ارتفعت درجة الحرارة لما يزيد عن 40 درجة مئوية، تم تسجيل القاهرة كأسخن بقعة في العالم عدة مرات خلال الشهرين الماضيين، الجميع يهرول للبقاء تحت التكييفات والمراوح، أو يهرب للمصايف والمتنزهات، بينما يبقى المعتقل أو المسجون يبحث عن نسمة هواء يسرقها من جيرانه الذين تكدسوا في زنزانة لا تتجاوز الأمتار المعدودة، ويعيش بها العشرات – بعض منظمات المجتمع المدني وحملات التضامن مع المعتقلين قدرت الأعداد المحتجزة داخل الزنزانة الواحدة لما يقرب من 40 معتقل وسجين –

و مع ارتفاع درجة الحرارة في مصر خلال الفترة الماضية، أطلق نشطاء حملة بخمس لغات حملة عنوان (#عايز_أتنفس) للتضامن مع المعتقلين والسجناء في السجون وأماكن الاحتجاز. ارتدى عشرات المشاركين في حملة (عايز أتنفس) أكياس بلاستيكية تغطي رؤسهم للإعراب عن تضامنهم مع معاناة المعتقلين والمحبوسين.

***

يقول أحمد مسعد -صحفي ظلّ معتقلا اكثر من ستة اشهر وتم الافراج عنه شهر يونيو الماضي- “كانت الزنزانة مثل الفرن الذي لا تتوقف نيرانه، تكدسنا فوق بعضنا البعض، كلا منا يبحث عن عدد محدود من البلاطات لكي ينام ليلة واحدة، بينما يتبادل الآخرون النوم كل 6 ساعات، تبقى باقي الزنزانة واقفه طوال تلك الساعات. كانت الحرارة لا تطاق وكان يقع العشرات مننا مغشيًا عليهم، دون أن تلتفت إدارة السجن لمعاناتنا، ونحن نكتم الاستغاثات خشية التعذيب”.

يستكمل مسعد: “كنا ننتزع ملابسنا ونبقى بالملابس الداخلية، خاصة مع إصرار إدارة السجن على عدم إدخال المراوح. أو حتى إعادة توزيع المساجين لإتاحة فرصة لحياة آدمية، لدرجة أوصلتنا لأن نتمنى الحبس الانفرادي”.

***

“كل شيء يتلف.. حتي ارواحنا التي أرهقها الظلم الواقع علينا”.. هكذا يقول أحمد عبدالنبي -أحد المعتقلين على خلفية الاحتجاجات على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في أبريل الماضي، والذي قضى 45 يوما بأحد معسكرات الأمن المركزي بالقاهرة- يتابع عبدالنبي: “كان معسكر الامن المركزي عبارة عن أكوام من البشر فوق بعضهم البعض، لا مكان لنفس ولا نسمة هواء يمكنها أن تمر بين الأجساد المتكدسة التي ارهقها التعامل غير الأدمي معها من قبل قوات الأمن”.

يشير عبدالنبي إلى أن الأطعمة والأدوية التي كانوا يحصلون عليها في الزيارات القليلة من الأهل والمحامين كانت تفسد نتيجة لارتفاع درجة الحرارة… “كنا نصل لأن يسقط من بيننا كل يوم ثلاثة أو أربعة معتقلين في حالات إغماء لأنهم لم يستطيعون تحمل الارتفاع الرهيب في درجة الحرارة”.

ويتابع: “لم يخلو الأمر من تمييز لبعض المعتقلين في معسكر الأمن خاصة من القادرين على دفع قيمة أن يحيوا حياة آدمية، حيث كان العساكر يؤجرون لنا المراوح ساعة يوميا بما يزيد عن 500جنيه نجمعها من بعضنا البعض ، وذلك دون علم إدارة السجن”.

***

العديد من التقارير الحقوقية قد أكدت على  أن عدد المعتقلين في السجون المصرية منذ 30 يونيو 2013 وصل لما يقرب من 40 ألف معتقل، وأن متوسط عدد المحبوسين في الزنزانة الواحدة يصل لما يزيد عن 50 معتقل ، في حين لا يتخطى حجم الزنزانة الثلاثة الى خمسة أمتار، ولا يسمح للغالبية العظمى من المعتقلين والمحبوسين بالتريض بالمخالفة لقانون تنظيم السجون رقم 369 لسنة 55، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.

***

آيات علي -زوجة أحد معتقلي الإخوان المسلمين- تؤكد أن والد زوجها لقى حتفه أمام سجن وادي النطرون نتيجة لارتفاع درجة الحرارة، حيث لا توفر إدارة السجن لأهالي المعتقلين الذين يقفون من الساعة السادسة صباحا حتي الثالثة عصرا في الشمس انتظارا للزيارة أي أماكن يمكنهم الاحتماء بها من الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.

***

يقول محمد عيسى المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية “يعاني المعتقلون في السجون المصرية من أسوأ الأوضاع التي يمكن أن يتخيلها بشر”، مشيرا إلى أن إدارات السجون قررت أن تعاقب المعتقلين وخاصة السياسين منهم معاقبة مزدوجة بالحبس مرة، وبالاحتجاز في أماكن غير آدمية مرة أخرى . لفت عيسى النظر إلى أحد أبرز  أشكال التعنت مع المعتقلين السياسين على وجه التحديد وهو وضعهم في زنازين مشتركة مع السجناء الجنائيين، وإطلاق يد الجنائيين ضدهم، وتكدس الزنازين بعشرات المعتقلين ، وعدم السماح بدخول الأطعمة والأدوية بالاضافة لعدم مراعاة الظروف البيئية سواء كان ارتفاع درجة الحرارة، أو انخفاضها.

يدلل عيسى على ذلك بمعاناة مالك عدلي المحامي الحقوقي الذي اعتقل على خلفية تظاهرات تيران وصنافير ، والذي يعاني من الحبس فى زنزانه انفرادية مساحتها 2×3 متر وغير مسموح له بالتريض، ولايرى الشمس ولايستطيع الخروج كباقى المساجين لتأدية الصلاة، وغير مسموح له الذهاب الى المكتبة مثله مثل باقى السجناء، بالإضافة إلى أن هذه الزنزنة لاتحتوى على سرير بالأساس، كما رفضت إدارة السجن إدخال مروحة لتهوية المكان الذي لا يفتح إلا لنقل مالك للمحاكمة.

نصوص هامشية

نص أول:

“كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون.”

المادة 55 من الدستور المصري 2014

نص ثان:

“يجوز للمحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيا أن يستحضروا على نفقتهم ما يشاؤون من الكتب والصحف والمجلات المصرح بتداولها للاطلاع عليها في أوقات فراغهم. وعلى إدارة السجن أن تطلع على ما يستحضره المسجونون من كتب وصحف ومجلات ولا تسلمها لهم إلا بعد التأكد من خلوها مما يخالف النظام أو يثير الشعور أو الحواس أو يخل بالأمن والعقيدة والتوقيع عليها بما يفيد ذلك وختمها بخاتم الليمان أو السجن. فإذا كانت مما يحظر طبعه ونشره تخطر الجهات المختصة ومصلحة السجون.”

المادة 15 من لائحة تنظيم السجون المصرية.

نص ثالث:

“يكون الأثاث المقرر للمحبوسين احتياطيا المصرح لهم بالإقامة في غرفة مؤثثة, كما يلي: سرير طراز المستشفى، مرتبة، وسادة، 2 كيس وسادة، 2 ملاءة سرير، بطانية صوف صيفا، 2 شتاء، حصيرة ليف، كرسي خشب، حمالة حديد، وطشت صاج مدهون، وأبريق صاج مدهون، وصبانة، وذلك في حالة عدم وجود حوض وحنفية بالغرفة، منضدة صغيرة، مرآة، إناء وطبق لمياه الشرب، فرشة للشعر، مشط، شوكة، ملعقة، مروحة.”

المادة 83 من نفس اللائحة السابقة.