات البريطانية، في الفترة من 1899 وحتى استقلال السودان في 1956، وقد منحت مصر مزايا عن بقية دول النيل يتجلى ذلك إذا تأمّلنا اتفاقية 1929، وكانت قد وقعتها مع بريطانيا، التي كانت تحتل وقتها كلٍ من السودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا. وتمنح هذه الاتفاقية حق النقض/ الفيتو لمصر ضد أي مشروع على مياه النهر الممتدة من وسط أفريقيا حتى شمالها.

كما ترفض الخرطوم “عنتيبي” أيضًا، وإن كانت لا تستفيد من حصتها كاملة بسبب اعتماد السودان على مصادر أخرى للمياه من ناحية  ويخسر مياه النهرين، الأبيض والأزرق، نتيجة لعمليات التبخر الكبيرة.

لكن التنسيق بين البلدين ليس جيدًا. خلال الأعوام الأربعة الماضية مرّ البلدان بنزاعٍ – هادئ- بشأن السيادة على مثلث حلايب الحدودي.

 

نحو السودان لا أثيوبيا

وكانت وزارة الأوقاف المصرية قد بثت صلاة الجمعة من حلايب، في أبريل/ نيسان 2017، بينما كانت مصر تؤكد من خلال الإعلام حول السيادة على المثلث الحدودي. ولم تتوقف المناوشات من الجانب الآخر حيث ألزمت الخرطوم المصريين من سن 18 حتى 50 عامًا بالحصول على تأشيرات للدخول إلى أراضيها. رغم أن البلدين قد وقعتا اتفاق الحريات الأربع، في 4/4/ 2004، التي تسمح للمواطنين من الجانبين بالتملك، التنقل، العمل، والإقامة. وكانت الخارجية السودانية قد بررت هذا القرار، في أبريل/ نيسان الماضي، بأنه لتنظيم الدخول للبلاد.

كما صرح الرئيس عمر البشير، في مايو/أيار الماضي، عن العثور على عتاد وأسلحة مصرية بمناطق دارفور التي يخوض بها الجيش السوداني مواجهات مع متمردين منذ العام 2003، وهو ما نفته الخارجية المصرية بأنها لا تتدخل بشكل “يزعزع الدولة الشقيقة” أو قد يضر بشعبها.

كما عكست الصحافة السودانية آثار هذا التوتر، فقد وجه الكاتب السوداني خالد كسلا، في مقال له نشر بجريدة الانتباهة، دعوة للرئيس البشير بأن يكون موقف بلاده من قبول أو رفض “اتفاقية عنتيبي” مرتبطًا بملف الخلاف المصري السوداني حول السيادة على مثلث حلايب وأبو الرماد وشلاتين.

كما بدأ النزاع المصري السوداني يتخذ أبعادًا أخرى مع الإشارة كل نظام حكم في بلد لوجود معارضيه بالبلد الآخر، فبينما يتواجد إخوان مسلمون في الخرطوم يعيش علمانيون ديمقراطيون في القاهرة.

من ناحية أخرى لا يزال اتفاق 1959 بشأن المياه وحصصها ساريًا،  فقد نُظمْت الأوضاع المائية وفقًا لعلاقة تاريخية تحظى فيها الجارة الشمالية بوضع مميز عن مثيلتها الجنوبية. كما أن هذا الاتفاق كان قد وقع متجاهلًا أثيوبيا وقتها. لكن هذا التجاهل التاريخي والموقف الرافض لبناء السد تغيّر منذ العام 2015 حينما وقعت الدول الثلاث، مصر والسودان وأثيوبيا، اتفاق مبادئ بالخرطوم في مارس/ أذار. كان من شأنه التغاضي عن الحقوق التاريخية لدولتَي المصب عبر الاستخدام المنصف والمناسب للمياه، لكنه يقر بأن تكون قواعد الملء الأول لسد النهضة بشكل استرشادي بين الدول الثلاث. لكن بين حين وآخر تتزايد المخاوف بشأن ملء السد، وبالتحديد حول نقطتَي متى وكيف سيكون؟

 

سنشرب من البحر

خلال اجتماع “حوض النيل” في عنتيبي، يونيو/حزيران 2017، لم تحدد مصر موقفًا حاسمًا من الإطار القانوني المحدد للتعاون بين الدول الإحدى عشرة المسمى بـ”اتفاقية عنتيبي”، فقد ركز على تجاهل النقاط الخلافية، حسبما أوضح المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.

وإن كانت القاهرة قد تراجعت عن قرار التجميد، وأبدت تفهمًا لتحقيق الدول الأفريقية للتنمية، فضلًا على أنها أبدت استعدادًا للاستخدام العادل والمنصف للمياه. وقد بدأت مصر تتغاضى عن الحقوق التاريخية في مياه النيل بتعبير “المصالح المصرية”، كما طالبت بوضع آلية مستقبلية لإخطار الدول في حال تأسيس أي مشروع على سطح النهر، وعن رغبتها في استضافة قمة قادمة لشركائها الأفارقة في النهر.

وداخليًا بدأت مصر، داخليًا، الترويج لمشروعات لحل أزمة مياه شرب مُحتملة، حيث لا يتوفر إلا 700 مترًا مكعبًا للفرد سنويًا. وقد أعلنت الهيئة الهندسية، التابعة للقوات المسلحة، عن أكبر مشروع لتحلية مياه البحر عبر تأسيس 4 محطات بشرق بورسعيد، والجلالة، والعين السخنة، والعلمين. ومن المقرر أن تنتهي هذه المحطات خلال العام القادم.

كما أعدت الحكومة مشروعًا بقانون من المتوقع أن يناقشه البرلمان قريبًا يسمح لمنظومة مياه الشرب والصرف الصحي الحكومية بتحلية مياه البحر لتكون صالحة للشرب، وإدارج القطاع الخاص بها كذلك. وقد كشف وزير الإسكان المصري عن احتياج البلاد إلى 1.7 مليون متر مكعب في اليوم، بينما لا يتوفر إلا 150 ألف متر مكعب يوميًا.

بينما يستعد المصريون لتحلية مياه البحر تأمّل خارجيتهم في أن تكون خطوات ملء سد النهضة بالتشاور بين أثيوبيا والسودان،  إلا أن البلدين العربيين غرقتان في خلافات أخرى غير “النهر”.