بدلا من العلاوة الاجتماعية التي عادة ما كان يعلنها الرئيس للعمال أثناء الاحتفال بعيدهم، سلّم جبالي المراغي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الرئيس السيسي “ميثاق شرف” يتعهد فيه باسم العمال “برفض الإضراب، مع الالتزام بالحوار الاجتماعي، وتجديد العهد بدعم ما أسفر عنه مؤتمر دعم وتنمية اقتصاد مصر”، وذلك في احتفالية عيد العمال التي أقيمت الإثنين الماضي (27 نيسان/أبريل).

منع الإضراب..بالمحكمة

بدلا من العلاوة الاجتماعية التي عادة ما كان يعلنها الرئيس للعمال أثناء الاحتفال بعيدهم، سلّم جبالي المراغي رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الرئيس السيسي “ميثاق شرف” يتعهد فيه باسم العمال “برفض الإضراب، مع الالتزام بالحوار الاجتماعي، وتجديد العهد بدعم ما أسفر عنه مؤتمر دعم وتنمية اقتصاد مصر”، وذلك في احتفالية عيد العمال التي أقيمت الإثنين الماضي (27 نيسان/أبريل).

منع الإضراب..بالمحكمة

في اليوم التالي أصدرت المحكمة الادارية العليا حكماً غير قابل للطعن (وهو ما يجعله بمثابة قانون) بشأن إضراب الموظفين داخل مقار العمل، عاقبت فيه ثلاثة موظفين بإحالتهم للمعاش، وحكمت بتأجيل ترقية 14 آخرين لمدة عامين، بدعوى إضرابهم عن العمل وتعطيل سير المرفق عن أداء مصالح المواطنين.
وقالت الإدارية العليا في حيثيات الحكم “إن أحكام الشريعة الإسلامية أسست قاعدة “درء المفاسد تقدم على جلب المنافع”، وقاعدة “الضرر لا يزال بمثله”، وأنه إذا كان الإضراب يؤدي إلي إلحاق الضرر بالمتعاملين مع “المرفق العام” فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من إضرار بالمواطنين”.
وعلى الرغم من توقيع مصر على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أقرتها الأمم المتحدة والتي تعتبر الإضراب حقاً من حقوق الإنسان، فإن المحكمة استندت في حكمها على شرط وضعه الرئيس الراحل أنور السادات لتنفيذ الاتفاقية وهو عدم تعارض الاتفاقية مع أحكام الشريعة الاسلامية.

يطرح الحكم عدداً من المفارقات بداية من استناده على أحكام الشريعة في ظل نظام لا يكف عن الدعاية لنفسه بأنه أنقذ الدولة المصرية من التحول لدولة دينية، وثانيها أن السادات أصدر “شرطه” قبل اغتياله بخمسة أيام فقط على يد أفراد من جماعة الجهاد الإسلامية (صدر شرط السادات في الأول من تشرين أول/أكتوبر وأغتيل في السادس من الشهر نفسه 1981).

فروض الطاعة والولاء

سبق هذا الحكم قرار من رئيس مجلس ادارة “شركة مصر لغزل المحلة” بإيقاف القيادي العمالي كمال الفيومي واثنين آخرين عن العمل، على أن يتم فصلهم نهائياً في شهر تموز/يوليو المقبل.

بينما طاردت قوات الأمن المصرية قبلها بأيام أصحاب المعاشات، وعمال شركة “الصناعات الهندسية بشبرا الخيمة” أمام مجلس الوزراء. وتوالت تصريحات رؤساء النقابات الرسمية عن ضرورة العمل والانتاج، دون الإلتفات إلى مطالب العمال واحتياجاتهم.

وعكفت وزارة القوى العاملة والهجرة، و”الاتحاد العام لنقابات عمال مصر” على الانتهاء من قانون النقابات العمالية، وإخراجه دون الإقرار بحق التعددية النقابية.

وكعادته انشغل الاتحاد الرسمي بتقديم فروض الولاء والطاعة للرئيس الجديد، وتبرع بوثيقة وقفة الاضرابات والاعتصامات، واعدا الرئيس في أكاديمية الشرطة –حيث أقيم الاحتفال- بالعمل والانتاج، دون حتى أن يرتفع هتاف “العلاوة ياريس” الذي عادة كان يهتف به العمال في لقائهم مع الرئيس يوم عيدهم.

يذكر أن الاتحاد العام لنقابات مصر تم تأسيسه عام 1956 في عهد جمال عبد الناصر بعد أن تم حل كل النقابات التي كانت موجودة من قبل لضمان إحكام السيطرة على الطبقة العاملة.

الاحتجاج مستمر

ولكن ارتفاع الأسعار، وتسريح العمالة لعبا دروا بارزا في ارتفاع وتيرة الإضرابات العمالية في عام 2014. فوفقا لمركز “المحروسة للدراسات الابحاث السياسية والاقتصادية” وصل عدد الاحتجاجات العمالية عام 2014 إلى 2274 احتجاجا عماليا بسبب سياسات حكومة محلب. وانخفضت تلك الوتيرة خلال الربع الاول من عام 2015 نتيجة لمخاوف العمال من الادراج على قوائم الاخوان المسلمين والمحاسبة من قبل الدولة فوصلت الإضرابات في الثلاثة شهور الأولى من عام 2015 إلى 392 إضراب.

وبالرغم من إقرار قانون التعددية النقابية في عهد الإخوان، حيث شغل أحمد البرعي منصب وزير القوى العاملة والهجرة وقتها -وهو أحد أبرز المدافعين عن التعددية النقابية- إلا أن القانون لم يتم تفعيله من ناحية، وغرقت النقابات المستقلة الوليدة في صراعات داخلية لا علاقة لها بأزمات العمال.

جهاد طمان القيادي بشركة مصر لغزل المحلة –إحدى أكثر البؤر الصناعية في مصر فورانا- بدا متشائما من الأوضاع الحالية إذ يقول: “لا يوجد في مصر عمل نقابي، حيث اتحاد نقابات عمال مصر الرسمي الذي يعمل لصالح النظام أيا ما كان هذا النظام، والنقابات المستقلة تعاني من التضييق الأمني، وعدم الاعتراف بها”. مدللا على ذلك بأن اعتراف وزارة القوى العاملة والهجرة بالنقابات المستقلة تم اختصاره في مجرد ورقة يتم منحها للنقابات المستقلة بالاعتراف، ولكن لا يمكن للعامل بعدها استخدام ذلك المستند في أي شأن، مثل استخراج البطاقات الرسمية، أو الحصول على صفة العامل والفلاح. بالإضافة إلى التصريحات المعادية التي لا تتوقف من قبل وزيرة القوى العاملة والهجرة حول النقابات المستقلة.

يلفت طمان النظر إلى أن العمال فقدوا الأمل في وجود عمل نقابي حقيقي في مصر، ولكن هذا لا يعني أنهم سيصمتون كثيراً أمام سياسات التجويع ورفع الاسعار والتشريد من الشركات.

يدلل القيادي بغزل المحلة على ما حدث في عام 2006 عندما أصدر مبارك قانون لمنع التظاهر، وخرج ساعتها عمال المحلة عن بكرة أبيهم للشوارع، وشاركوا في أول إضراب عام شهدته مصر في سنين مبارك الأخيرة، لكن وكما يحذر طمان لا يمكن التنبؤ لأي مدى يمكن أن يصل هذا الإنفجار.

أنهى القيادي النقابي حديثه بالتأكيد على أن البطش الأمني يزداد بشدة على العمال خلال الفترة الراهنة، ضاربا مثالا على ذلك بالتهديدات المستمرة لعمال غزل المحلة بالفصل من العمل، والحرمان من الترقية عقابا على الإضراب.

النقابات المستقلة..وحيدة ضد الجميع

أما كمال عباس مدير”دار الخدمات النقابية والعمالية” –أحد أنشط المراكز الحقوقية في الإهتمام بالشئون العمالية- فيرى أنه بعكس الفكرة السائدة التي تقول أن النقابات المستقلة في مصر لم تكن مؤثرة، فإن الواقع يؤكد على تأثير كبير لتلك النقابات.

يعدد عباس أهمية النقابات المستقلة في أنها استطاعت أن تجذب آلاف العمال للعمل النقابي، وأنها نجحت في التفاوض ومساندة العمال على مدار الفترة الماضية. إلا أنه وبالرغم من ذلك، والحديث لعباس، فان النقابات المستقلة في مصر تعاني من العديد من المعوقات أهمها عدم الاعتراف القانوني بها، وهو ما يمنعها من جمع اشتراكات من أعضائها وبالتالي غياب الموارد المالية، إضافة إلى مساندة كل السلطات التي جاءت بعد الثورة للاتحاد الرسمي للنقابات، سواء كان المجلس العسكري، أو الإخوان، أو النظام الحالي.

يشير مدير دار الخدمات النقابية إلى أنه يمكن أن يحسب على النقابات المستقلة عدم تواجدها بقوة في القطاع الصناعي، والقطاع الخاص، وهو أمر يعود جزء منه إلى قانون النقابات الذي يجبر العمال على الاشتراك في النقابات الرسمية حتي يحصلوا على قيمة “صندوق الزمالة” الذي يقدر بـ 120 ألف جنيه وقت التقاعد (حوالي 15 ألف دولار أمريكي)، ولكن الأمر يختلف في أماكن أخرى مثل غزل المحلة الذي قصرت النقابات المستقلة في التواجد به والعمل على تكوين نقابة مستقلة.

ومن التحديات الأخرى التي يراها كمال عباس للعمل النقابي المستقل في مصر، ضعف قوى اليسار المصري، مؤكدا على أن هناك “ارتباط شرطي بين اليسار والنقابات العمالية، فهما وجهان لعملة واحدة، إذا ضعف أحدهما ضعف الأخر، والعكس صحيح”.

وتوقع عباس أن مصر لن تشهد إضرابات خاصة بالأرباح خلال الفترة المقبلة بسبب حزمة القوانين الجديدة مثل قانون الاستثمار الذي حرم العمال من الحصول على الأرباح من المنبع. وكانت عادة شهور الصيف تشهد العديد من الاحتجاجات العمالية بسبب نسب توزيع الأرباح على العمال إذ عادة ما تلجأ إدارات الشركات إلى تخفيضها كل عام بحجة أنه لم يتم تحقيق أرباح خلال العام.