بدأ أحمد علي (53 سنة) تجارة الخردة قبل نحو 30 عاما، خسر خلالها بضاعته 3 مرات في حرائق متفرقة، في “سوق الإمام الشافعي”، ومن بعده في “سوق التونسي”، بحي الخليفة، جنوب القاهرة، ومع ذلك ما زال متمسكا بتجارته التي يهواها منذ صغره. ويرى علي أن الدولة يجب أن تدعم تجار الخردة، بدلا من مطاردتهم، والتضييق عليهم، لأنهم يوفرون لها مليارات الدولارات سنويا، حسب وجهة نظره، فهم يعيدون تدوير السلع المستعملة، بدلا من تحويلها إلى نفايات، واستيراد سلع جديدة من الخارج “بالعملة الصعبة”.

وتعني كلمة “خردة” في اللغة: أشياء قديمة فقدت صلاحيتها ويمكن استعمالها من جديد في شكل ما. كما تعني أيضا: ما صغر وتفرق من الأمتعة. لكن، عمليا فإن تجار الخردة، ويطلق عليهم أيضا تجار الروبابيكيا، يتاجرون في كل شيء تقريبا، يمكن إعادة إصلاحه واستخدامه من جديد، أو حتى تفكيكه، وبيعه كقطع غيار متفرقة، أو كخامات ومعادن صالحة لإعادة التصنيع. ويمتد ذلك من دباسة المكتب، وحتى الشاحنات العملاقة، والمعدات الضخمة. ولكن في الغالب يتخصص كل منهم في قطاع معين من السلع.

وبينما يتحدث التاجر الذي يعمل حاليا في “سوق التونسي”، جاءت سيارة نقل صغيرة لتحمل قرابة 10 أجهزة تلفزيون قديمة، في طريقها إلى الإصلاح والتجديد وإعادة البيع، وأتى رجل آخر، أشار التاجر إلى أنه صاحب مركز صيانة، يأتي لشراء الغسالات والثلاجات القديمة لإصلاحها، وإعادة بيعها، كما يجمع قطع الغيار من الأجهزة التي تم تفكيكها بالسوق.

ويعد أحمد على واحدا من بين عشرات التجار الذين يعرضون بضائعهم على الأرض، وداخل خيام من القماش، وسط المقابر في شارع 16 بالسيدة عائشة، جنوب العاصمة.

ويأتي معظمهم من جنوب مصر، وكذلك من الدلتا. ويشتهر السوق بأنه يبيع كل شيء قديم “من الإبرة للصاروخ” على حد الوصف المجازي لرواد السوق، حيث يمكن الحصول على كافة المستلزمات المنزلية والمكتبية المستعملة، من أثاث خشبي، وأجهزة منزلية، وتحف إلى السيراميك، ومكونات الصرف الصحي (الفرز الثاني والثالث)، وغيرهم.

ويوضح الرجل الخمسيني أن تجار البضائع المستعملة يحصلون على معروضاتهم من خلال المزادات، وكذلك من تجار الروبابيكيا الصغار المتجولون في أنحاء القاهرة، وهم يفضلون البضائع القادمة من الأحياء الراقية، مثل مصر الجديدة، وجاردن سيتي، والمعادي.

ويتخلص بعض الأثرياء من سكان تلك الأحياء من مقتنياتهم قبل أن تبلى تماما، ويقومون بتحديث منازلهم بشكل مستمر، وهو ما يوفر للتجار بضائع ذات سعر رخيص للغاية، ويمكن بيعها بأسعار تدر عليهم أرباحا كبيرة بعد تجديدها.

ويعد “سوق التونسي” رغم شهرته الواسعة بين المصريين، حجرا صغيرا في مملكة تجارة الخردة التي تقبع بعيدا عن أعين العامة. وبينما لا توجد تقديرات رسمية توضح حجم هذه التجارة، فإن بعض الأرقام التي يتداولها التجار، تشير إلى أنها تتراوح ما بين 30 إلى 50 مليار جنيه سنويا.

وتمثل “اللوطات” التي تطرح في مزادات من قبل بعض الجهات الحكومية، والشركات العامة، والبنوك، والمؤسسات الخاصة، الجزء الأكبر من هذه التجارة.

وتتباين مكونات تلك “اللوطات”، فهي تبدأ من المعدات المكتبية الصغيرة، وفضلات الحديد والأخشاب، وحتى السيارات وأتوبيسات النقل الكبيرة التي يتم الاستغناء عنها، وكذلك معدات المصانع، وخطوط الإنتاج الضخمة التي تجاوزها الزمن، أو التي تتبع بعض المصانع المتوقفة عن العمل.

ويروي على أنه اشترى غرفة نوم من مصر الجديدة بحالة جيدة (لم يحدد سعر شرائها)، وقيمتها الحقيقة تبلغ نحو 30 ألف جنيه مصري، وقام بعد تجديدها، ببيعها لمحام شاب مقبل على الزواج بـ10 آلاف جنيه فقط.

ويعمل السوق بشكل أساسي يوم الجمعة، ويبدأ التاجر المخضرم وزملائه يومهم من الساعة السادسة صباحا وحتى غروب الشمس، ويفضل بعض المواطنين القدوم مبكرا إلى السوق، ليحظوا بأفضل ما يتم عرضه قبل غيرهم. وتبلغ تعاملات السوق في ذلك اليوم بضعة ملايين من الجنيهات وفق تقديرات علي وبعض التجار بالسوق.

ويستقبل “سوق التونسي” الزائرين بأعداد أقل بقية أيام الأسبوع، وتتم صفقات بشكل يومي تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات، لكن معظمها مع تجار آخرين من مناطق متفرقة، وكذلك مع فنيين يأتون للحصول على قطع غيار لطيف واسع من الأجهزة والمعدات.

وبينما يقوم أحمد على وأقرانه في السوق ببيع السلع، وقطع الغيار، يفرزون المعادن المستخرجة من الأجهزة المفككة، والمعدات التالفة، ويبيعونها لمصدرين يتلهفون لشراء النحاس، والحديد، والألمونيوم، والبلاستيك لتلبية طلبات بعض الدول، وعلى رأسها الصين.

وعلى الرغم مما يعكسه حديث الرجل الخمسيني من كون تجارة الخردة منجم ذهب، إلا أنه يكشف تخوفات من قرارات مرتقبة للحكومة بنقل السوق إلى مكان آخر، ربما تؤثر على إقبال الزبائن على السوق، فمرة يعلن المسؤولون عن نقله إلى مدينة 15 مايو (شرق منطقة حلوان وعلى بعد 35 كم من القاهرة)، وأخرى عن تخصيص مساحة 10 آلاف متر له في منطقة البساتين المجاورة.

 

تصوير: ياسر خليل