المستبعدون من الحياة السياسية والمجال العام قبل أكثر من ست سنوات، كانوا صنّاعها لوقت قصير.

تشكلت علاقة جديدة خلال السنوات الماضية، قُتل ناس وهم يطالبون بالتغيير، وحبس آخرون بينما كانوا يتظاهرون ضد قتل الأوائل. قُيد المجال العام بعد الإطاحة برئيسَيْن خلال عامين. وفُتح الكلام لأول مرة في مجالات نقاش بجرأة جديدة على مجتمع اعتاد تكريس الوطنية بوصفها ماضٍ يُخَلَدَ في كتب التاريخ. الوطنية مشاعر قديمة تنمو من ماضينا، من حكايات لم نعشها.

عاطفة وأفكار حماسية توجه ضد محتلٍ أجنبي. في حين كانت الحقوق بالنسبة لسكان مصر مجرد عبارات مجازية في خطب يهتف بها زعماء وطنيون، لكنها لا تتحقق في الواقع.

الوطنية معروفة في الأغاني، لكنها ليست علاقة محددة بإطار ملموس. لم نعتد أن يكون لها وجود خارج فكرة التضحية والحب من طرف واحد.

لكننا نشهد، منذ 2011، تشكل علاقة جديدة بين المصريين ووطنهم. منذ أن خَطَتَ الأقدام الشوارع في 25 يناير/ كانون ثان، رغم مجاز هذا التخيل إلا أنه قد حدث بالفعل.

مَارس المصريون حقوقًا كانت مرادفا للوطنية في كتب التاريخ، لكنها تحققت بالممارسة في الواقع. كانت البداية مع عودة المواطن المُنسحب/ المُستبعد، قبل الثورة، ليُعيد صناعة المجال العام وعلاقته بالبلاد، عبر الدستور، والممارسة السياسية، والمطالبة بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال حركته اليومية كذلك، حتى تم ابعاده، مرة أخيرة، عبر الحرب على الإرهاب أو التضييق على التظاهر والحق في الاحتجاج وقيود التعبير بشكل عام.

***

قبل 65 عامًا صاغ مجموعة من ضباط الجيش، وإحلالهم لمجلس قيادة الثورة محل حكم الملك فاروق، مفهومًا للتحرر الوطني والعلاقة بين المصريين وبلدهم وحاكمهم كذلك. ربطوا الوطنية بعد يوليو/ تموز 1952 بأن يكون الحاكم مصريًا، واحتكرت الدولة مفهوم الوطنية.

صارت الوطنية ما يتربى عليه الأطفال في البيوت ويدرسونه في المؤسسات التعليمية. وما يُروى من حكايات في التاريخ الرسمي للدولة. ولم تعد تلعب أدوارًا في الحكم والإدارة إلا مؤسسات وطنية. لكن خلال السنوات الماضية دخلت الوطنية مرحلة شك.

شَكَ المصريون في انتماء رئيسَيْن أحدهما كان قائدَا في آخر حروب مصر العسكرية، والآخر كان منتميًا لأكبر تنظيمات الإسلام السياسي المعارضة. كما تجددت الفكرة بذهنية جديدة منذ بدأ النقاش المصاحب لتعيين الحدود المصرية البحرية مع المملكة العربية السعودية.

 

نرصد في هذا الملف ما طرأ من طرف المصريين نحو بلدهم.

إقرأ أيضا:

من جاء أولًا المصري أم مصر؟

في البيت وداخل المدرسة.. كيف نتعلم التاريخ؟

ريم نجيب: كانت لدينا فرصة صياغة “وطنية” جديدة..لكن أُهدرت

تاريخ الصياح في مواجهة سلطة

عندما يكون الغناء..وطنيا

هل يشاهد الجمهور الدراما الوطنية؟

محاولات صناعة “بطل” وطني

الحبيبة، الأم، جهة إبلاغ عن الجار.. ما الوطنية؟

تصوير: صبري خالد