داخل “مصبغة العمال” بحي الدرب الأحمر في القاهرة الفاطمية، وسط درجة الحرارة المرتفعة، وحيث يغطي بخار الماء المكان، يقف الحاج سلامة بكل نشاط، رغم بلوغه الثمانين من العمر، بجوار أولاده وأحفاده، يحرص على ادارة المصبغة والعمل بنفسه في الوقت ذاته.

يبتسم سلامة وهو يحكي لنا عن رحلته مع الصباغة: “اشتغلت في عدة مهن لكني أحببت مهنة الصباغة، فقد كان لها ميزة حيث إن ألوان الصباغة كانت تترك أثرا في اليد، وكان المخبرون أيام الملك فاروق يلقون القبض على الأطفال السائرين في شوارع المناطق الشعبية بتهمة التسول، فمن وجدوا على يديه آثار العمل تركوه لحال سبيله”.

أما المصبغة نفسها فيقول الحاج سلامة أنها تأسست عام 1901 وكانت ملك سيدة يهودية، وحين هاجرت من مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر انتقلت ملكيتها إلى الأوقاف فاستأجرها الرجل في عام 1974.

***

يقول الحاج سلامة أن الصباغة ليست متعبة من الناحية الجسدية فقط بل أيضا بها مجهود ذهني حيث يجب أن يكون الصباغ مبدعا في تحضير المقادير وخلط الصبغة وإضافة بعض التركيبات لتكوين اللون المطلوب والمحافظة علي لون الخامة بنفس الدرجة والجودة.
وتبدأ مراحل عملية الصباغة كما قال سلامة بالمرحلة الأولية التي تتمثل في فك الخامة التي قد تكون خيوط بأنواع مختلفة (حرير, أقطان, صوف)، وبعد ذلك ترفع لفافات الخيوط إلى حوض الصبغة وتقلب عدة مرات ثم توضع الخيوط بماكينة العصر، وفي النهاية يتم نشرها على ألواح خشبية في سطح المصبغة  لتجف.

وعن الفرق بين المصبغة البلدي ومصنع الصبغة الكبير، قال الحاج سلامة: في المصنع أقل  سعة للماكينات هي ربع طن أو نصف طن، كما أن الماكينات تقوم بصباغة اللون فقط،  بينما يتم صبغ عدة ألوان بالمصبغة البلدي في الوقت ذاته كما أننا نصبغ طلبيات صغيرة من عدة كيلوات وحتى الطلبيات الكبيرة التي تزن عدة أطنان.

كما أننا نقوم بصبغ ريش العام و ريش الحمام لمهندسي الديكور, فمصبغتي تحقق رغبات الجميع، لذلك عندي 157 زبون من شركات وتجار وورش وأفراد، من أسوان حتى الإسكندرية، و من السعودية, السودان, ليبيا, وسوريا قبل الحرب, كما لدي أيضا زبائن من أجانب من ألمانيا وهولندا وايطاليا، يتعاملون مع مصبغتي منذ زمن لجودة الصباغة لدي فضلا عن الأمانة في التعامل.

وفي ختام زيارتنا لمصبغة الحاج سلامة، سألناه عن مستقبل مهنة الصباغة البلدي فأجاب: رغم قلة المصابغ إلا أنها لازالت تعمل، وكل المهن في عموم مصر تعاني بسبب الظروف التي تمر بها البلد، لكن ما يميز بقاء مهنة الصباغة البلدي أنها مرتبطة بوجود الملابس.