وعد السيسي حينما كان مرشحا للرئاسة  أن “القاهرة” سترى البحر وفقا لخريطة إدراية جديدة سيعمل على تنفيذها، لكن ذلك لم يحدث بينما أعلنت الحكومة المصرية، مؤخرا، عن استعدادها لتأسيس 5 محافظات جديدة، لتتقلص لثلاث –فقط- ستضاف لخريطة مصر!

وعد السيسي حينما كان مرشحا للرئاسة  أن “القاهرة” سترى البحر وفقا لخريطة إدراية جديدة سيعمل على تنفيذها، لكن ذلك لم يحدث بينما أعلنت الحكومة المصرية، مؤخرا، عن استعدادها لتأسيس 5 محافظات جديدة، لتتقلص لثلاث –فقط- ستضاف لخريطة مصر!

إذا أردنا وصف ما تفعله الحكومة الآن فعلينا تخيل الخريطة وكأنها شاشة متغيرة تتضخم فيها محافظات، وتنكمش أخرى، تقترب بعضها من الصحراء، بينما تسعى أقاليم للوصول للبحر الأحمر، دون أن يدري سكان هذه المناطق أن هناك تغيرات تحدث تحت أقدامهم، حيث يتم حاليا إعادة ترسيم مساحات وحدود المحافظات المصرية لتأسيس محافظات “وسط سيناء”، “العلمين”، و”الواحات”، ليصبح تعداد المحافظات المصرية 30.

حينما تحولت كل من مدينة السادس من أكتوبر(غرب الجيزة) وضاحية حلوان(شرق القاهرة) لمحافظتين عام 2008 كتب أحد الكتّاب المؤيدين لسياسات مبارك تعليقا على إستحداث المحافظتين، بأنه قرار حكيم، لأن مصر لم تخض حربا من أجل صناعة هذا التغيير، في محاولة لمقارنة هذا القرار بغزو صدام حسين للكويت وجعلها محافظة عراقية!

لكن الحفاوة بـ”القرار الحكيم” لم تمنع عودة المدينة والضاحية لسابق عهدهما بعد الثورة وكأن القرار لم يكن. يفسر أستاذ التخطيط والعميد السابق لكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة سامح العلايلى حكاية “محافظتي ما قبل الثورة” بأنها كانت خطوة لمجاملة فتحي سعد وحازم العويضي..هكذا صار كل واحد منهما محافظاً.

هل ستتكرر حكاية “محافظات المجاملة” الآن؟ يجيب العلايلي قائلا ” إن الفلسفة الخاصة بالخريطة الجديدة لم تراع  فكرة التنمية، بل ربما كانت تهدف للدعاية السياسة”. أما عن التقسيم الجديد للمحافظات المصرية فيصفه بالغريب، ويوضح:”يبدو أنه تمّ بطريقة متسرعة، لكن عن طريق الإدارة الرشيدة يمكن تجاوز ذلك”.

تشهد الخريطة الجديدة إزاحة مناطق كاملة حيث كانت “الواحات”، والتي تبعد عن “الجيزة” بما يزيد عن 300 كيلومترا بالصحراء الغربية، تابعة لكل من محافظتي الجيزة والوداي الجديد، ومنطقة وسط سيناء، وتحديدا “نِخلْ”، فكانت تابعة للمحافظة الشمالية بشبه الجزيرة الحدودية، ومن المتوقع أن تستقطع أجزاء من المحافظة الجنوبية لترسيم حدود محافظة الوسط، أما العلمين، فمن المقرر أن تقع  شمال مصر على ساحل المتوسط بين محافظتي مرسى مطروح والإسكندرية، وقد كانت تابعة للأخيرة.

ديناصور الحكم المحلي

تقييم الخريطة الجديدة ليس مهما، حسبما يري العلايلي، ويقول: “العبرة بطريقة الإدارة، خاصة أن المشكلة تكمن في الإدارة المختصة بهذا الشأن في الدولة المصرية وهي الإدارة المحلية أو الحكم المحلى، وهي مؤسسة أقرب لديناصور”. يعتبر العلايلي أن هذه المؤسسة تحتاج  لإعادة نظر، خاصة في مسألة التنمية، حيث يجب أن تتم بطريقة لا تساهم في إهدار الموارد عن طريق شركات تنمية كبرى، بشكل يراعي جوانب ومجالات التنمية مثل الزراعة والسياحة.

يوضح العلايلي مقصده من إعادة النظر في أسلوب التنمية بقوله:”لماذا نستهلك الشواطئ ؟ ستجد أن المناطق القريبة من السواحل البحرية تشهد عملية تخصيص للشريط الساحلي بالكامل لصالح المنشآت السياحية دون الاهتمام بالعمق، بمعنى ألا تتسع التنمية لتشمل الأراضي البعيدة عن هذا الشريط الضيق. كما أن إهدار وإستهلاك الشريط الساحلي ليس أمرا مستحبا فمن الأفضل أن يترك ليتم استخدامه مستقبلا من جانب الأجيال القادمة، بدلا من أن تقتصر التنمية على الجيل الحالي !؟”.  

يحلل العلايلي الخريطة الجديدة معتبراً أن الفلسفة الخاصة بها تبدو كخطة أمنية أكثر من كونها محاولة لتنمية هذه المناطق، خاصة المحافظة التي ستؤسس بشبه جزيرة سيناء وسط المحافظتين القائميتن بها، حيث يقول “أفضل أن تبقى بكرا على أن تتم تنميتها بشكل متسرع. التنمية يجب أن تتم بشكل يراعي البيئة، وستجد أن خطط تنمية سيناء تشمل إقامة مصانع للأسمنت هناك. شبه الجزيرة الحدودية كانت معبرا للرسل وشهدت هبوط الرسالات السماوية، وتتمع بطبيعة خاصة جداً.. وإذا كانت التنمية غير مدروسة بشكل كافي فمن الأفضل إلا تتمّ”.

كما يؤكد أستاذ التخطيط على ضرورة إعادة النظر في فلسفة الحكم المحلي بشكل كامل، حيث يقول”ما الجديد الذي ستقدمه المحافظات الجديدة إذا كانت المحافظات القائمة لا تستطيع السيطرة على شوراعها بسبب ترهل الكيانات البيروقراطية وإنتشار الفساد والمحسوبية ؟ إذا كان التقسيم الجديد سيؤدي لحدوث انتعاش اقتصادي فهذا أمر جيد، إما إذا ساهم في زيادة الترهل فما حاجتنا له”.

 كما تُقسمْ الحلوى

من جانبه يعتبر خبير التخطيط العمراني وعضو اللجنة العليا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري طارق والي أن هذه الخريطة الإقليمية المرتجاة محاطة بغموض كبير، حيث يرى أنها خطة حكومية لم يتمّ التشاور بشأنها مع أصحاب الخبرات، كما لم تطرح لحوار مجتمعي.

يرى والي أن عملية تقييم هذه الخطة الحكومية وفقا للمعايير المعتادة لتأسيس المجتمعات العمرانية لن تكون ذات فعالية أو جدوى، ويوضح: “هي ليست مجتمعات جديدة، بل مناطق موجودة بالفعل، وسيتم ترسيم جديد للحدود الإقليمية للمحافظات لتأسيسها..كأن الحكومة تقوم بتقسيم صحن  بسبوسة مثلا!”. كما يرى طارق أن العملية تتمّ دون شرح أسباب إختيار هذه المناطق تحديدا لتكون محافظات جديدة، لماذا الواحات مثلا؟ وهل ستحقق حينما تصبح محافظة تنمية حقيقية أم لا؟ وهل سيصب ذلك في مصلحة السكان؟

الحكومة تغيّر الخريطة الآن، لكن الشكل النهائي لم يحدد بعد، حيث تعكف لجنة حكومية تجتمع كل ثلاثة أشهر لإحداث كل  التغيرات الممكنة في ظل غياب برلمان منتخب يناقش جدوى وآثار هذه العملية، وتجاهل لإرادة سكان المناطق التي ستزاح من محافظة لأخرى.