بعد حادث شارلي إيبدو دشن مخلوف وعدد من الرسامين المصريين حملة للتضامن مع الفن، ورفض القتل، رغم حالة التحفظ بين الجمهور المصري، بسبب النهج الساخر للمجلة.  يرى رسام الكاريكاتير المصري أن السخرية عادة ما تحوّل الجمهور لقسمين الأول يضحك والآخر ينزعج، لكن في حالة “شارلي” كان هناك من يرفض أن يكون ضمن أي من القسمين، وسعى لوقف قتل السخرية من الأساس. هنا يتحدث الرسام عن أوضاع الكاريكاتير في مصر بعد أربع سنوات من الثورة، وكيفية العمل في ظل هذه الظروف حينما يكون على الرسام أن يجيد المناورات قبل السخرية.

بعد حادث شارلي إيبدو دشن مخلوف وعدد من الرسامين المصريين حملة للتضامن مع الفن، ورفض القتل، رغم حالة التحفظ بين الجمهور المصري، بسبب النهج الساخر للمجلة.  يرى رسام الكاريكاتير المصري أن السخرية عادة ما تحوّل الجمهور لقسمين الأول يضحك والآخر ينزعج، لكن في حالة “شارلي” كان هناك من يرفض أن يكون ضمن أي من القسمين، وسعى لوقف قتل السخرية من الأساس. هنا يتحدث الرسام عن أوضاع الكاريكاتير في مصر بعد أربع سنوات من الثورة، وكيفية العمل في ظل هذه الظروف حينما يكون على الرسام أن يجيد المناورات قبل السخرية.

لنبدأ بالحديث عن حادث شارلي إيبدو ..كيف كان رد فعلك حينما عرفت الخبر، ما الأسئلة التي طرحتها على نفسك؟

كان مقر شارلي ايبدو قد تعرض لتفجير في 2011، دون سقوط قتلى، وقد ظننت أن الحادث الأخير شبيه بما جرى قبل أربع سنوات، لكن حينما عرفت ما حدث شعرت بالغضب، خاصة أن الأربعة الذين قتلوا كانوا من الرسامين المفضلين بالنسبة لي، وملهمين لي جداً. خاصة مدير التحرير “شارب”، تزايدت حالة الغضب بعدما عرفت تفاصيل الحادث، أن كل شىء كان مقصودا.. أن يكون توقيت التنفيذ خلال إجتماع تحرير المجلة، وأن الأربعة كانوا مستهدفين بالفعل، ولم يقتلوا بالصدفة مثلا. فكرت أن الأفضل أن أقدم معلومات عنهم، لأن كان هناك اتجاه يقول بأنهم “يستهلوا” القتل، وقمت بالتفاعل والكاتبة ضمن هاشتاج اسمي شارلي(بالفرنسية). الصدمة كانت أن العديد من الأصدقاء، وبعضهم من الفنانين، لم يحسموا موقفهم مما حدث، وكذلك كان تناول الجرائد المصرية للحادث يتسم بالسذاجة، مثلما جاء في تقارير صحفية أكدت أن نشر الرسوم الخاصة بالمسلمين كان من أجل الرواج، وهذا كشف عن عدم معرفة بالمجلة، الهادفة لكسر كل التابوهات، وهذا ما حاولت توضيحه سواء بالكتابة أو التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي.    

بعض رسومك بعد الحادث كنت دقيقاً بأنك متضامن مع الفن وضد القتل..هل هذا التدقيق كان سببه الجدل المثار بسبب بعض ما تنشره شارلي إيبدو؟ وهل توقعت هجوما بسبب هذا التضامن؟

كان لابد أن أقدم موقفا واضحا، يرفض القتل ويتضامن مع الفن، لهذا أردت أن أوضح أننا يجب أن نتقبل وجهات النظر الأخرى، كما أن علينا تقديم أنفسنا للآخر بشكل أفضل. حاولت أن أقول، سواء بالرسم أو التفاعل بالكتابة على مواقع التواصل، أن هذه كوميديا، هذا فن ولا يمكن أن يكون سببا للقتل، فوجدت أن البعض يتهمني بأنني ضد الدين، بل وأتضامن مع الرسامين “الكفار”. كما أن تناول حادث مقتل الرسامين الأربعة كان تدريبا جيدا، حينما تجد أن هناك رسامين يدفعون حياتهم ثمنا للفكرة فلابد أن تجرب أن تختبر الخطوط الحمراء وأنت تتناول هذا الحدث، وما نشر من رسوم قد لا يأتي بنتيجة الآن، لكن قد يستفيد منه جيل قادم من الرسامين في مصر. شارلي إيبدو، مثلا، وصلت لما هي عليه بعد نضال طويل للوصول لهذا المستوى.

وما تقييمك للموقف الرسمي من الحادث؟

إدانة الحادث الإرهابي، سواء من جانب الأزهر أو الرئاسة، كان أمر واجبا، وكانت مطالبة الأزهر بتجاهل ما قد يثير الغضب في العدد الخاص بمن نجوا من المذبحة موقف يتسم بالذكاء، لكن مع الأسف لم يستمع الناس لهذه المطالبة.

هناك دعوات بالضغط لتشريع يحرم المساس بالمقدسات الدينية؟ كيف تقيم هذه المحاولات لتعميم فهمنا للرقابة على العالم كله؟

أيام مجد الحضارة الإسلامية، في العصر العباسي مثلا، كان المجتمع يسمح بوجود نقاش حول إذا كان القرآن منسوخا أم مخلوقا، بينما أجد أن التعامل الحالي يكشف عن وجود حالة عامة من الضعف، وكأن بعض الرسوم قد تهزّ الدين، وتصوّر البعض أن هناك إمكانية لفرض قانون يحرم مثل هذه الرسوم أكبر دليل على ذلك، والأخطر أن هناك من كَتّبْ حول هذا الموضوع، على مواقع التواصل، أن فتوى الدين في حالة سب الرسول هي القتل، لهذا فإن ما حدث أمرا عاديا، رغم أن القصص الواردة في سيرة النبي، نفسه، تبرز تسامحه مع الآخرين، ولماذا يكون هناك إصرار على الدعوة لوجود قانون يحمي المقدسات، وهل سيتضمن ذلك عدم المساس بمقدسات الجميع، بما في ذلك البوذيين، ولماذا لم يطالب أحد من غير المسلمين بوجود مثل هذا القانون؟!

هل تفكر أحيانا أن هناك عدم فهم لفكرة السخرية؟ أو أن البعض يفضل أن تكون هناك مساحة آمنة من السخرية، كأن هناك محاولة صياغة لشروط محددة  للضحك؟

الناس تتقبل السخرية طالما تستهدف غيرهم، كنت ألاحظ، مثلا، أن القراء كانوا سعداء جدا حينما كنا نسخر من الإخوان المسلمين، لكن حينما بدأنا ننتقد الحكومة والجيش، بعد فترة حكم مرسي، أبدى الناس إنزعاجا، وهذا طبيعي لأن النكتة حينما تقال فإن الجمهور ينقسم لنصفين، أحدهما يضحك والآخر ينزعج، وهذا ما لا يفهمه الجمهور العربي والمسلم في حالة شارلي إيبدو، حيث يفترض هذا الجمهور أن الرسام يجب أن يحترم الرسول وتعاليم الإسلام كذلك. وقد سبق للرسام الفرنسي الراحل شارب قوله بأنه يتبع القانون الفرنسي، وليس الدين الإسلامي لهذا من حقه أن يرسم ما يريد. كما أظن أن الجمهور المصري لا يعرف شارلي إيبدو جيداً، خاصة أن اللغة الفرنسية غير منتشرة في مصر. بجانب سخرية المجلة من المقدسات فإنها قدمت دعماً قوياً للقضية الفلسطينية مثلا. وقد سبق لي المشاركة بها أنا والرسام المصري شناوي، حيث نشرنا في عدد كان مخصصا للإحتفاء بالربيع العربي صدر عام 2011.

هل ترى أن هناك ما لا يُرّسَمْ، مساحة مُحرمة على الرسام؟

أحب أن أرسم كل شىء، لكن هناك موضوعات لا يمكن أن أرسمها بسبب المجتمع، أبرزها ما يرتبط بالدين بشكل مباشر، وإن كنت أتمنى أن الأجيال القادمة تتمكن من رسمها وتكون أكثر حرية. اللافت أن البعض قد يكون غير متدين، لكنه يرفض تناول أي موضوع له علاقة بالدين بطريقة فنية، كأنه “تابو” داخلي، من الممكن أن يقال، لكن لا يُرّسَمْ، ولا يخرج للعلن.

هل يجب أن يكون للكاريكاتير دور سياسي؟ وما نظرتك أو تقييمك لمساحة السياسة من عملك؟

في الغالب يكون ذلك أمرا ضروريا لأن الجمهور يهتم بالسياسة، ويريد أن يشاهد كيف سيتناول الرسام موضوعات سياسية محددة، كأنه يريد أن يعرف كيف سيصنع الرسامة نكتة تسخر من فلان. ما يشغلني ليس زيادة مساحة السياسة في فن الكاريكاتير في مصر، وإنما غياب الكاريكتير الذي لا يصحابه تعليق مكتوب.. أقصد رسوم “بدون تعليق”. هذا النوع يعتمد على التفكير وطرح موضوعي فلسفي أكثر ويتطلب تأمل وثقافة بصرية، وهذا النوع  لم يعد موجودا، كان من أبرز مبدعيه الراحل حسن حاكم، والاعمال الأخيرة لحجازي. أظن أن إنتاج مثل هذه النوعية من الرسوم يتطلب أن يكون الرسام واثقا من الثقافة البصرية للقارئ. تأمل أعمال صلاح جاهين ومحي اللّباد ستجد أن ما يسبب الضحك البصري وليس المكتوب، كانا عندهما ثقة أن القارئ سيفهم هذا، وأنه يتمتع بثقافة بصرية، هل كان الوضع أفضل في الخمسينيات والستينيات؟ لا أعرف لكن بالتأكيد كانت هناك جرأة من الرسامين وقتها في تقديم أعمال تعتمد على ما هو بصري أكثر مما هو الوضع الآن حيث تجد أن رسامي الكاريكاتير لديهم شكوك في مدى عمق الثقافة البصرية للجمهور.

بعد السيسي وقبله هل واجهتك أي مضايقات؟

الكاريكاتير مهنة صعبة، دائما هناك سقف ما. أيام مبارك لم يكن مسموحاً أن تسخر منه ومن بعض الأشخاص في تركيبة السلطة، بعد الثورة مباشرة كان هناك حرية تامة يمكن أن ترسم ما تريد، وفي أيام حكم الإخوان كانت السخرية من أي رمز سياسي تمثل خطورة، خاصة أن أغلبهم كان له خلفية دينية مثل حازم صلاح أبو إسماعيل، هناك “جيش” من التابعين له سيهددون أي شخص ينتقده، لكن مع وجود شخصيات معينة لا يُفضل أن ترسم، بشكل دائم، يجد الرسام نفسه معتادا على ممارسة المناورات. وإن كان الوضع الآن أفضل من وقت الإخوان، لن يهددك أحد بالقتل أو يحشد مؤيديه ضدك مثل حالة “أبو إسماعيل”، لكن المشكلة لم تعد أن الدولة قد تتحرك ضدك وإنما الشارع هو الذي سيكون ضدك، أقصد أن الرسام المصري يشعر بأنه لا يزال مهددا لأن الناس أصبحت تحب الحكومة، لهذا من الممكن أن يتحرك غضب الشارع ضده إذا انتقدها.

مخلوف رسام كاريكاتير مصري، مواليد العام 1982، نُشرت أول رسومه بجريدة الدستور المصرية المستقلة الأسبوعية، ويعمل حاليا بمؤسسة المصري اليوم.قبل الثورة المصرية بأيام أسس مع مجموعة من الرسامين والمهتمين بالثقافة البصرية مجلة “توك توك”، المعنية بنشر ثقافة الكوميكس في مصر، لتقديم هذا الفن للكبار لأول مرة بشكل مطبوع، حيث حملت شعار “يحفظ بعيدا عن متناول الأطفال”.

لمشاهدة رسومات مخلوف اضغط هنا