ليست مجرد أسوار ومعتقلين ومساجين في الداخل، ومن الخارج أسر تنتظر الدقائق القليلة التي سيرون فيها ذويهم فقط، بل هو عالم خفي مليء بالعلاقات التجارية التي يدفع ثمنها المعتقلين وأسرهم. أنه عالم بيزنس السجون وأقسام الشرطة الخفي

تقول نجوى عز عضوة حركة “شباب 6 أبريل” – حكم عليها قبل عام بالسجن ثلاث سنوات في أولى درجات التقاضي- “قضيت في قسم شرطة المرج 45 يوم أثناء التحقيق معي من قبل النيابة، وفي الحجز “النفس اللي بنتنفسه بفلوس” ولو ممعكش هتتعب لغاية ما تموت خصوصا إذا كنت محسوب على المعتقليين السياسين”.

تذكر نجوى أنه فور احتجازها بقسم المرج حاولت إحدى الجنائيات التعدي عليها بالضرب، ولكن بعد ساعات قليلة عرض علي أن أدفع كل ما معي من أموال لأضمن أماني الشخصي، بالإضافة لأموال أخرى لتأجير أرضية – مكان لا يزيد عن نصف متر- للنوم به ليلا في غرفة الحجز، وإلا سأظل واقفة طوال الليل، في البداية تخيلت أن هذه سلوكيات نابعة من تلك الجنائية والتي يطلق عليها “نبطشية الحجز” إلا أنني عندما اشتكيت لأمناء الشرطة والضباط قالوا لي حرفيا: “اتصرفي معاها وراضيها”، لاكتشف بعد أيام قليلة أن الأموال التي تحصل عليها مني ومن أسرتي تقتسمها مع أمناء الشرطة تحت سمع وبصر الضباط”.

تتابع نجوى: “لم يقتصر الأمر عند حد الأرضية أو الأمان الشخصي بل إن كل شيء كان متاحا في الزنزانة.. بدءا من الموبايل، وحتى الأطعمة والمشروبات التي يقوم أحد أمناء الشرطة بشرائها وبيعها بأضعاف أسعارها للمساجين في الحجز الاحتياطي”.

أضافت نجوى أن اسرتها كانت تدفع ما بين 1500 لـ2000جنيه شهريا  ( تقريبا 200 دولار) لأمناء الشرطة، والجنائية المسئولة عن الحجز خلال الشهر الواحد.

***

ومن قسم شرطة المرج بالقاهرة لحجز قسم شرطة طوخ بمحافظة القليوبية تروي نعمة زوجة أحمد سالم المحبوس على ذمة قضية شبرا الخيمة – على خلفية التظاهرات المضادة لتنازل مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير- أنه بالإضافة لاحتجاز زوجها لأكثر من ثلاثة أشهر دون أي موارد مالية لهم كأسرة، فهي تتكفل أيضا بكافة تفاصيل حياته داخل الحجز ، بدءا من عدم السماح بدخول الأدوية والملابس من قبل أمناء الشرطة، وإجبار أسر المحتجزين على شرائها من المحلات القريبة من القسم بأسعار تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف أسعارها الحقيقية، على أن يحصل أمين الشرطة على نسبة من تلك المحلات.. “أو إجبارنا على دفع مبالغ ماليه لجنائيين في عنابر الاحتجاز حتي يقدمون الخدمات لذوينا. وهو الامر الذي يتكلف ما يزيد عن 500 جنيه ( 50 دولار تقريبا) في الزيارة الواحدة”.

تحكي نعمة ما حدث معها منذ ايام قليلة إذ أصيب زوجها بأنفلونزا شديدة فأحضرت له الأدوية من إحدى الصيدليات وحاولت إدخالها بشكل رسمي لإدارة الحجز، وبالفعل تم استلام الأدوية، وعندما توجهت للزيارة  في المرة التالية وجدت أنه لم يتم تسليمه أي أدوية، وقال لي أمين الشرطة المسئول عن الحجز “هذا عقاب من يخالف قواعدنا”، فاضطررت لدفع قيمة الأدوية مثلما يرون هم الحالة ووفقا للتسعيرة التي يحددونها.

***

وصفت زوجة أحد المعتقلين –رفضت ذكر اسمها- سجن وادي النطرون (100 كم تقريبا شمال غرب القاهرة) بأنه عبارة عن مول تجاري لكل من يقدر على الدفع ومقبرة لمن لا يقوى على ذلك، وذكرت أن تجارة التليفون المحمول في السجن من أكثر أنواع التجارة ربحا، حيث يبيع السجانين هواتف قديمة وبالية لا يزيد ثمنها عن 100-150 جنيه للمعتقلين والمساجين بعشر أضعاف ثمنها. تقول: “زوجي اضطر لشراء هاتف محمول ب1250جنيه (125 دولار تقريبا) ليتواصل معنا، ونحن نعلم ان هذا مخالف للقانون، ولكن إدارة السجن رفضت الزيارة على مدار ثلاثة أشهر ، ومنعته من النزول للجلسات بحجج واهية، وهو ما اضطرنا لتلك الطريقة. بالاضافة إلى كروت الشحن التي نرسلها أسبوعيا لأمناء الشرطة والسجانة ليسمحوا لذوينا باستخدام التليفون والاتصال بنا لمدة لا تزيد عن دقيقة واحدة وفي وجودهم”.

اضافت زوجة معتقل وادي النطرون، أن الكانتين المتواجد في السجن يجبر المساجين على الشراء منه بأرقام خيالية.. “حيث يقوم أمناء الشرطة بتفتيش الأطعمة التي نحضرها معنا ويجعلوها غير صالحة للاستخدام، مما يدفعنا لوضع أموال في كانتين السجن ليتمكن ذوينا من الحصول على طعام يمكن أن يؤكل، بدلا من أكل السجن الذي يسبب لهم العديد من الأمراض”.

***

“8 خراطيش سجائر -80 علبة سجائر-  في الشهر الواحد وإلا التعذيب والحبس الانفرادي ” بهذه الكلمات تلخص أماني علي -أبنة أحد معتقلي جماعة الإخوان المسلمين-  الوضع في سجن استقبال طره، حيث تجبر كافة الأسر على توفير خراطيش السجائر لأمناء الشرطة لكي يوفروا لذويهم مياه نظيفة يمكن شربها بدلا من المياه غير الصالحة للشرب التي توجد داخل السجن، وإذا لم توفر الأسرة المطلوب نتيجة لضيق الحال، فإن أمناء الشرطة يجبرون المساجين على تنظيف الحجز، وإذا اعترضوا فإن الحبس الانفرادي والتعذيب في انتظارهم، دون مراعاة لوضعهم الصحي أو عمرهم وقدرتهم على القيام بتلك الأعمال.

ذكرت أماني أن والدها تجاوز ال65 عاما ويعاني من العديد من الأمراض ولا يقوى على تنظيف الحجز كما يطلب منه مرة كل أسبوع، لذا فهم مجبرون على توفير صناديق السجائر لأمناء الشرطة وبعض المساجين الجنائيين ليقوموا بتلك المهمة بدلا عنه، ثم يقوم الجنائي ببيع السجائر مرة اخرة للمساجين، أو إرسالها مع اسرته في أول زيارة.

***

يقول مختار منير المحامي الحقوقي بمركز حرية الفكر والتعبير: “إن فكرة وجود كانتين داخل السجون أمر قانوني، منصوص عليه في قانون تنظيم السجون، إلا أن الأزمة ليست في القوانين كما هو معتاد، بل أن الازمة الحقيقية تتلخص في إجبار أهالي المساجين على الشراء من الكانتين، ومنعهم من إدخال الأطعمة والخضروات والأدوية والسجائر بحجة أنها متواجدة في كانتين السجن. معللا ذلك باستفادة كل الطاقم الأمني بدءا من عسكري التفتيش وحتى مأمور السجن من الارباح التي يحققها الكانتين التابع له السجن”.

أشار منير إلى أن إدخال تليفون محمول أو شراؤه من أحد أفراد الأمن أمر غير قانوني، ولكن لائحة السجون تنص على السماح للمسجون باجراء اتصال بأسرته مرة كل شهر عن طريق التليفون الموجود في السجن، خاصة إذا لم يسمح لهذه العائلة بالزيارة، أو يسمح للمسجون بنزول للنيابة ورؤية أسرته، إلا إن كل تلك القواعد القانونية غير مفعلة، فتتحول المسألة إلى بيزنس سفلي يدفع قيمته أهالي المعتقلين والمساجين.