في حواره مع “مراسلون” يضع أحمد كمال، مؤسس راديو جرامافون GramaFoon Radio جدولا زمنيا لمحاولات تقييد مجال مفتوح مثل الإنترنت. كما يتحدث عن تجربة بث الموسيقى مجاناً لمستخدمي الإنترنت عبر راديو كان يتخذ وجه الفيل شعاراً له، وإتاحة النسخ الرقمية من تراث الموسيقى العربية كذلك.

في حواره مع “مراسلون” يضع أحمد كمال، مؤسس راديو جرامافون GramaFoon Radio جدولا زمنيا لمحاولات تقييد مجال مفتوح مثل الإنترنت. كما يتحدث عن تجربة بث الموسيقى مجاناً لمستخدمي الإنترنت عبر راديو كان يتخذ وجه الفيل شعاراً له، وإتاحة النسخ الرقمية من تراث الموسيقى العربية كذلك.

في مدينة المحلة أسس كمال، منذ العام 2004، شبكة إنترنت بديلة، وصل نطاق تغطيتها إلى 4 كيلو متر ونصف، ليكون هناك إمكانية للدخول للإنترنت عن طريق “الواي فاي”. فيما بعد سيستخدم هذه الخبرة التقنية لإطلاق أول إذاعة تبث ما يجري في ميدان التحرير يوم تنحي مبارك لمستخدمي الويب، تمهيدا لإطلاق جرامافون لمدة أربع سنوات.

ألا تفكر في التراجع عن قرار الإغلاق؟

لا، لن نتراجع عن هذا القرار إلا إذا تمّ التراجع عن مشروع القانون الخاص بالهيئة الوطنية للإعلام على الأقل. الاستمرار صار صعباً، رغم أننا في عام 2014 كان لدينا الطموح لتأسيس شبكة “إف.أم”!

كيف تتوقع أن يتمّ تقييد نشاط راديو الإنترنت؟ هل سيعامل مثل شبكة اتصالات غير شرعية؟

حسب مشروع القانون الجديد فإن أي شخص يطرح مادة على الإنترنت سيكون قد قام بفعل غير قانوني، كما أن به العديد من التعريفات غير الدقيقة مثل اعتبار أن الراديو شبكة اتصالات، وهذا غير صحيح. كما أن بث أي راديو أون لاين لا يتم في مصر، لوجود المخدّم، الخاص بأي موقع، بدولة أخرى، لا يمكن أن يطبق ذلك قانوناً عليّ أو على مؤسس أي موقع، لأن البث يحدث في دولة “المخدّم”!      

كيف تطوّر المشروع خلال أربع سنوات؟

يوم تنحي مبارك قدمنا البث الحي لما تقدمه منصة دار نشر “ميريت” بميدان التحرير، كنا نقدم البث عبر  IP  خاص بنا، وأي شخص يتصفح هذا الرابط كان يمكنه سماع ما يحدث في الميدان.

بعدها قمت بالتعاون مع كريم ياسين، بتقديم راديو “التحرير دوت كوم”، واستمرت هذه التجربة حتى الأول من أيار/مايو 2011، لكن حدث خلاف مع ياسين وقررت بعدها بأيام تأسيس راديو جرامافون.

بدأ المشروع كمدونة، وكان طموحي أن أحمّل ألبوم من الموسيقى المستقلة كل يوم. كان عدد المستمعين قليلا للغاية، لكن الخطوة الأبرز كانت حينما قدمنا أرشيف الشيخ إمام عيسى، كان ذلك في كانون الثاني/يناير 2012. الأرشيف كنتُ قد جمعته بنفسي، وعالجته وقمت بتنقيته كذلك. مع الشيخ إمام وصل جمهور جرامافون، في التوقيت نفسه، إلى مائة، وقتها فكرنا في التوسع.

جانب مهم من مشروعك كان إتاحة أرشيف موسيقي رقمي، ماذا سيكون مستقبل هذا المشروع؟

أنا دائما أستمع للراديو، ومنذ العام 2004 كنت قد بدأت أسجل ما يبث على موجات الراديو من موسيقى وأغاني عربية. هذا المحتوى لم أكن أسمعه، بل كنت أسجله ليكون بصيغة رقمية، ثم أقوم بعمل مونتاج له لتكون كل أغنية أو قطعة موسيقية منفصلة.. لا أعرف لماذا كنت أفعل ذلك! كنت أسجل ساعات يوميا من إذاعة الأغاني والبرنامج العام.  كانت تسجيلاتي الأفضل من حيث الجودة وقتها، حيث كنت أسجل بث الراديو على القمر الصناعي. حينما توسعنا في جرامافون بدأت في بث ما كانت أسجله وكنت اكتشفه مع المستمعين. يضم الأرشيف أكثر من 240 ألف عمل موسيقي، وسيكون متاحا لمستخدمي الإنترنت لتخزينه عبر صيغة ملفات “التورنت”، ستكون هذه محاولة لتصعيد معركة الملكية الفكرية في مصر، وبعد ذلك سننظم ورشا لكل من يريد تأسيس مواقع راديو..أي أن معركة تحرير الراديو ستستمر.

ألن تشعر بمسؤولية أخلاقية إذا صار أحد المشاركين في هذه الورش تحت طائلة القانون؟

حتى هذه اللحظة لا يوجد نص قانوني يمنع وجود راديو، وجزء كبير من برنامج الورشة مرتبط بالتعمية، بمعنى أن تؤسس الموقع دون أن تعرّف نفسك، والتوعية بأن ما سيؤسسه المشارك ليس راديو، وإنما هو موقع إليكتروني.

في الثلاثينات تمّ السيطرة على الإذاعات الأهلية في مصر، هل تجد تشابها بين هذا الوضع وما يجري الآن؟

محاولات السيطرة كانت تتم بالطريقة نفسها سواء في 1934 أو 1952 أو 2015. كل مرة كانت تحدث لأن السلطة خائفة، فعلى الرغم من أن المحطات في أوائل الثلاثينيات كانت إذاعات خفيفة مثل “فيولا” وغيرها، لكن بريطانيا كانت تريد السيطرة على هذا المجال. ولو فرضنا  أن الحكومة سمحت بتأسيس محطات الراديو على موجة الإف إم عن طريق الإخطار هل سيسمع أحد الراديو الرسمي؟ بالتأكيد لا. السلطة تعي أن هذا المجال لابد أن يكون تحت السيطرة. اللافت أن موجات الراديو الآن لا تختلف كثيرا عن الإذاعة بعد ثورة 1952، وإن كانت هناك محاولات ليكون المستوى الفني مقبولا في عهد عبد الناصر بخلاف ما يحدث الآن حيث يتخلل برامج البث، على الإذاعات الحكومية، مقاطع من خطب السيسي، تتسم هذه المقاطع عادة بوجود عبارات عاطفية، ثم يعود البث مرة أخرى وكأن شيئا لم يحدث!   

وماذا عن “ارتجال”؟

ارتجال كان المفترض أن يكون مشروعا تجاريا. كنت قد تعاقدت مع شركتي “إيقاع” و”فرورد ميوزك” لإنتاج الموسيقى المستقلة في عام 2012، وكان الهدف بناء مكتبة موسيقية كبيرة، ويكون هذا الأرشيف متاحا على الإنترنت، لكنه يقدم للمستخدم قوائم محددة مسبقا، كما لو أنه راديو إنترنت، لكن يمكن للمستمع تحديد ما يريد سماعه. كانت أغلب حقوق الملكية مستوفاة لكافة الأغاني، وكنت أطمح أن يصبح الموقع الأكثر رواجا بين المستمعين، بشرط أن يعمل بشكل تجاري، عن طريق عرض أغاني شركات الإنتاج الكبرى نظير مقابل مالي لنتمكن من دعم جرامافون. تدخل الراحل علي شعث، مؤسس أضف للتعبير الرقمي، ليكون هذا الموقع غير ربحي، فقد كان متحمساً له كأرشيف للتراث الموسيقي العربي على الويب، ولكننا سنغلق هذا الموقع أيضا.

ما موقفك من الملكية الفكرية، هل تراها قيداً مثلا، وبهذه المناسبة ما حكايتك مع تانيا صالح؟

في مايو/أيار 2011 كنّا قد حمّلنا ألبوم لتانيا صالح، وقتها علّقت صالح بأنها ترفض أن نبث أعمالها، حتى لا نسبب لها خسائر، لأن الموسيقى ليست بالمجان. حذفنا الألبوم بالفعل، لكن الحكاية لا علاقة لها بالخسائر، من يشتري الألبوم يفعل ذلك لدعم منتج هذه الموسيقى المُستقلة، وليس لأنها غير موجودة أون لاين، بينما تتحقق المكاسب عن طريق الحفلات. المطرب المستقل أو منتج العمل الفني من حقه أن يأخذ الأموال الكافية له، لكن مع مراعاة حق الجمهور. أقصد أن الجمهور لا يستفيد حسب قانون حماية الملكية الفكرية المصري.

في عام 1996 شركة والت ديزني كانت تضغط من أجل تعديل القانون حتي يسمح لها بمّد حقوق الملكية لشخصية ميكي ماوس لمدة 25 عاماً، ليؤجل دخولها للملكية العامة فيما عرف وقتها بقانون ميكي ماوس. أما هنا فإن القانون يسمح للشخصيات الاعتبارية بالحق في أن يتم تمّديد حقوق الملكية الفكرية لأي عدد من السنوات. إتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري له هذا الحق، وإذا وضعنا في الاعتبار أنه في مرحلة ما كان صاحب حقوق كل الأعمال المُغناة، لأنها كانت مُسجلة في الإذاعة، أي أن هذا الإتحاد  يمتلك أغلب حقوق المنتجات الفنية المصرية، وسيظل كذلك لأنه يجددها بشكل دائم، ولن تصبح هذه المنتجات في المشاع العام أبدا، رغم أن القانون يقر بأن أي عمل يصبح بعد 50 عاما منتميا للمشاع العام.. نتيجة لذلك لا أشعر أننا نرتكب جريمة ما حينما نبث الأعمال المصرية عموما، لكننا نحترم الحقوق عندما نتعامل مع أعمال فنية مسجلة خارج العالم العربي، عن طريق اشتراك مثل الساسيم sacem، (الجمعية الفرنسية للملحنين والمؤلفين وناشري الموسيقي، وهي الجمعية الأولى أوروبياً حسب عدد الأعضاء، والثانية عالميا). المشكلة أنه لا توجد إدارة في ماسبيرو يمكن أن أتوجه لها للحصول على حق بث المادة، أو لتخبرني من صاحب الحق.

هل تعاملت مع المصنفات من قبل، من هي الجهة المخول لها توثيق الملكية وحقوق المؤلف؟

لم أحاول التعامل مع المصنفات من قبل، سوف أجرب خوض هذه المغامرة.

هل ترى أن هناك سيناريو زمني لإحكام السيطرة؟

بالتأكيد كانت البداية في أغسطس/آب  2014 حينما ظهرت تجربة راديو أونلاين دعمها أحد رجال الأعمال الكبار، وكان رئيس تحريرها إبراهيم عيسى. وفي أكتوبر 2014 تمّ تعديل مادة من قانون العقوبات، للتوسع في فرض العقوبات في حالة تلقي الأموال من الخارج، ورغم أنها لم تستخدم حتى الآن، لكنها حققت المرجو منها حيث توقفت أغلب الجهات المانحة عن العمل في مصر. كما تمّ تنظيم الملتقى الإعلامي الأول لإذاعات الإنترنت المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

لم أذهب، حيث كنت متأكدا أن لا أحد سيسمع منّا، خاصة أن جدول الأعمال كان يحدد مدة لا تتجاوز 10 دقائق للنقاش فقط. كان الملتقى يهدف لتقديم عدة رسائل أولها ضرورة تقنين أوضاعنا، والدخول في كيان نقابة الصحافة الإليكترونيين، رغم كونها تحت التأسيس، وفي فبراير/شباط الماضي عقد الملتقى الثاني. توصلت إلى أن الدولة منتبهة لوجودنا، وتتابع ما نفعل. في أبريل/نيسان الماضي تمّ التحقيق مع الحقوقي أحمد سميح مؤسس مركز  “أندلس” لدراسات التسامح بشأن راديو “حريتنا”، وبثه لأعمال فنية دون الحصول على حقوق بثها، ولم تكن هذه أول واقعة مع راديو أونلاين حيث سبق لجهاز الأمن الوطني مداهمة مقر راديو ترام بالإسكندرية، في فبراير/شباط 2014. كما وجهت تهمة إفساد العملية التعليمية، وتدريس مناهج غير معتمدة من وزارة التربية والتعليم المصرية، لقيام بعض الشباب بتقديم دورات لتعليم برمجيات “لينكس” الحرّة بالإسكندرية أيضاً، وأخيرا هناك مشروع قانون الهيئة الوطنية للإعلام، وبعده جاء تصريح للمستشار الإعلامي لوزارة الداخلية، الذي قال أن الإعلام الإلكتروني بشكله الحالي يهدد أمن الوطن!

  • مرة أخيرة ألن تتراجع عن قرار الإغلاق؟

لو تأملنا المادة 14 من مشروع قانون الهيئة سنجدها تتحدث بوضوح عن إسقاط مديونيات إتحاد الإذاعة والتليفزيون، وخاصة مديونيته الضخمة لبنك الاسثمار، بينما تحظر المادة 16 بث أو إعادة بث أي حدث داخل مصر عبر الإنترنت، كما لو أنها إشارة للحكومة -لإقرار القانون- إذا أسقطت الديون سيمنع هؤلاء الشباب من العمل تماما..هذا هو تفسيري للقانون، البعض يفضل الدخول في مناقشات من أجل التصعيد والتنسيق مع الصحفيين الإليكترونيين، ووضع قانون آخر والتفاوض كذلك، هذا لن يغير من حقيقة أن جرامافون مُغلق الآن.