فازت شركة يملكها أمين شرطة سابق بمزاد لإدارة مركز تجاري كبير وسط العاصمة المصرية. ومن المقرر أن تدفع هذه الشركة مبلغا قدره 35 مليون وستمائة ألف جنيها، أي ما يزيد عن ثلاثة ملايين يورو ونصف سنويا لمحافظة القاهرة، كإيجار لمدة عشر سنوات.

هذا المركز هو مركز “البستان” الواقع في قلب القاهرة، أما الشركة الفائزة فهي شركة صغيرة لا تاريخ لها في إدارة المراكز التجارية، ولا رأسمال، يرأسها أمين شرطة، ويلفها الكثير من الغموض.

فازت شركة يملكها أمين شرطة سابق بمزاد لإدارة مركز تجاري كبير وسط العاصمة المصرية. ومن المقرر أن تدفع هذه الشركة مبلغا قدره 35 مليون وستمائة ألف جنيها، أي ما يزيد عن ثلاثة ملايين يورو ونصف سنويا لمحافظة القاهرة، كإيجار لمدة عشر سنوات.

هذا المركز هو مركز “البستان” الواقع في قلب القاهرة، أما الشركة الفائزة فهي شركة صغيرة لا تاريخ لها في إدارة المراكز التجارية، ولا رأسمال، يرأسها أمين شرطة، ويلفها الكثير من الغموض.

عشرة طوابق للانتفاع

لنعد أولا إلى تاريخ مركز البستان. فقد أسست شركتان عقاريتان هذا المركز قبل 26عاما بموقع كان أطلالا لواحد من قصور أسرة محمد علي، وذلك بنظام البناء والانتفاع، ثم نقل الملكية،  B.O.T.

خلال هذه الفترة أسست شركة مركز البستان التجاري لإدارة هذا الكيان التجاري الكبير، ومع نهاية التعاقد في مارس/آذار 2015 عادت ملكية المركز التجاري وكراجه متعدد الطوابق لمحافظة القاهرة، لتبحث عن مُنتفِع جديد.

مرّ المركز المُكوّن من عشرة طوابق بمراحل عدة بدأت بالمركز الإداري، ثم غزته تجارة بيع الملابس الجاهزة المستوردة من تركيا والصين، مع المطاعم وقاعات لعب البلياردو، ليكون ملتقى لشباب التسعينيات في وسط العاصمة بالتزامن مع انتشار ثقافة المراكز التجارية.

وفي الفترة من أواخر التسعينيات، بالتزامن مع انتشار شبكة الانترنت، تحوّل المركز التجاري إلى نشاط جديد، عبر بيع أجهزة الكمبيوتر ومستلزماته سواء كانت جديدة أو مستعملة، ومع حلول العام 2004 سيطر هذا النشاط على المركز.

مَن سيدفع الفاتورة؟

في أبريل/ نيسان 2015 نظمت المحافظة مزادا جديدا، لكنها لم ترض عن العروض المقدمة من الشركات وعلى رأسها الشركة المؤسسة، فقد كانت تتوقع مبلغاً يقارب 18 مليون جنيه سنوياً.

وفي 26 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي نظم مزاد آخر لتفوز به شركة جديدة، تسمى “الشركة الذهبية”، أُسست كمنشأة فردية مملوكة لرجل الأعمال المصري طارق بلال، قبل أيام من المزاد.

ويخشى المنتفعون بحوالي 400 محلا في هذا المركز التجاري من أن توصلهم هذه الشركة حديثة النشأة إلى الخسارة أو الإفلاس.

فهذه الشركة الفائرة منشأة فردية، وهي بتعريف القانون شكل مبسط من الشركات لا يشترط  لانشائها سوى توفر بطاقة ضريبية وسجل تجاري، دون وجود رأس مال محدد، ولا تزيد رسوم تسجيلها عن 25 جنيها (أقل من ثلاثة يورو).

يقول ياسر عبد المجيد، من المنتفعين بواحد من محال المركز: “إن صاحب الشركة الجديدة ليست لديه خبرة في مجال إدارة المولات، وثمن حق الانتفاع الضخم الذي يدفعه للمحافظة سيدفعه المنتفعين الصغار من العاملين بمحال المركز”. 

وبناء على النزاع القائم بين الشركة الفائزة والمنتفعين من المحال التجارية، حاولت المحافظة إخلاء المركز فرفض المنتفعون والعاملون.  

وتتزايد اليوم مخاوف 136 مُنتفِعا، من أن يدفعوا فاتورة المُنتفِع الجديد الضخمة للمحافظة في حال فشلت في إدارة المركز. وقد حرّك هؤلاء دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد قرار محافظ القاهرة السابق بتنظيم المزاد الأخير وما ترتب عليه، ومن المنتظر أن يصدر حكمها بجلسة 31 مايو/أيار القادم. ورفضوا مرة جديدة إخلاء المركز الذي لم تتسلمه الشركة الذهبية إلى الآن.

حياة الأمناء

خلال مؤتمر صحفي عقد بالمركز في  30 مارس/ آذار 2016 أعلن المنتفعون أن صاحب شركة الذهبية كان في الأصل أمين شرطة ثاني بقسم السلام، مدينة السلام (شرق القاهرة). وهي معلومة ليست بالهامشية لمن يعلم أوضاع أمناء الشرطة في مصر ومستوى تعليمهم ودخلهم وطبيعة عملهم.

وتعد فئة أمناء الشرطة من الفئات المعاونة للضباط إلى جانب المساعدين (المُخبرين) والعساكر، إلا أنها فئة أكثر تنظيما حيث يتخرج أفرادها في معهد جامعي يتبع وزارة الداخلية.

أما مسار حياة الأمناء فلا يتشابه مع حياة الضباط، التي تعد قمة طموح أي أمين. وتتشكل هذه الحياة من ست محطات تبدأ برتبة “أمين ثالث”، وحينما يرتقي يصير ثانيا فأولا، ثم يكون أمامه فرصة ليصبح “ممتازا”. بعد ذلك تكون أمام الأمين الممتاز رتبتين الأولى، والثانية. وبعد الخدمة لما يقارب من 24 عاماً يمكن لهذا الأمين المكافح أن يصبح ضابطا إذا التحق بفرقة تأهيل بأكاديمة الشرطة لدراسة القانون.

لكن المُنتفِع الجديد بالمركز صنع لنفسه فرصا أخرى حينما ترك الخدمة، في أواخر الثمانينيات، ليتحوّل إلى رجل أعمال.

وبعد أن رسى المزاد على أمين الشرطة السابق هذا، هدد العاملون بالمحال بالدخول في إضراب جزئي عن الطعام، وأنهم سيعتصمون بالمركز إذا لم تقم المحافظة مزادا جديدا.

فهؤلاء بحسب لقاءات أجراها “مراسلون” مع عدد منهم يعتبرون أن حق الشركة في الانتفاع بالمركز “باطل” لعدم توافر الشروط المعلنة لدخول المزاد في الشركة الفائزة، فهي لم تقدم الميزانية الخاصة بثلاث سنوات سابقة ولا تتوافر لديها الخبرة في مجال إدارة المراكز التجارية، فضلا عن أنها حديثة النشأة.

كما يشكك المنتفعون بالمحال في كون صاحبها طارق بلال حسن السمعة، فقد سبق أن أدين هذا الرجل في حكميَن بالنصب، أولهما صدر في العام 2013 بالحبس لمدة ستة أشهر، والأخير لمدة ثلاث سنوات في 2014، وتحتفظ “مراسلون” بنسخ من هذه الوثائق والأحكام.

ورغم أن المُنتفِع لم ينفد الحكميَن، فقد تعاقدت معه محافظة القاهرة على صفقة جديدة، بينما يؤكد سكرتير عام محافظة القاهرة، اللواء محمد البنداري، على صحة المزاد، والموقف القانوني للمُنتفِع الجديد.

علاقة متجددة

حاولنا التواصل مع الشركة الجديدة، لكن لم يُجدِ بحثنا في العثور على أية طريقة للتواصل معها، حيث لا تتاح عنها أو صاحبها أية معلومات، وليس من المعروف أين مقرها، كما لم تسجل أرقام هواتفها في خدمات الإتصال أو دليل أعمال مصر، بل إنها حتى لم تؤسس لموقع إلكتروني.

وإذا تأمّلنا نشاط المُنتفِع الجديد سنجد أنه قد فاز بصفقة في العام 2002 من محافظة القاهرة بشأن حق الانتفاع لمساحة 50 فدانا ليؤسس “ميناء البرادات البري” على طريق السويس القاهرة، لتكون ساحة لانتظار سيارات نقل المواد سريعة التلّف والسوائل. وحددت قيمة هذا الحق بـ 15 مليون و330 ألفا، وذلك لمدة 25 عاماً، كما حددت قيمة تنفيذه بمائتي مليون جنيها.

لم تفلح كافة محاولات طارق بلال في إنقاذ هذا المشروع المتعثر. فقد سعى خلال أكثر من 14 سنة للضغط من أجل تشريع قوانين تلزم شاحنات النقل بتفريغ حمولاتها بساحته، حيث تحكم قواعد صارمة حركة هذه السيارات داخل العاصمة، وفقا لتصريحات سابقة له في وسائل إعلام مصرية.

كما حاول بلال جذب أموال قطرية لتمويل المشروع، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، أيضا وفق تقارير صحفية. ورغم تعثره لا يزال الحكم المحلي بالعاصمة مصرا على دخول صفقات اقتصادية معه.