بصيغة إلزامية وبإلحاح شديد يتابع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب التبرعات من المصريين، حيث قال مؤخراً في خطابه للإعلان عن إفتتاح المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس، “حتتبرعوا يعنى حتتبرعوا”، مشيراً لاحتياجه لتبرعات من أجل صندوق “تحيا مصر”.

بصيغة إلزامية وبإلحاح شديد يتابع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طلب التبرعات من المصريين، حيث قال مؤخراً في خطابه للإعلان عن إفتتاح المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس، “حتتبرعوا يعنى حتتبرعوا”، مشيراً لاحتياجه لتبرعات من أجل صندوق “تحيا مصر”.

سبق للسيسي أن تبرع للصندوق كما تمّ تلقى تبرعات من القوات المسلحة ورجال أعمال وكبار موظفي الدولة، بداية من رئيس الحكومة حتى قيام بعض الموظفين المتحمسين للتنازل عن قيمة راتب شهر، كذلك تلقى الصندوق تبرعاً بقيمة “حلق” لسيدة مسنة. ألتقى السيسي بالفعل زينب المتبرعة بقطعتها الذهبية البسيطة وعرض عليها السفر للحج على نفقته.

قائمة سوداء

يعتمد الرئيس المصري على أداء خاص حينما يتكلم عن التبرع لهذا الصندق، واللافت أن كل فترة تشهد تغيرا في نبرة الطلب، حيث كانت البداية مع صيغة “عشان مصر”، وهي جملة اعتاد السيسي أن يرددها لتبرير سياسات التقشف، والدعوة للتبرعات، وكذلك استمرار التشريعات المُقيدة للحريات مثل قانون تنظيم التظاهر، وتطورت فيما بعد لـ” مينفعش كده”، ثم كانت آخر الصيغ “حتتبرعوا يعني حتتبرعوا”، ولكن يبدو أن التغيرات الحادثة لنبرة الطلب كان لها تأثيرا مختلفا، حيث تمّ الإعلان مؤخراً عن قائمة شعبية تضم أسماء من لم يتبرعوا للصندوق، يشرف عليها إئتلاف لدعم حملة جمع التبرعات للصندوق، القائمة وإن كانت ليست رسمية، لكنها تكشف عن استمرار هذا النهج في المجتمع المصري، فقد أصبح المواطن المصري مطالبا بالدفع لصندوق “تحيا مصر”، ليكون هماً جديداً يضاف لفاتورة ضخمة يتحملها شهريا بعد غلاء الأسعار. وإن كان الرئيس يقول أن التبرع للصندوق يقصد به القادرين فقط، لكن البسطاء باتوا يستشعرون أن عليهم المشاركة، بسبب الدعاية المفرطة والإلحاح المتزايد على طلب التبرعات.

أين ذهبت تبرعات السبعينيات!؟

عقب الإطاحة بمحمد مرسي تمّ الإعلان عن فتح باب التبرع لصندوق يحمل رقم 30-6-30-6، من جانب واحد من رجال الأعمال، في إشارة لتحرك الجماهير من أجل اتمام عزل الرئيس المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، لكن هذه لم تكن أول الدعوات للتبرع للدولة، حيث يرجع الخبير الاقتصادي صلاح جودة طلب الدولة للتبرع من المواطنين لأواخر السبعينيات، حيث يستعيد رئيس مركز الدارسات الاقتصادية بداية هذه المبادرات حينما دعت جريدة الأهرام لمبادرة تنمية أرض الفيروز، بعد حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973، وحتى الآن لم يعلن عن مصير هذه الأموال.

كما يرصد جودة تنوع أهداف مبادرات جمع التبرعات  بين سداد ديون مصر أو رفع الضرر عن متضرري سيول قنا، كما كانت هناك مبادرة أخرى خاصة بسيول سيناء، وكذلك جاءت العديد من المبادرات بعد ثورة 2011، منها ما جمعه الشيخ محمد حسان أو دعوة بعض الشباب للتبرع ضد المعونة الأمريكية، كما دعا المسرحي محمد صبحي لجمع الأموال تحت عنوان “لا للعشوائيات”، إلى جانب مبادرة حكومية في عهد وزير المالية الأسبق سمير رضوان للتبرع لصندوق يحمل اسم “25 يناير 2011”.. لهذا يشدد جودة بأنه “يجب معرفة نقاط خاصة بكل هذه المبادرات مثل من كان المسئول عنها، ومن كان مشرفاً على جمع الأموال، وما هي جنسية كل متبرع، وما مقدار التبرعات، ومن كان له حق صرفها، وقيمة ما تمّ إنفاقه وما تبقى منها، وبعد ذلك يتم جمع ما تبقى من أموال في صندوق واحد، وليكن تحيا مصر”.

يفضل جودة أن يبتعد الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الإشراف على هذا الصندوق، ويوضح : “حتى لا تعود سياسات العهود السابقة، حينما كان الرئيس يقوم بالإشراف بنفسه على كل شىء، وذلك تجنباً للجمود”. يرى الخبير الاقتصادي أنه يجب اختيار مجلس إدارة من المحترفين في إدارة الأموال والمشروعات، ليكون هدفه توظيف أموال هذه التبرعات للتأسيس للمشاريع ذات الكثافة العمالية، وتنمية المهارات الخاصة وتحديدا الصناعات اليدوية، وإقامة المشاريع بالقرى والنجوع.

كما يشير جودة إلى أن الأفضل للدولة المصرية أن تقوم بتحصيل مستحقات مثل الضريبة العقارية، وقد صدر قانون ينظمها منذ تسع سنوات، ويضيف موضحا:”منذ عام 2008 نجد أن الطبقة الغنية تحارب تطبيق هذا القانون، وهو ما تسبب في خسائر للدولة تعادل 24 مليار جنيها أي حوال 2.5 مليار يورو”، وكذلك يطالب جودة بزيادة حصيلة الضرائب من 31 مليار يورو إلى 104 مليار، عن طريق فرض ضرائب على كل من المهن الحرة وكسب العمل، وكذلك “التقشف في المصروفات الحكومية لوقف هدر الإمكانات والفساد في التشريعات المعمول بها، حيث سيساهم في توفير ما لا يقل عن 5 مليار يورو”، والإتجاه لوضع العديد من السياسات الإقتصادية الجديدة.

التبرع من أجل الاستقرار

من جانبه يعلق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فرج عبد الفتاح حول فكرة جمع التبرعات التي يدعو لها الرئيس المصري بأنه أمر مطلوب في ظل دولة تريد تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، كما يشير أستاذ الإقتصاد إلى أن هناك طرق وسبل أخرى، أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية لتنفيذ المشروعات الكبرى منها طرح كل من أذونات الخزانة الرسمية وكذلك الأسهم للاكتتاب العام، وهو ما تمّ الإعلان عنه بالفعل خلال مشروع تنمية محور قناة السويس صباح الثلاثاء، والخاص بحفر مجرى جديد يوسع من الحركة الملاحية في القناة الرابطة بين البحرين الأحمر والمتوسط.

كما يؤكد عبد الفتاح أن حملة جمع التبرعات تستهدف بالأساس رجال الأعمال، حيث يقول:”أن التبرعات، كما هو معلوم، لا تصدر إلا من فئة تملك القدرة على التبرع، وهذه الفئة قد ترى أنها حققت الكثير من الأرباح داخل مصر، وعليها أن تدفع الآن لإنقاذ الاقتصاد المصري”. كما يرى فرج أن ” صندوق تحيا مصر كصندوق لجمع التبرعات لا يعاني من غياب قوانين تحدد سبل صرف ما به من أموال، حيث تتواجد العديد من القواعد المنظمة لطرق صرف وإنفاق التبرعات في مصر”.