ارتفع سعر الدولار في مصر ليصل إلى 8.88 جنيه في السوق الرسمية وما يقرب من 9 جنيهات في السوق الموازية. لفهم الأزمة وأسبابها وطبيعة القرارات التي يتخذها البنك المركزي طرحنا أربعة أسئلة على مجموعة من الخبراء الاقتصاديين:

ما هي أسباب ازمة الدولار التي تعاني منها مصر في الفترة الراهنة؟

يجيب الخبير الاقتصادي بشؤون الاستثمار محمد يوسف:

ارتفع سعر الدولار في مصر ليصل إلى 8.88 جنيه في السوق الرسمية وما يقرب من 9 جنيهات في السوق الموازية. لفهم الأزمة وأسبابها وطبيعة القرارات التي يتخذها البنك المركزي طرحنا أربعة أسئلة على مجموعة من الخبراء الاقتصاديين:

ما هي أسباب ازمة الدولار التي تعاني منها مصر في الفترة الراهنة؟

يجيب الخبير الاقتصادي بشؤون الاستثمار محمد يوسف:

أزمة الدولار بدأت منذ ثورة يناير، حيث حالة التوتر الاقتصادي وانخفاض الانتاج، وبالتالي انخفاض التصدير الذي كان يمثل المركز الأول في توفير العملة الصعبة. فقد انخفض ما يوفره التصدير من 35 مليار دولار إلى 22 مليار فقط، ثم جاء انهيار السياحة التي كانت توفر 15 مليار دولار قبل الثورة وانخفضت الان لتصل ل ـ4 مليار دولار فقط، ويأتي المصدر الثالث وهو تحويلات المصريين بالخارج، والتي انخفضت بما يقرب من النصف.  

وهناك العديد من الأسباب الاخرى التي فجرت الوضع، ومن بينها توقف الضخ المستمر للدولار من قبل دول الخليج بسبب ارتفاع أسعار البترول، وعدم وجود عائد سياسي كافي من مصر ردا على المساعدات الخليجية، وقيام الدولة بدفع ما يزيد عن 10 مليار دولار في صفقات أسلحة من جهات مختلفة، بالأضافة إلى الانفاق على قناة السويس الجديدة بالدولار وليس بالجنيه، حيث جمعت مصر ما يقرب من 66 مليار جنيه من المصريين الذين اشتروا أسهم في قناة السويس واضطرت الحكومة لتحويلهم بالدولار لتحاسب الشركات الاجنبية التي تعمل في قناة السويس مثل “سيمنز” وغيرها، كل تلك الأمور أدت لزيادة الأزمة.

هذا الانهيار على كافة المستويات انتج عجزا واضحا بما يقرب من 40 مليار دولار، وبالتالي فإن الدولار مثله مثل أي سلعة أخرى خاضع لسياسة العرض والطلب، وعندما زاد الطلب وقل العرض ارتفع سعر الدولار بهذه الصورة على مدار الخمس سنوات الماضية.

لكن الأزمة الحقيقية تعود إلى تضارب القرارات التي تتخذها الدولة في التعامل مع ارتفاع سعر الدولار وانخفاض الجنيه، حيث اعتبرت نفسها المسئول الأول عن ذلك، وسعت إلى وضع سياسات من شأنها زيادة الاعباء على كاهل الحكومة، في حين أن البديل والطريق لحل أزمة الدولار لن ياتي إلا من القطاع الخاص، مع إجراءات قليله لضبط الأسعار.

لماذا نشأت السوق السوداء المصرية للاتجار بالدولار؟

يقول الخبير الاقتصادي رضا عيسى:

السوق السوداء أو السوق الموازية هي سوق تنتج بصورة أساسية عن السياسات الاقتصادية التي تتخذها الدولة. فالسوق السوداء تحصل على الدولار من خلال مصدرين في غاية الاهمية هما المستوردين الذين سهل لهم البنك المركزي الايداع بالدولار من أجل منحهم شهادات أمام الشركات المصدره بموقفهم المالي، والذين يذهبون بدورهم إلى السوق السوداء ليبيعوا لها الدولار بزيادة بضعة قروش أو جنيه واحد في الدولار، بالاضافة إلى قيام رجال اعمال كبار في الدولة بمساندة تلك السوق غير الرسمية ومساعدتها في المضاربة على أموال المصريين المحولة من الخارج في البورصات العالمية والعربية.

وبالتالي فأن السوق السوداء هي نتاج طبيعي لسياسات الدولة التي لا تجبر رجال الاعمال على أن يضخوا دولاراتهم في البنوك مرة اخرى بعد الاستيراد والتصدير. ويشير عيسى إلى أن السياسات التي يتخذها البنك المركزي سبق وأن اتخذت نفس الإجراءات في عهد عاطف صدقي واستطاعت وقتها الحكومة السيطرة على سعر الدولار لكنها في نهاية الأمر سياسات لا يمكن الاعتماد عليها بصورة دائمة بل مجرد حلول مؤقتة.السؤال الثاني: لماذا قرر البنك المركزي رفع سقف إيداع الشركات بالدولار؟

لماذا قرر البنك المركزي رفع سقف إيداع الشركات بالدولار؟

تجيب الخبيرة المصرفية مها الشربيني:

بتاريخ 27 يناير من العام الحالي قرّر البنك المركزي المصري رفع حد الإيداع النقدي للشركات من 50 إلى 250 ألف دولار شهريًّا – أو ما يعادله بالعملات الأجنبية، دون حد أقصى للإيداع اليومي. ثم عاد ليرفعه مرة أخرى في منتصف شهر  فبراير الماضي لتصل قيمة الايداع لمليون دولار شهريا.

كان ذلك بغرض تغطية عمليات الاستيراد. إذ يحاول البنك المركزي أن يوفر للشركات سندات مالية تؤكد وجود أرصدة لها في البنوك للقيام بعملية الاستيراد من الخارج.

فقد خسرت هذه الشركات في الفترة الماضية عشرات الملايين وتراكمت سلعها في الموانيء بسبب عدم وجود سندات مالية تؤكد توافر العملة الصعبة في حساباتها في البنوك.

وبالرغم من أن السماح لرجال الاعمال بالإيداع الدولاري الذي قد يصل لمليون دولار في الشهر خطوة جيدة، إلا أنها ليست كافية، خاصة في ظل تفعيل حظر تنفيذ العمليات الاستيرادية بقوة مستندات التحصيل، إلا عن طريق مستندات واردة من أحد البنوك المعتمدة بالخارج، وهو ما يعطل عمليات الاستيراد ويؤدي لمزيد من الخسائر للشركات ولجوء أغلبها للسوق الموازية.

وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني توقعت عدم خفوت حدة أزمة نقص السيولة الدولارية داخل البنوك خلال الفترة المقبلة، رغم رفع سقف الايداع، مشيرة إلى أنه بالرغم من ان قرار المركزي يستهدف زيادة السيولة الدولارية المتاحة داخل البنوك المحلية، إلا أنه لن يكون كافياً لتخفيف الضغوط على العملة الاجنبية التي يواجها القطاع المصرفي مؤخراً، لاسيما أن الودائع الدولارية الجديدة المرتقبة بعد القرار مازالت أقل من الكمية المطلوبة لتمويل الواردات الاساسية.

ما هو تأثير ارتفاع سعر الدولار على معيشة المواطن المصري؟  

يجيب الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي، وعضو مجلس أمناء “التيار الشعبي:

لا شك أن أي تغيير في سعر الجنيه المصري أمام الدولار يؤثر بشكل مباشر وحاد جداً علي فقراء مصر حيث تقل قدرتهم الشرائية. فمنذ ربط “السادات” الإقتصاد المصري في منتصف السبعينات بالإقتصاد العالمي من خلال قوانين الإنفتاح، وتبعه المخلوع “مبارك” الذي مضى على مدار 30 عاماً في ترسيخ هذه التبعية من خلال تعمّد تخسير شركات القطاع العام لأجل بيعها بأبخس الأثمان ضمن برنامج الخصخصة، وما إرتبط بها من تخريب متعمد للزراعة لصالح مافيا الإستيراد، صارت الفجوة بين مانصدره وما نستورده تقترب من الـ 35 مليار دولار و هنا تكمن المشكلة الأساسية.

ونحن اليوم لم نعد نصنع شيئاً بما يكفي إستهلاكنا، ولم نعد نزرع ما يكفي أكلنا فكان الإستيراد هو “كعب آخيل” في ظل إنخفاض تدفقات الإستثمارات الأجنبية المباشرة، والسياحة.

إستيراد السلع الضرورية في ظل إنفلات سعر الدولار وخروجه عن السيطرة، وفي ظل غياب شبه كامل من أجهزة الدولة الرقابية التنفيذية والرقابية سيرفع بالتأكيد من أسعار السلع التي يتم إستيرادها، وأهمها السلع الغذائية، حيث لن يتحمل المستورد فرق سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، وتكلفة تدبيره له من السوق السوداء، ولكن سيقوم برفع سعر البيع النهائي ليتحمل الفقراء هذه التكلفة.