لأول مرة صار في مصر ثلاثة رؤساء سابقين في خلال عامين، حسني مبارك، عدلي منصور، ومحمد مرسي، صدر بحق الأخير حكما أوليا بالإعدام، وأحكام أخرى بينما تستمر محاكمته في قضايا أخرى، وفي نوفمبر/تشرين ثاني القادم تبدأ جولة ثالثة من محاكمة مبارك وحده، بسبب قتل المتظاهرين في 2011،  بينما يدخل السيسي عامه الثاني بلا برلمان، مثلما بدأ أوله.

المشهد الأول

 لأول مرة صار في مصر ثلاثة رؤساء سابقين في خلال عامين، حسني مبارك، عدلي منصور، ومحمد مرسي، صدر بحق الأخير حكما أوليا بالإعدام، وأحكام أخرى بينما تستمر محاكمته في قضايا أخرى، وفي نوفمبر/تشرين ثاني القادم تبدأ جولة ثالثة من محاكمة مبارك وحده، بسبب قتل المتظاهرين في 2011،  بينما يدخل السيسي عامه الثاني بلا برلمان، مثلما بدأ أوله.

المشهد الأول

قبل عام من الآن كان المصريون يحتفلون بنتيجة كانوا يعرفونها مسبقاً، حيث توافد بعضهم على ميدان التحرير بمناسبة تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر. وقد شهد حفل التنصيب اغتصاب سيدة، وكان من أوائل أنشطة الرئيس الجديد زيارة لمستشفى للاعتذار لسيدة لا نفضل ذكر اسمها الآن، لترتاح من شهرة لا تريدها.

وبعد أيام من توليه مقاليد الحكم أصدر عبد الفتاح السيسي قرارا بتشكيل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، وذلك في 15 يونيو/حزيران 2014، ليبدأ عهده بتشريع القوانين، ليصل عددها خلال عام واحد أكثر من 21 قانونا، رغم وضع الدستور شرطا واضحا يسمح للرئيس، في حالة عدم وجود برلمان، بسلطة تشريع وإصدار القوانين إذا كان ذلك في حالة الضرورة القصوى.

لكن يبدو أن عام السيسي كان إجمالا يسير وفق منطق الضرورة القصوى، بينما بقيت الخطوة الأخيرة مُعلقة حيث لم ينتخب حتى الآن برلمان، بينما يؤكد السيسي أنها ستجرى نهاية العام الجاري.

تأمل ما جرى خلال عام يتطلب إستعادة مشهد سابق. فخلال حكم مرسي وبينما كنت أتجول بسيارة مع بعض الأصدقاء بمدينة السادس من أكتوبر، لمحت داخل السيارة المجاورة لنا مجموعة من أبرز مؤيدي الرئيس وقتها.

سرعان ما وجدنا أنفسنا في جدل واسع مع المدون والناشط الإسلامي عبد الرحمن عز، من ركاب السيارة الأخرى. كان واضحا، وقتها، أن معسكر الثورة، لم يعد كما كان، وأن المرحلة القادمة مجهولة، خاصة مع تزايد الدعوات للتظاهر يوم 30 من الشهر المُتم لعام مرسي الأول من أجل إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة.

ونحن ننسحب من هذ اللقاء العابر والعبثي أتذكر رسالة أراد عبد الرحمن عز أن يؤكد عليها، حيث قال:”بس لو أسقطوه البديل الوحيد حيكون الجيش”!

جملة عز رغم طابعها التحذيري وقتها، للدفاع عن أول رئيس بعد الثورة، حمّلت ما يمكن اعتباره دلالة ذات أبعاد رؤيوية الآن، لكن هذا الهاجس كان حاضرا في أذهان العديد من معارضي مرسي كذلك، وإن كان السيناريو الأسوأ ضمن إحتمالات أخرى بالتأكيد!

المشهد الثاني

في 3 تموز/يوليو 2013 كان عبد الفتاح السيسي قد أعلن عن خارطة طريق لفترة ما بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي، وكانت قد تضمنت ثلاث خطوات، نفذت خطوتان منها أولهما تعديل الدستور عن طريقة لجنة عينها الرئيس المؤقت عدلي منصور (4 يوليو/ تموز 2013- 8 يونيو/حزيران  2014)، وتمت الثانية بعدما صار عبد الفتاح السيسي رئيساً في 8 يونيو/ حزيران 2014.

في ظل هذه التطورات يصعب تقييم عام السيسي الأول، خاصة أن البلاد تعيش حالة استقطاب حادة منذ عامين، ولا يمكن التوصل لأرقام تكاد تكون مُعبرة دون انحياز عن قراءة دقيقة لواقع بلد يعيش لحظة تحوّل مستمرة منذ أربع سنوات حتى الآن.  

يذكر استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام بصيرة بشأن هذا العام أن تسعة من كل عشرة من المصريين يشعرون بالرضا عن أداء السيسي، بمعدل يصل إلى 69%.

ضمت العينة 8500 فردا، وقد أعلنت نسبة 85% منها نيتها لإنتخاب عبد الفتاح مرة أخرى، لكن لوضع تصور أكثر دقة يمكننا تأمل هذه الأرقام في ضوء استطلاع سابق للمركز نفسه حول عام من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث نجد أن النسبة المؤيدة للرئيس الإسلامي لم تزد عن 32% فقط، مقابل نسبة 61% غير موافقة أو مؤيدة لحكمه. ولم يكن ينوي إنتخابه مرة أخرى، قبل عزله، إلا 25% فقط.

كما تظهر تقارير للمركز زيادة شعبية السيسي من 58% خلال المائة يوم الأولى، ولمدة ستة أشهر بعدها، إلى 69% بعد تمام عامه الأول، حتى 69%، لكن الأرقام وحدها لا تكفي لتقييم هذا العام، خاصة أن السيسي يبدو أنه يستخدم هذه الشعبية لأغراض أخرى، حيث طالب مؤخراً أن تخوض جميع الأحزاب المصرية الإنتخابات المقبلة في قائمة موحدة “من أجل مصر”!

المشهد الثالث

شهد ميدان التحرير خلال السنوات الأربع الماضية تحولات واسعة بين دوافع إحتجاج رواده، حتى وصل عددهم إلى صفر، حيث لم يعد أحد يتظاهر به الآن.

تحوّل ميدان التصورات الحالمة، والعالم الجميل الذي يصنعه المصريون بعد مبارك إلى ميدان مغلق بشكل شبه دائم سواء أمام حركة المرور أو المارة طوال العامين الماضيين، بينما صارت سارية عملاقة لعلم مصر تتوسطه الآن.

دلالة غريبة يكشف عنها إختيار العلم ليكون رمزا لهذا الميدان الذي يتوسط عاصمة البلد، كما لو أنه كان محتلا وعاد أخيرا لأرض الوطن، كما يبدو هذا العلم كمؤشر على مرحلة جديدة من السيطرة على المجال العام، حيث تسيطر الشعارات والمشاعر الوطنية المجردة من النقد.

الجميع يحاكون حماس طلاب المدرسة وهم يحتفون بالنشيد الوطني أو تضحيات جنود في معركة. كل شىء يحمل صبغة وطنية، ذات نبرة رنانة، في عام السيسي، حيث تكون المعارضة مقبولة طالما كان المعارض مؤيداً للرئيس!

خلال عام طرحت عدة مشاريع وبدت كأفكار غير قابلة للنقاش، مشروعات يتم الإعلان عنها كمفاجآت للجميع، مثل تأسيس عاصمة جديدة بلا نقاش مجتمعي أو حدوث أية عملية  تشاورية، لكن سرعان ما يتم التراجع عنه، وإن كان الأسلوب نفسه لا يزال مستمرا.