لما كان القرآن الكريم هو النص الأساسي في الحضارة الإسلامية، كان الحفاظ عليه كنص، من حيث خطوط كتابته وتجليده وتزينه أحد الفنون التي تميزت بها تلك الحضارة، وهو ما جعل الحاج رضا مرجان يفخر بأنه قام بتجليد مصحف عثمان –الخليفة الثالث بعد النبي محمد والذي أمر بكتابة القرآن- ضمن آثار الرسول المحفوظة في مسجد الحسين بقلب القاهرة الفاطمية. رضا مرجان الذي سافر للعديد من البلاد العربية والأوربية لحضور فعاليات ومعارض تتعلق بتجليد وترميم الكتب، ورث المهنة عن أبيه الذي ورثها بدوره عن أبيه، إذ هي مهنة العائلة.

***

يتكلم الحاج رضا بمنتهى الشغف عن مهنته: “مهنة تجليد الكتب هي مهنة ذهنية بالأساس حيث تعتمد على الحس الفني، وهي كذلك مهنة الدقة والاتقان؛ حيث تتطلب تحديدا مختلفا للمقاسات بما يتناسب مع حجم كل كتاب”.

***

يفرح الرجل عندما نسأله عن مراحل التجليد، ويتحدث مبتسما: “تبدأ بتفكيك الكتاب، ثم الخياطة اليدوية، فقص حواف ملازم الكتاب، يليها عملية الغراء الأحمر، ثم وضع الشاش على الكعب، يتلوه وضع حبكة (شريط زينة) في أعلى وأسفل كعب الكتاب تاركا إياه حتى يجف. ثم تبدأ مرحلة أخرى من مراحل التجليد حيث يتم تفصيل الكرتون المقوي بدقة، ثم تفصيل و قص جلد الماعز، فيبدأ بقص الجلد الخاص بكعب الكتاب، وبعد ذلك يتم غراء الجلد بغراء نباتي، حيث يتم لصقه بالكرتشينة (الكرتون)الكعب أولا،  ثم لصق كرتون وجهي الكتاب بعد ذلك يتم لصقه مع ملازم الكتاب، ويترك مدة من الوقت حتى يجف الغراء.

يلي ذلك مرحلة أخرى من مراحل التجليد، والتي يقوم بها شقيقه الحاج أشرف حيث يقوم بترقيم الكتاب لبدء مرحلة الكتابة على الكعب مستخدما في ذلك صندوق الأحرف المعدنية المسبوكة، يبدأ بجمع أحرف عنوان الكتاب واسم الكاتب ورقم الكتاب، حيث يحفظ مكان كل حرف منها. يلي ذلك عملية وضع الأحرف في “الكمباز” المسخن على الموقد، يليه وضع الورق المذهب على كعب الكتب والضغط عليه بالكمباز ليتم طباعة الأحرف. يشير الحاج أشرف إلى أن هذه المرحلة لها مشاكل عديدة فهي من ناحية تتطلب تركيزا عاليا في عملية جمع الأحرف ومعرفة طريقة الضغط علي الورق المذهب، وقليلون من يستطيعون القيام بهذه العملية بدقة. يضاف لذلك مشكلة نقص الحروف في السوق نظرا لغلق معظم المسابك”

أما المرحلة الأخيرة من التجليد مع الحاج رضا حيث يتم تلبيس الكتاب بغراء الجلد ويلصق على غلاف الكتاب يليه غراء البطانة ولصقها بالغلاف من الداخل.

***

يخشى الحاج رضا على مستقبل مهنته.. “فعدد العاملين في المهنة قليل، والشباب لا يرغب في ممارستها نظرا لقلة الدخل في البداية، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على استمرارية المهنة. التحدي الثاني هو ارتفاع اسعار الخامات بطريقة مبالغ فيها، ولعل هذا الأمر كان سببا في إغلاق العديد من ورش تجليد الكتب”.  

ولأن التجليد اليدوي كما يراه رضا مرجان فن من الفنون المصرية القديمة، يتمنى من الدولة المحافظة عليه، إما عن طريق انشاء مدرسة لتعليمه وإما عن طريق إقامة ورش دائمة لخلق أجيال جديدة من الفنيين في هذا المجال، ويختم حديثه قائلا: “لا شك أن جيلنا من الصناع لن يتأخر عن المساهمة في هذا الجهد لو تم رعايته من جانب الدولة..لو”.