رغم غياب خدماته عن بعض ضواحي القاهرة إلا أن ذلك لا ينفي كون مترو الأنفاق شريانا للحركة والتنقل داخل العاصمة المزدحمة.

يصل متوسط ركاب قطاراته في اليوم الواحد إلى ما يزيد عن 2 مليونا (حوالي 2612415).  بين حين وآخر تتوقف حركة سير قطارات المترو، ثم تعود بعد دقائق معدودة.

رغم غياب خدماته عن بعض ضواحي القاهرة إلا أن ذلك لا ينفي كون مترو الأنفاق شريانا للحركة والتنقل داخل العاصمة المزدحمة.

يصل متوسط ركاب قطاراته في اليوم الواحد إلى ما يزيد عن 2 مليونا (حوالي 2612415).  بين حين وآخر تتوقف حركة سير قطارات المترو، ثم تعود بعد دقائق معدودة.

خلال هذه الدقائق يتم فصل التيار الكهربائي عن قضبان المحطة وإيقاف حركة كافة القطارات. يتجمد المرفق الكبير لمدة 12 دقيقة ليتم رفع جسد شخص كان قد قفز من فوق رصيف المحطة نحو القضبان المكهربة وأمام القطار. حدث ذلك يوم 22 يناير/ كانون ثاني، الماضي، بمحطة العتبة، وسط العاصمة. هذا المُنتحِر لم يكن يحمل بطاقة هوية، وقد انهى حياته في المنتصف الأول من الثلاثينيات، لم تكشف جهات التحقيق بيانات أكثر دقة. تكرر الحادث في اليوم التالي، لكن بمحطة أخرى هي المظلات، شرق القاهرة، لتتوقف حركة السير لمدة 10 دقائق. حدث ذلك في يومي عطلة، جمعة وسبت. أما يوم الأحد ( 24 يناير/ كانون ثاني) في محطة فيصل بمحافظة الجيزة، قفز الشاب فايد أمام القطار لينهي حياته عن عمر 27 عاماً. دفنت جثته دون تشريح بعد إقرار أسرته أنه كان يعاني من حالة نفسية سيئة لعدم عمله.

نحاول هنا تناول نهاية حياة كل منتحر بشكل أكثر عمقا من تأثير ذلك على حركة سير القطارات.

وقف حركة الحياة

هناك شخص ينهي حياته كل 40 ثانية حول العالم حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. كما يعتبر كتاب “الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية” الصادر عن المنظمة الدولية أن تصريح أي شخص برغبته في قتل نفسه يعتبر مؤشرا خطيرا يتطلب خضوع صاحبه لتقييم من جانب متخصص في الطب النفسي. التفكير في الانتحار أمر وارد، لأنه نتاج للشعور بالعجز عن مواجهة مشكلة. لكن يجب الانتباه حينما تتحول هذه المسألة إلى وضع خطة  ومحاولة تحقيق ذلك. تكمن المشكلة كذلك عدم لجوء الكثير من المصريين للعلاج النفسي. قد يكون الشخص مكتئبا، ويفكر بالانتحار، دون أن ينتبه المحيطون به طالما أنهم يرونه يأكل ويشرب مثلا!

إيذاء الذات عن عمد

من ناحية أخرى لا تتوافر إحصائيات رسمية دقيقة بشأن عدد حالات الانتحار في مصر.

رصدت مدونة “دفتر أحوال”، وهي منصة إعلامية مستقلة، قيام 165 شخصا بإنهاء حياتهم في النصف الأول من العام الماضي بمصر. ستة ذكور، تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخامسة والأربعين، قد انهوا حيواتهم بمحطات مترو مختلفة.

لا يأت ذكر للجهات الرسمية لوجود حالات انتحار، لكن بالبحث داخل التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء سنجد أن كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن الجهاز الرسمي يحتوى على تسجيل لـ  155 حالة وفاة في العام 2013، وقد كان السبب: “إيذاء الذات عن عمد”. من ضمن هذه الحالات تسبب 129 ذكرا بإنهاء حياته، بينما لم يتجاوز عدد الإناث 20. اللافت أن هذا السبب لم يأت ذكره مرة أخرى في الكتب الخاصة بالسنوات التالية!

بينما تقدر منظمة الصحة العالمية 1264 حالة انتحار جرت في مصر قبل أربعة أعوام منها 433 إناث، و831 من الذكور. لكن لا يمكن التوصل لأرقام أكثر دقة بشأن عدد حالات الانتحار في البلد الذي تجاوز تعداده رقم 90 مليوناً.

نعرف الحقيقة وسننكرها!

ينص القانون رقم 143 لسنة 1994 بضرورة الإبلاغ عن حالات الوفاة لدى مكاتب الصحة، التابعة لوزارة الصحة المصرية، خلال 24 ساعة. يشير طبيب، رفض ذكر اسمه، إلى أهمية التشكيك في حكايات الأهل. تكون أغلب هذه الحكايات من أجل الحصول على تقرير وفاة يفيد بأن الوفاة كانت طبيعية نتيجة لهبوط حاد في الدورة الدموية أو نزلة معوية.

محاولات الهروب من الوصم، إذا عرف أن الوفاة كانت انتحارا، تمنع وجود معدلات دقيقة. كما يتواطؤ بعض الأطباء مع أسرة المتوفي هربا من الوصم.

يقول الطبيب النفسي أحمد أبو الوفا مدير إدارة الإعلام بالأمانة العامة للطب النفسي: “معدلات الانتحار في مصر ليست كبيرة، بل أقل من المعدلات العالمية، لكن لدينا بدائل للانتحار”. يشير أبو الوفا إلى أن العديد من الممارسات تعتبر بديلة للانتحار، مثل العيش حسب الحد الأدني. أن يترك شخص عمله، ويمكث في منزله لأسابيع دون أن يتحدث مع أحد، هذا الشخص يجب أن يخضع لمتابعة مع طبيب نفسي لأن ما يحول بينه وبين الانتحار هو التحريم المرتبط بهذا الفعل فقط، مثل عدم إجراء صلاة الجنازة على جثته إذا كان مسلما أو صلاة الكنيسة إذا كان مسيحيا.

بلا رسالة

تزامنت حوادث الانتحار الثلاثة، التي أخذت من محطات المترو مسرحا لها مع مرور الذكرى الخامسة للثورة المصرية، هل كان ذلك من أجل الاحتجاج السياسي؟

لا يرى الطبيب النفسي أحمد أبو الوفا أن هناك دلالة واضحة لهذه الحوادث ألا كونها تحرك احتجاجي ضد الحياة. يحتمل أن يكون المُنتحِر مريضا نفسيا أو يريد أن يقدم رسالة. لكن التفسير الأخير يتطلب أن يكون لدى هذا المنتحر إرادة ورغبة في تقديم رسالة قوية، ومن يريد أن ينهي حياته لأنه عاجز عن تغييرها بالتأكيد لن يفكر في الآخرين ويقدم لهم هذه الرسالة، حسبما يقول أبو الوفا.

لا تتوقف حوادث الانتحار في مصر. جرى مؤخرا أكثر من حادث منها وقف طبيب لحياته  في سن الواحدة والخمسين، عن طريق الشنق بمنزله الخالي بعين شمس، (شرق العاصمة)، كما تناولت سيدة، بمحافظة البحيرة، لمادة سامة.  لتنهي الزوجة في عمر الرابعة والعشرين حياتها بعدما تأكدت أنها لن تصبح أماً.. لهذا تبرز أهمية خدمة الأمانة العامة للطب النفسي لتقديم خط اتصال ساخن يقدم مشورة نفسية. هذه الخدمة ستكون خطوة أولية لإعادة التفكير في مسألة إنهاء الحياة، سواء لمن سبق لهم المحاولة في الانتحار أو يفكرون فيه، بدلا من لوم الضحية أو تجاهل وجود هذه الفكرة الخطيرة برأس أي شخص.