في أحد المحال بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) يسأل رجل البائعة عن دقيق، ويوضح أنه يبحث عن دقيق الشعير، تخبره السيدة بأنه غير موجود، وإن وجد فسيكون مرتفع الثمن، فيقول:”في ليبيا نستخدمه في صناعة الخبز .. ونسميه خبزة الشعير”، ثم يتطوّر الحديث للكلام عن عدم وجود هذا النوع من الخبز واتجاهه لخبزه بمنزله. هكذا يحاول هذا المواطن الليبي مدواة الحنين لبلده بالبحث عن هذا الدقيق.

في أحد المحال بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) يسأل رجل البائعة عن دقيق، ويوضح أنه يبحث عن دقيق الشعير، تخبره السيدة بأنه غير موجود، وإن وجد فسيكون مرتفع الثمن، فيقول:”في ليبيا نستخدمه في صناعة الخبز .. ونسميه خبزة الشعير”، ثم يتطوّر الحديث للكلام عن عدم وجود هذا النوع من الخبز واتجاهه لخبزه بمنزله. هكذا يحاول هذا المواطن الليبي مدواة الحنين لبلده بالبحث عن هذا الدقيق.

حكاية البحث عن “خبزة الشعير”، قد تكون كاشفة للتواجد الليبي في مصر، خاصة مع عدم توافر تقديرات دقيقة خاصة بتعداد الليبيين المقيمين في مصر، حيث كانت الخارجية المصرية قد أعلنت في مايو/ أيار 2011 عن وصول عددهم لما يزيد عن 134 ألفاً، بينما تشير المفوضية العليا لشؤون الاجئين UNHCR إلى مغاردة ما يزيد عن المليون شخص ليبيا منذ سبتمبر/ أيلول 2011  حتى الآن،  توجه أغلبهم لمصر و تونس. ولكن تطورات هذا التواجد لم يتم حصرها بشكل دقيق، إذ لم تسجل مفوضية اللاجئين رقما محددا لتعداد من وصلوا لمصر بسبب تواجد نسبة كبيرة منهم  كدارسيين أو كسياح، وعدم تسجيل البقية الباقية لأنفسهم بمكتب المفوضية. بينما يؤكد بعض الليبين الذين ألتقينا بهم أن الرقم ربما يكون قد وصل إلى المليون.

من ناحية أخرى لا توجد منطقة محددة يتركز بها الليبيون، البعض يسكن في مدينة نصر، وهناك آخرين بالمعادي ومدينة 6 أكتوبر، أو القاهرة الجديدة (تقع شمال شرق العاصمة، في أول الطريق المتجه للسويس شرقا). هكذا قد تجد بعض الأفراد بكل منطقة في العاصمة المصرية بامتداداتها الصحراوية وضواحيها الجديدة شرقاً وغربا، كما ستجد تواجدا ليبيا بعيداً عن العاصمة كذلك، خاصة في محافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح (أقصي شمال غرب القاهرة)، الأقرب للحدود الليبية.

منذ العام 2011 برزت آثار التواجد السوري، وقبله العراقي الممتد منذ 2003 حتى الآن، حيث نشط كل من السوريين والعراقيين عبر التأسيس لأنشطة تجارية ساهمت في تغيير أسلوب الحياة بضواحي العاصمة المصرية، لكن ذلك لم يحدث في حالة الليبيين. حول هذه النقطة يقول الليبي بشير محمد “نحن لا نستطيع العمل هنا، لسنا حرفيين، فقد أعتدنا على أن يكون الحرفي من الدول المجاورة لليبيا، بينما نحن نعمل عادة كموظفيين وإدريين. ستجد أن أن أغلب تصاريح إقامتنا إما للسياحة أو الدراسة لأن الليبي –هنا- يعتمد على راتبه من وظيفته ببلده أو على أموال تدعمه بها قبيلته”.

آثار جانبية للهجرة!

في أوائل الألفية ساهم توافد العائلات العراقية في حدوث زيادة ملحوظة في الأسعار بسوق العقارات المصري، وهو ما يؤكده وسيط العقارات المصري عبد الله حميد، حيث يقول “المسألة مرتبطة بدخول شرائح جديدة للسوق، سواء كانوا من العراق أو سوريا أو حتى ليبيا، كانت أول زيادة للأسعار مع قدوم “سكان” جدد من العراق، كما شهدت مرحلة دخول السوريون للسوق المصري زيادة وصلت لدرجة مضاعفة الأسعار”.

لا يعتبر حميد أن الليبيين يعدون فئة جديدة، “فمن المعتاد أن تجد لدى المواطن الليبيّ منزلا ببلده وآخر بالقاهرة، لكن تواجدهم الحالي لم يحدث تغييرا كبيرا في السوق، بينما يختلف الوضع مع السوريين فقد حدثت طفرة، وزيادة ملموسة في سوق العقار المصري، بعد مجيئهم”.

الطمع في كل مكان

منذ العام 2012 يعيش الليبي سمير خليفة في مصر، دون أن يفكر في العودة لبلده التي صارت “جحيما”، على حد تعبيره. “أحببت العيش هنا، الوضع أفضل”. لكنه  لا يخفى انزعاجه من استغلال أوضاع الليبيين عن طريق زيادة أسعار السكن بشكل دائم “ستجد الطمع والاستغلال في كل المناطق السكنية”!

ويوضح سمير بقوله “توجهت نسبة كبيرة من الليبيين لتملك المساكن بمنطقة حدائق الأهرام (بالقرب  من أهرامات الجيزة) لأن الأسعار هناك أقل”.  كما يعقد مقارنة بين أسعار السكن على مدار العامين الماضيين، فمنذ مجيئه لمصر زادت أسعار الوحدات السكنية بالقاهرة الجديدة، مثلا، إلى ما يقرب من 200 ألف جنيها (أكثر من 21 ألف يورو)، ويرجع سمير ذلك لتعاظم الطلب على السكن سواء من جانب الليبيين أو السوريين.

كما يشير إلى أن زيادة الأسعار مستمرة، حيث يفترض أن ترتفع تكلفة سكنه الشهر القادم بمبلغ قيمته 250 جنيهاً (حوالي 26 يورو)، حيث يقول :” فجأة علمت أن الإيجار سيزيد”.

سكن مؤقت

من جانبه يحكى “أبو عمر” السمسار السوري، المقيم بمدينة السادس من أكتوبر، عن توافد العديد من الليبين على المدينة، لكنه يؤكد أن قليل منهم من يستقر. “الأشهر الماضية شهدت قدوم العديد منهم بشكل مؤقت، جاء أغلبهم وسكنوا بشقق للإيجار تمهيدا لانتقالهم بشكل دائم وقد واكب ذلك زيادة في متوسط الأسعار”. كما يشير إلى أن السلطات المصرية كانت قد بدأت في تقييد عملية دخول الليبيين بسسب الأوضاع الأمنية، ويوضح “لولا ذلك لتزايد عدد أهل ليبيا هنا، الأوضاع هنا أفضل بكثير بالنسبة لهم”.

من ناحية أخرى تعمل هبة عبد الله بأحد المعاهد التعليمية بالإسكندرية،  تقدم منحا دراسية للوافدين العرب، وتحديدا الليبين، وتقول “نسعى لتسهيل تواجدهم بمصر، بحيث يكون معهم إقامة قانونية”. 

كما تشير عبد الله إلى وجود نسبة كبيرة من الليبين بالمدينة الساحلية من منطلق قربها من الحدود مع ليبيا، وتقول ” المنح تشمل لليبيين من سن الثامنة عشرة حتى أوائل الخمسينيات، وتتنوع مجالات الدراسة بين اللاسلكي، السياحة والفنادق، وإدارة الأعمال”. هكذا يتمّ تأمين تواجد نسبة ليست بالقليلة من الليبيين في مصر، حسبما تؤكد عبد الله.