تعلق محمد طه (41 عاما) بتربية الحمام، وهو في الثامنة من عمره. ورث حب هذا الطائر متعدد السلالات، عن جده سيد داود، الذي كان واحدا من أشهر مربي الحمام “الثقيل” بمصر، وهو صنف من الحمام يضم سلالات كبيرة الحجم، مثل: الحمام الرومي (1300-1400 جرام)، والكينج (1000-1200)، وكان المصريون والعرب الذين يشتهون هذه الأنواع مكتنزة اللحم، يأتونه من كل مكان لشرائها.

وعلى الرغم من الأرباح والشهرة التي حظي بها الجد داود، إلا أن حفيده أحب الحمام بطريقة مختلفة، لا تنتهي بالأخير مشويا أو مقليا على موائد الطعام الفاخرة، بل ترفعه عليا محلقا في السماء.

وإلى جانب المتعة التي يشعر بها عاشق الحمام حين ينظر إلى سربه وهو يتألق عاليا، فإنه وجد هدفا يسعى إليه بحماس، ويحقق من خلاله ذاته، وهو تنقية سلالات الحمام “الغزار” الذي يعرف في الإنجليزية بـEgyptian Swift .

ويتميز “الغزار” بأنواع المختلفة بقصر منقاره، ويضم أنواعا مثل: “الصوافة”، و”البلق”، و”المساويد”، و”البنفسجيات”، و”المرقعات الحمراء”، وغيرهم. ومؤخرا، قرر طه أن يضع “المرقعات الحمراء” كهدف رئيسي يصنع به اسما بين عمالقة تربية “الغزار”، وهو نوع يتميز بطول جسمه، ولون ريشه الأحمر، وأطراف ريش جناحه بيضاء.

ويرى طه في “الغزار” ثروة قومية، يأتي العرب والأجانب لشرائها من مصر بمبالغ كبيرة، حيث إنها لا يوجد لها مثيل في العالم، على حد قوله. ويؤكد أن تلك الأنواع موجودة بمصر منذ آلاف السنين، لأنها ألفت بها مناخا وبيئة مناسبة لها، وهو ما يتفق معه عدد من أشهر مربي الحمام في مصر، والمواقع الإلكترونية المتخصصة.

لا توجد إحصائيات دقيقة بأعداد هواة الحمام “الغية” في مصر. وتعني كلمة “الغية” في العامية المصرية، البيت الخشبي الذي يعيش فيه الحمام المخصص للطيران، و”الغاوي”، هو مربي الحمام. ويعود الأصل العربي  للكلمة إلى “غوى”، أي أضل، لأن هذه الهواية تأخذ محبيها، وتجعلهم ينسون كل شيء عداها، إذا استسلموا لجاذبيتها. والحمام “الغية” يضم العديد من السلالات، وهو مخصص للاستمتاع باقتنائه، وبطيرانه فقط، وليس أكله.

وتشير إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التابعة للأمم المتحدة، لعام 2014، إلى أن مصر تمتلك نحو 13 مليون حمامة. لكن لا يوجد تصنيف لسلالاتها. وتكشف كثافة تواجد “الغيات” الخشبية، خاصة في المناطق الفقيرة والعشوائية، إلى أن حمام الغية يشكل بضعة ملايين من إجمالي ثروة الحمام التي تملكها مصر، وينتمي أغلبه إلى سلالات “الغزار”، و”الزاجل”، و”الكوشوك”.

ويشكل الحمام جزءا مهما من الثروة الداجنة في مصر، وتنتج المناطق الريفية الحصة الأكبر من الحمام المخصص للطعام، ، مثل “البلدي”، و”البري”، وهما الأكثر شيوعا في السوق المصري، على التوالي، حيث يتم تربية نسبة كبيرة منه في المنازل الريفية، فيما ينتج القسم الغالب منه بشكل تجاري في مزارع خاصة.

وتشكل أبراج الحمام الطينية الأماكن الأكثر شيوعا لإنتاج الحمام المخصص للطعام. أما حمام الزينة، بأشكاله الجميلة، فأعداد محدودة نسبيا، ويربى غالبا لدى محلات طيور وحيوانات الزينة، وبعض تجار حمام “الغية”.

وعلى الرغم من أن أعداد الحمام المخصص للطعام تشكل نسبة كبيرة من إجمالي هذه الثروة، حيث يتم إنتاجه بكثافة، وفي دورات زمنية قصيرة، لتلبية الطلب المحلي والدولي، إلا أن ارتفاع أسعار حمام “الغية” يعطيه وزنا اقتصاديا أكبر ضمن هذه الثروة القومية.

فبينما يبلغ سعر زوج الحمام “البلدي” أو “البري”  40 جنيها، فإن سعر فرد حمام الغية يتراوح ما بين 100 و10 آلاف جنيه، وربما يزيد عن ذلك إذا كان من سلالة نقية، ويتمتع بمواصفات قياسية جيدة.

ويتغذى الحمام بشكل عام على غلال محلية رخيصة الثمن، حيث يصل الكيلو الجيد منها إلى حوالي 6 جنيهات، وهو النوع الذي يفضل محمد طه أن يقدمه لحماماته.

وتتكون وجبات الحمام غالبا من توليفة من الذرة الصفراء، والذرة العويجة، والبزلاء المجففة، والفول، واللوبيا. كما توجد أعلاف مصنعة أرخص من ذلك. ويستهلك زوج الحمام ما بين 40-50 كيلو من العلف كل عام.

ويقسم طه حمامه الذي يشتهر بجودة مواصفاته القياسية إلى تصنيفين، جزء ينتج الأجيال الجديدة، ويضعه في مكان للتربية يضم أقفاصا من الخشب والسلك، يطلق عليه المحترفون “سلاكة”، وجزء آخر “للنش”، أي للطيران، وهم من الذكور، ويضعهم في “الغية”.

ويبلغ ارتفاع “غية” طه فوق سطح منزل عائلته، نفس ارتفاع المنزل ذاته تقريبا، حيث يتكون المنزل من 4 طوابق، طول كل منها 3 أمتار، فيما يبلغ ارتفاع “الغية” الخشبية 12 مترا. وعلى الرغم من أن “الغية” تحظى بنفس ارتفاع منزل عائلته، إلا أن الحمام يشغل مساحة من وقته لا ينالها أحد على الإطلاق، فهذا الطائر بالنسبة له، عشق، ومتعة، وتجارة، وهدف للحفاظ على ثروة قومية مميزة بالنسبة له ولكثيرين من أقرانه.

 

تصوير: ياسر خليل