فتح كرم غالي (41 عاما) عينيه على الحياة، ليجد نفسه وسط مستودعات النفايات التي تملكها عائلته في حي الزبالين، بمنطقة منشأة ناصر، الواقعة في غرب القاهرة. ولأن جمع وفرز القمامة، والتجارة في محتوياتها يدر أرباحا كبيرة، لم تهتم عائلته بإرساله إلى المدرسة، واكتفت -مثلما يفعل غالبية أبناء الحي- بتعليمه أصول الصنعة، ليستكمل مسيرة أجداده الذين أسسوا هذه المهنة، التي ظلت لفترة طويلة بعيدة عن الأضواء، بعد قدومهم من جنوب مصر قبل نحو 70 عاما.

ويضم حي الزبالين قرابة 60 ألف نسمة، تعمل نسبة كبيرة منهم في جمع وتجارة المخلفات. وتكتظ أسطح المنازل التي يصل طول معظمها لنحو 5 طوابق، بأجولة القمامة.

ويعيد الحي الذي بني على منحدرات هضبة المقطم، تدوير قرابة 2000 طن من أصل 15 ألف طن تنتجها العاصمة يوميا، ويستخرجون منها بشكل رئيسي، الورق الكرتون، والبلاستيك، وعلب المشروبات الغازية “الكانز” (المصنعة من الألمونيوم)، التي تباع لتجار ومصانع متخصصة في الحي وخارجه لإعادة تصنيعها، إضافة إلى المخلفات العضوية التي يستخدمونها في إطعام الخنازير.

وربما يحقق سكان حي الزبالين أعلى نسب تدوير للقمامة في العالم، حيث تبلغ نحو 80% من المخلفات، وتصل المتوسطات العالمية لما يناهز 50%. وتتميز عملية الفرز في الحي، بأسلوبها اليدوي الدقيق، وخبرة توارثتها الأجيال على مر عقود متتالية، تدفعها أرباح يحققها التاجر وعائلته كلما قام بفرز جيد لحصيلة القمامة التي جمعها، وهو ما لا يتوفر للشركات، والجهات الحكومية التي تعمل في هذا المجال، والتي تعتمد على عمالة غير مدربة، وتؤدي وظيفة بأجر زهيد للغاية.

ويبدو كرم غاضبا -هو والعديد من أبناء حيه- من الدخلاء على المهنة، بعد أن سلطت عليها الأضواء في السنوات الماضية، وكشفت أسرار كنوزها، ومعترض على السياسات التي تتبعها الدولة مؤخرا بشأن جمع وإعادة تدوير القمامة، من خلال أكشاك تشتري النفايات من المواطنين.

واعتاد جامعو القمامة على تحصيل رسوم شهرية تتراوح ما بين 5 و10 جنيهات مصرية من كل وحدة سكنية، على الرغم من أن تلك الوحدات تسدد 5 جنيهات كرسوم للنظافة، تضاف إلى فواتير استهلاك الكهرباء.

وبلغت قيمة ما حصلته وزارة الكهرباء من هذه الرسوم على مستوى الجمهورية، نحو 700 مليون جنيه في العام 2016 وفقا للبيانات الرسمية. وفي ذات العام دفعت محافظة القاهرة وحدها قرابة 500 مليون جنيه لشركات أجنبية مسئولة عن نظافة عدة أحياء بالقاهرة. وتمول الحكومة العجز بين ما يتم تحصيله من رسوم، وما يتم دفعه للشركات الأجنبية، التي يؤكد المسئولون الحكوميون، والمواطنون، فشلها في القيام بالأعمال الموكلة إليها.

ويخلف المصريون قرابة 47 ألف طن قمامة يوميا. وبينما ينفي كرم والعديد من زملائه أن قيمة طن المهملات تتراوح ما بين 3000-6000 جنيه وفقا لما نشرته تقارير صحفية، وما يتداوله المواطنون ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي. أعلنت محافظة القاهرة في مارس 2017 أسعارا رسمية لشراء بعض مكونات النفايات.

وتشمل قائمة الأسعار التي أعلنت عنها المحافظة: 9 جنيها لكيلو علب “الكانز”، 3 جنيهات لكيلو البلاستيك، 1 جنيه لكيلو الكارتون، 80 قرشا لكيلو الورق، 20 قرشا لكيلو الزجاج، وبدأت المحافظة بمنطقة مصر الجديدة التي تضم سكانا من طبقة الأثرياء، والطبقة المتوسطة العليا، على أن تعمم التجربة ببقية المناطق، وتعلن أسعار المكونات الأخرى حال نجاح التجربة. وتختلف مكونات القمامة من منطقة لأخرى، وفقا للمستوى الاجتماعي، وطبيعة المنطقة (حضرية أم ريفية)، والحالة المادية لسكانها.

وتتراوح أسعار “الكانز” المتداولة في السوق وعلى الإنترنت ما بين 8000-12000 جنيه للطن، والكرتون ما بين 700-1000 جنيه للطن، والبلاستيك ما بين 3000-8000 جنيه للطن حسب جودة ونوعية البلاستيك.

ويؤكد كرم غالي ومجموعة التجار وجامعي القمامة بالحي قدرتهم على القيام بتنظيف القاهرة التي تعاني من تكدس القمامة في شوارعها، حيث تجمع الشركات نسبة تصل إلى 65% فقط، ويرفع جامعو القمامة ما يناهز 15%، ويترك الباقي في الشوارع، خاصة الشوارع الجانبية. ويقول نحن 1 مليون شخص يعملون بهذا المجال على مستوى الجمهورية، ونستطيع تولي نظافتها، ولسنا بحاجة إلى الشركات الأجنبية التي تحصل على الكثير، وتعطي القليل، وتحاربنا في لقمة عيشنا التي ليس لنا مصدر رزق غيرها، على حد قوله.

 

تصوير: ياسر خليل