سعت الحكومة، مؤخرًا، لحَلَ هذه المشكلات بإسناد منطومة الدعم إلى وزارة الإنتاج الحربي، لكن غياب السلع لا يزال مستمرًا. كما يتولى وزارة التموين وزير كان بالأساس رئيسًا لجهاز الإمداد والتموين بالقوات المسلحة.. هكذا نشاهد استمرار الاستعانة بمسئولين سابقين من الجيش لحل مشاكل الإدارة في مصر.

كما يصاحب إسناد منظومة التموين للجيش إصداره لبطاقات صرف السلع المُدَعَّمة بالتعاون مع شركة فيزا وحماية البيانات الخاصة بهذه المنظومة، يتمّ ذلك بالتزامن مع طرحه لسلع غذائية منخفضة الثمن في الأسواق، وبشكل خاص اللحوم الحمراء.

سعت الحكومة، مؤخرًا، لحَلَ هذه المشكلات بإسناد منطومة الدعم إلى وزارة الإنتاج الحربي، لكن غياب السلع لا يزال مستمرًا. كما يتولى وزارة التموين وزير كان بالأساس رئيسًا لجهاز الإمداد والتموين بالقوات المسلحة.. هكذا نشاهد استمرار الاستعانة بمسئولين سابقين من الجيش لحل مشاكل الإدارة في مصر.

كما يصاحب إسناد منظومة التموين للجيش إصداره لبطاقات صرف السلع المُدَعَّمة بالتعاون مع شركة فيزا وحماية البيانات الخاصة بهذه المنظومة، يتمّ ذلك بالتزامن مع طرحه لسلع غذائية منخفضة الثمن في الأسواق، وبشكل خاص اللحوم الحمراء.

نتأمّل هنا ما تقدمه الدولة للمواطن المصري، وهل يحقق ذلك الكفاية له أم لا؟

دور قديم، مع أداء سيء

تمس مسألة التموين حياة المواطن المصري اليومية، كما أن علاقته بالدعم الذي تقدمه الدولة متجذرة.

تستهدف سياسات الدعم تحسين أوضاع الفقراء أصحاب الدخول المحدودة، حيث يبلغ متوسط الدخل النقدي أسبوعيًا في مصر 806 جنيهًا، حسب أحدث دراسة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بينما يبلغ معدل الانفاق السنوي للأسرة 35 ألفًا في الحضر، و26.8 ألفًا في الريف.

تعد وزارة التموين أقدم وزارة مصرية، حيث أُنشئت ما بين الحربين العالميتين. لكن مع تأسيس الجمهورية (1953) لعبت الحكومة دورًا في إنتاج وتوزيع السلع لتحقق الأمن الغذائي للمصريين. وفرت الدولة تاريخيًا لمواطنها سلعًا تنوعت بين زيت الطبخ “زيت بذرة القطن”، الأرز، السُكّر، الخبز، والوقود. تقدم منظومة الدعم، حاليًا، لحاملي 20 مليون بطاقة، دعمًا غذائيًا يشمل الزيت، السكر، والأرز بما يعادل 15 جنيهًا للفرد شهريًا، وتتزايد حسب عدد الأفراد في كل أسرة، حيث يمكن أن يضاف أكثر من فرد داخل البطاقة لتزيد حصصها.

تضم أصغر حصة زجاجتَين من زيت الطبخ، كيس من السكر، وآخر للأرز، إلى جانب خمسة أرغفة خبز يوميًا. صار ممكنًا أن يختار المشمول بالدعم، منذ فبراير/ شباط 2015، بين الخبز المستدير صغير الحجم المُغطَى بالردة والرغيف الأفرنجي أو الفينو  (باجيت فرنسي، لكنه أصغر حجمًا)، صرف العديد من حاملي بطاقات الدعم، خلال شهرَي سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الجاري، زجاجات الزيت لعدم توافر السكر والأرز!

تقدم المزايا السابقة بالمجان، بينما تتاح سلع منخفضة السعر من جانب 34 شركة تابعة لوزارة التموين تتنوع أنشطتها بين صناعات الصابون، الزيوت، المطاحن، تكرير السكر، ليصل عدد هذه المنتجات إلى رقم 50.

تباع هذه المنتجات في مراكز تسوق حكومية “جمعيات استهلاكية” بمزايا للمُستهِلكين حيث يعرض كيس الأرز بسعر أرخص من سعر السوق بقيمة لا تزيد عن جنيهين وربع الجنيه، بينما يعرض الكيلو الواحد من اللحوم المحلية / البلدية بسعر أرخص عن محلات الجزارة بقيمة العشرين جنيهًا. كما تهدف الحكومة إلى زيادة هذه المنتجات لتكون مائة منتجًا.

كانت النُظم المُتبعة لدعم كل سلعة منها مختلفة، دعم الخبز كان يتمّ عبر توفير الدولة للدقيق، لكن هذه الطريقة سمحت بحدوث تلاعب من جانب المخابز، حيث كان هذا الدقيق يذهب إلى صناعة الحلوى بينما كانت نسبة من الخبز تستخدم كعلف للحيوانات نتيجة لذلك صار الدعم يقدم بشكل لاحق.

توِّدِع وزارة التموين في الحساب البنكي الخاص بصاحب المخبز الفارق بين القيمة الفعلية لتكلفة إنتاج الرغيف وثمنه مدعومًا.. أي حوالي 45 قرشًا لكل واحد. تقدم الدولة للفرد الواحد 899 رغيفًا مجانًا سنويًا، حسب أحدث دراسة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

كما حافظت الحكومة على دعم الطاقة، سواء غاز البوتاجاز أو الغاز الطبيعي المُستخدَم في المنازل وكذلك وقود المحركات، كما خفضت دعم البوتاجاز بنحو 3.0 مليارًا في العام 2014، والغاز المنزلي لتوفر 1.1 مليون جنيهًا. بدأت الحكومة في تقليل حجمها هذا الدعم منذ يوليو/ تموز 2014، حيث تقلصت قيمة الدعم من 100 مليار جنيهًا إلى 60 مليارًا، لتزيد الأسعار بنسبة 75%، وألغت دعم الغاز الطبيعي المُستخدَم في بعض محركات السيارات في الموازنة الحالية.

يدفع ثمن تراجع الدولة عن أدرواها المختلفة في الدعم المواطن حيث تؤدي هذه السياسات لرفع أسعار المعيشة، وهو ما سيدفع لزيادة جديدة متوقعة مع احتمال حدوث تقلص جديد لقيمة الدعم الحكومي على المواد البترولية خلال الفترة المقبلة، حسب بنود برنامج الإصلاح المصاحب لقرض صندوق النقد الدولي.

مرحلة دعم الأفراد

أكثر من ستين عامًا مرت على الدولة المصرية حتى تتوجه إلى دعم الأفراد المحتاجين بدلًا من السلع، حيث كان الأثرياء يستفيدون من السلع المُدعمَة، وكانت أموال الدعم الموجه للوقود أو الخبز أو المنتجات الغذائية يستفيد منها الجميع وليس مستحقيها.

مؤخرًا بدأت الدولة في أن تقدم دعمًا ماليًا لمليون أسرة مصرية، عبر برنامجي الحماية الاجتماعية “تكافل” و”كرامة”.

تدفع الدولة للبرنامجَين 4.1 مليارًا بينما يأتي مصدر 1.4 مليارًا منه هو قرض حصلت وزارة التضامن عليه من صندوق النقد الدولي قيمته 400 مليارًا، ولم تستلم منه إلا دفعتَين بقيمة 230 مليونًا. لكن التساؤل هنا ما الذي تقدمه الدولة لدعم المواطن، خاصة أن دعم برنامج “كرامة” لا يزيد عن 350 جنيهًا للفرد شهريًا، بينما تصل قيمة الدعم الشهري للأسر، من خلال برنامج تكافل، إلى 325،  تصرف مجمعة كل ثلاثة أشهر.

يشترط أن يكون للأسرة المستفيدة من تكافل أطفالًا من سن الميلاد حتى ثمانية عشرة عامًا، وأن يكونوا داخل العملية التعليمية أو يشرف عليهم من جانب الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة حتى سن الست سنوات. بينما تزيد قيمة الدعم بمبلغ 60 جنيها إذا كان لدي الأسرة طالبًا بالمرحلة الابتدائية، وتصل إلى 80 جنيها إذا كان بالمرحلة الإعدادية، و100 جنيهًا للثانوية.

رغم وضع الدولة لشروط عديدة للتأكد أن الدعم سيصل لمَن يستحقه تجاهلت تواضع ما تقدمه بالأساس، فإذا عدنا لتقدير البنك الدولي لخط الفقر العالمي، سنجد أن الفقر لمن يحصل على 1.9 دولارًا يوميا، أي ما يزيد عن 505 جنيهًا شهريًا.. هكذا يكون ما يناله  المُستفيد من برنامج الحماية الاجتماعية يجعله تحت خط الفقر العالمي من الأساس!

في معية الجيش!

توسع الجيش خلال العقود الأخيرة في إنتاج السلع الغذائية، كما كثف في السنوات الثلاث الأخيرة تنظيمه لسوق بديل للحوم بأسعار مخفضة. ساهم هذا الأمر في حل نسبي لأزمة غلاء الأسعار، لكن الكميات المطروحة لم تكن كافية لحل المشكلة، بل بدت كأنها محاولة لتحقيق مكاسب سياسية.

وقد نشرت وزارة التموين، مؤخرًا، بيانًا ينصح المواطنيين بطرق التعرف على سيارات الجيش، التي تبيع منتجات غذائية. كما قدم وكيل وزارة التموين بمحافظة الدقهلية، وسط الدلتا المصرية هذه النصائح بعدما شهدت المحافظة بيع ثلاث سيارات لمنتجات فاسدة. كانت هذه السيارات تحمل شعارات الجيش، لكنها ليست تابعة للقوات المسلحة بالفعل.

شَجَع وكيل التموين المواطن على التأكد أن من يبيع له المنتجات ضابط جيش ومعه عريفَين (عسكريَين). كما يجب أن تحمل السيارة شعارًا لجهاز مشروع الخدمات الوطنية، وأن تكون المنتجات في غلاف جيد، وقد كتب عليه :”تحت إشراف طبي بيطري متكامل من إدارة الخدمات البيطرية”.

من ناحية أخرى تعمل الحكومة على دراسة مشروعات مثل تحوّيل زيت الطعام المستخدم إلى سولار، إلى جانب تأسيس مدينة التجارة والتسوق العالمية، وسيكون مقرها بمنطقة محور قناة السويس، وتمتد على مساحة 4 ملايين و200 ألف مترًا.

ستتشكل هذه المدينة من أحياء يحاكي الواحد منها مدينة عربية أو واحد من معالم ومناطق العالم، كما ستؤسس مدينة للملاهي تشبه ديزني لاند حسب موقع الوزارة. الصور المتاحة على هذا الموقع لبرج إيفل، تمثال الحرية، بوابة كيرجودا الألمانية، ساعة بن، تاج محل. وقد بلغت القيمة الاستثمارية لها 40 مليار جنيهًا بينما لا تزال وزارتا التموين والإنتاج الحربي غير قادرتين على توفير السلع لحاملي بطاقات الدعم بينما سيكون على المواطنين، أصحاب الدخول المحدودة، تحمّل غياب الأرز للشهر الثاني، ويضاف إلي ذلك الطعم المُرّ لغياب السكر أو أعباء شراء أكياسه مرتفعة السعر.