أثار قرار البنك المركزي المصري أمس الخميس (٣ نوفمبر) بتحرير سعر صرف العملات الأجنبية (تعويم الجنيه) موجة واسعة من الجدل بين المصريين، فبينما لقي القرار تأييدا من البعض، أعرب قطاع عريض من المواطنين عن تخوفه من ارتفاع الأسعار، التي بدأت بالفعل في الصعود بصورة متسارعة، بعد دقائق قليلة من إعلان القرار الذي صدر صباح الخميس 3 نوفمبر 2016.

أثار قرار البنك المركزي المصري أمس الخميس (٣ نوفمبر) بتحرير سعر صرف العملات الأجنبية (تعويم الجنيه) موجة واسعة من الجدل بين المصريين، فبينما لقي القرار تأييدا من البعض، أعرب قطاع عريض من المواطنين عن تخوفه من ارتفاع الأسعار، التي بدأت بالفعل في الصعود بصورة متسارعة، بعد دقائق قليلة من إعلان القرار الذي صدر صباح الخميس 3 نوفمبر 2016.

وساد التوجس، وتأجج الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر تقارير إعلامية وتدوينات قصيرة تشير إلى أن قيمة أجور المصريين انخفضت ما بين 45 و50%، وأن الأسعار التي ارتفعت خلال الأشهر القليلة الماضية، مع كل زيادة في سعر الدولار بالسوق الموازية (السوق السوداء)، سترتفع مجددا  بعد أن قفز سعر الدولار في بعض البنوك إلى نحو 16 جنيها بعد ساعات قليلة من القرار، فيما كان سعره الرسمي 8.88 جنيها قبله، وكان قد بلغ أقصى سعر له قرابة 18.5 في السوق الموازية قبل تطبيق القرار.

وبعد “التعويم” ببضعة ساعات، صدر قرار آخر أدهش الكثيرين، وأشعل المزيد من الجدل والغضب والترقب، حتى بين قطاعات من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث جسد القرار الجديد ملامح موجات الغلاء المقبلة، فقد أعلنت وزارة البترول عن رفع أسعار عدة أنواع من الوقود بنسب تتجاوز 30% من أسعارها، فيما بقي “بنزين 95” الذي تستخدمه الطبقات الثرية عند سعره 6.25 جنيها لأن الدعم رفع عنه من قبل.

ويقول النائب محمد بدراوي، وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشعب المصري: المشكلة لا تكمن في قرار تحرير سعر الصرف، ولكن في كيفية إدارة هذا التحرير. حتى الآن هذا غير موجود. وأضاف: التقينا مع المسؤولين وقدمنا اقتراحات، وشعرنا بأن هناك قناعات بأكثر من مقترح، ولكن لم يتم التنفيذ.

وشهدت الأسعار ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبلغ معدل التضخم أعلى مستوى له منذ ثماني سنوات في شهر أغسطس الماضي بواقع 15.5%.

ويقول الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى الاقتصادي المصري، إن تعويم الجنيه بصورة حرة، قد يؤدي إلى رفع معدلات التضخم إلى 25 و26%، وهو ما لا يستطيع المواطن تحمله، والدولة تدرك ذلك.

ونشر صحفيون ومدونون قصصا ومقاطع فيديو حول توابع القرارين، وردود أفعال الشارع المصري.

ونقل الصحفي سامي عبدالراضي، لقطات حية على موقع فيسبوك من معاناته الشخصية خلال رحلة البحث عن البنزين في طريق الواحات، قبل أن ينفذ وقود سيارته على طريق السفر، وكشف عن حجم طوابير السيارات التي بلغت نحو كيلو متر على إحدى محطات الوقود الجديدة التي لا تشهد سوى إقبال محدود للغاية في المعتاد، وكان الزحام للفوز بلترات من البنزين قبل دقائق من ارتفاع سعره وفق القرار المفاجئ مع الساعات الأولى من صباح 4 نوفمبر.

ويكمن في خلفية العقلية الجماهيرية، تجربة مريرة حدثت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، خلال فترة ركود اقتصادي وتضخم، تسببت في موجات متتالية من غلاء الأسعار، حين بدأت حكومة الدكتور عاطف عبيد في تنفيذ قرار “تعويم الجنيه” في 29 يناير 2003، كان سعر الدولار حينها في البنوك قد بلغ 4.51 جنيه، وهو سعر صرف مركزي شبه ثابت، يسمح بتحريكه صعودا وهبوطا في حدود 3% فقط.

في اليوم التالي لتعويم الجنيه أعلنت مانشتات الصحف تراجعا كبيرا للعملة المحلية في مواجهة الدولار، وجاء عنوان تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”: “الجنيه المصري يفقد 17% من قيمته أمام الدولار بعد تحريره والبنوك وشركات الصرافة تعتذر عن عدم البيع”.

لكن في التعويم الحالي، فقد الجنيه نحو 45% من قيمته في أول يوم من تحرير سعر الصرف.

وتشير إحصاءات تاريخية على موقع tradingeconomics.com إلى استمرار صعود الدولار بشكل مستمر على مدار عامين متواصلين، بعد قرار تحرير سعر الصرف، إلى أن بدأ في الهبوط التدريجي مطلع عام 2005. واستمر السعر في الصعود والهبوط حتى استقر نسبيا عند 5.82 جنيه مع قيام ثورة 25 يناير 2011، بعدها بدأ السعر في الصعود تدريجا عقب استهلاك الحكومة لجزء كبير من الاحتياطيات النقدية الأجنبية، إلى أن بلغ 6.90 جنيه في 1 يناير 2014، وفي العامين التاليين حدثت قفزات متتالية لسعر الدولار، خلفت فجوة كبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.

ويقول محللون إن تحرير سعر الصرف من القرارات التي تخلف نتائج مؤلمة للمواطنين، لكنه له فوائد تتمثل في زيادة الصادرات نتيجة انخفاض أسعار السلع المنتجة محليا، وكذلك تنشط السياحة، حيث يستطيع السائح أن يقضي وقتا أطول ويحصل على خدمات وسلع أكثر بذات المبلغ الذي يرصده لجولته.

لكن الواقع في مصر يشير إلى تعثر في الإنتاج المحلي بعد إغلاق أعداد ضخمة من المصانع، دون سبب واضح، ولا توجد إحصاءات رسمية بعددها، ولكن التقديرات المتداولة إعلاميا، وعلى ألسنة المتخصصين، تقول إنها ما بين 700 إلى 7000 آلاف مصنع، كما أن الحديث المستمر في الإعلام المصري عن أن مصر في حالة حرب، وأنها تواجه الإرهاب، يؤثر سلبا على السياحة.

فما بين إدارة وصفها متخصصون بالفشل في تجاوز الأزمات الاقتصادية، ومزايا تحرير أسعار الصرف التي قد لا تستطيع مصر الاستفادة بها بالقدر المفترض، لأنها خسرت مئات وربما آلاف المصانع المنتجة، وسياحة تقلصت لنحو 9 ملايين سائح سنويا، فإن احتمالات اكتواء المواطنين بنار غلاء الأسعار، دون أن يحظوا بحلاوة مزايا انخفاض قيمة عملتهم باتت أكبر.